الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التحولات الديمقراطية في العالم العربي بين الديكتاتورية والإسلاموية

نائل جرجس

2011 / 2 / 17
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


ترزح المنطقة العربية منذ عقود تحت نير أنظمة تسلطية استبدادية أدّت إلى نهب ثروات الشعوب واغتيال العقل وكسر الأقلام والزج بالسجون في كل من يتجرأ على معارضتها حتى بوسائل سلمية مكفولة بالقوانين، وهذا ما أدّى إلى غياب أية معارضة حقيقية أو مناخ ديمقراطي يسمح بالنقد البنّاء وبوضع حدّ لتسلط هذه الأنظمة.

إلا أنه يبدو بأن قواعد اللعبة السياسية بدأت بالتغير في الآونة الأخيرة ولاسيما بعد الأحداث المتتالية والسريعة التي يشهدها العالم العربي وخاصة الاحتجاجات الشعبية السلمية في كثير من الدول العربية وخاصة ثورتي تونس ومصر الشعبيتين اللتان أطاحتا بكل من الدكتاتور زين العابدين ونظيره مبارك.

وهنا لابدّ من الإشارة بأن التحولات الديمقراطية المرجوة محفوفة بالمخاطر ولاسيما وأنّ الأنظمة المذكورة قد نجحت في غسل العقول خاصة عن طريق النظام التعليمي وتغييب ثقافة حقوق الإنسان وأخيرا وليس آخرا تغييب الحياة السياسية وهذا ما أدّى إلى نمو تيار ديني متطرف نجح بجذب شريحة شعبية واسعة، بدعم مباشر أو غير مباشر من أنظمة الاستبداد. حيث لم تكف هذه الأخيرة من التشدق بعبارة "إمّا نحن أو الإسلاميون" وهذا التعبير نفسه لطالما استخدمته بعض الأنظمة الغربية بتحريض من إسرائيل من أجل إجهاض أي مشروع ديمقراطي وطني يثور على أنظمة الاستبداد التي ساهمت وبجدارة باغتصاب الأراضي العربية وحقوق الشعب الفلسطيني.
فإسرائيل على يقين بأنّ زوال أنظمة الاستبداد والتحول الديمقراطي يؤدي حتما إلى نهاية فوقيتها وانتهاكاتها المستمرة للقانون الدولي، لأن ميزان القوى سيكون حتما بمصلحة شعوب المنطقة العربية التي يبلغ عددها مئات الملايين مقابل بضعة ملايين من الإسرائيليين اللذين نجحوا بتكبيل كل القاطنين في العالم العربي عن طريق الديكتاتوريات. إنّ قيام أنظمة ديمقراطية في العالم العربي يؤدي إلى تقوية الاقتصاد عوضا عن نهب المقدرات وبناء جيش قوي وشعوب متماسكة قادرة على استرداد الحقوق المسلوبة منذ عقود من قِبل إسرائيل.

وللعودة إلى عبارة "إمّا نحن أو الإسلاميون" أو أنّ "الديمقراطية والانتخابات النزيهة تفرز إسلاميين"، وهو أيضا ما تشدّق به الإسلاميون المتطرفون أنفسهم، فإننا نقول بأنّ هذه "الديمقراطية الإسلاموية" غير مقبولة ومتعارضة تماما مع مفهوم الديمقراطية الحديث الذي أفرزته لنا الحضارة الإنسانية بجميع مكوناتها. حيث أنّه من المغالطة قصر الديمقراطية على الانتخابات لأنّ الديمقراطية جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان وهذا ما أكّده صراحة إعلان وبرنامج عمل فيينا لعام 1993 الذي جاء في فقرته الثامنة بأن " الديمقراطية والتنمية واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، أمور مترابطة ويعزز بعضها بعضا".

بالنتيجة فإنّ أي تشريع قانوني، حتى لو تمّ سنّه عن طريق استفتاء شعبي، يجب أن يحترم حقوق الإنسان والأقلية مهما صغر عددها. ولتوضيح الفكرة، فإنّ القوانين التي ينوي تطبيقها هؤلاء الإسلاميون المتطرفون في حال وصولهم إلى السلطة تتعارض كليا مع منظومة الديمقراطية هذه. فالتمييز الديني وقتل المرتد عن الدين، كما هو منصوص عليه صراحة في القانون السعودي والإيراني، يتعارض مع حق الإنسان في الحياة و مع الحرية الدينية. كما أنّ جلد النساء ورجمهم كما يحدث حاليا في السودان، وغيرها من العقوبات اللاإنسانية ( التعذيب) يتعارض أيضا مع هذه الديمقراطية. وفي المقابل إنّ أي قانون تنتجه شعوب بعض الدول الأوروبية، كحظر المآذن أو طرد العرب أو...، يتعارض بدوره مع الديمقراطية.

ومن هنا تبدو أهمية أنسنة وتحديث الدساتير العربية التي لا تزال تُهيمن عليها الهوية الأيديولوجية والسياسية للأنظمة الحاكمة، وكذلك تشديد الرقابة الدستورية سواء على القوانين الحالية أو على مشاريع القوانين بشكل يؤدي إلى استبعاد كل ما يتعارض مع هكذا دساتير وبالتالي مع منظومة حقوق الإنسان بمفهومها الدولي.

والخلاصة بأنّ التغيير قد أصبح أمرا لا محال منه ولكن لا مجال للسماح لأي نظام سياسي يفرزه لنا صندوق الانتخاب باضطهاد الإنسان وقمعه بأسم التشريعات الديمقراطية أو الديمقراطية لأن هذه الأخيرة وُجدت لمصلحة الإنسان واحترام حريته وحقوقه وإنسانيته وليس لسحقه من أجل السلطة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شولتس يزور القوات الألمانية في ليتوانيا ويتعهد بتقديم دعم عس


.. ماكرون يرحب بالتزام الصين -بالامتناع عن بيع أسلحة- لروسيا •




.. متجاهلا تحذيرات من -حمام دم-.. نتنياهو يخطو نحو اجتياح رفح ب


.. حماس توافق على المقترح المصري القطري لوقف إطلاق النار | #عاج




.. بعد رفح -وين نروح؟- كيف بدنا نعيش.. النازحون يتساءلون