الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحداثة المعطوبة ) إعادة إنتاج المثال)

ياسر اسكيف

2004 / 10 / 8
الادب والفن


1- الإبداع المشروط – حركة مجلّة ( شعر )

الحداثة . أظنّه من المصطلحات الأكثر إشكالية وغموضاً وترجرجاً في ثقافتنا العربيّة المعاصرة . وأظنّ أيضاً , أنّ الحداثة كظاهرة , وليس كمفهوم متعال ٍ , لم تنل ما تستحقّ من دراسة , مع أن الحاجة للقيام بعمل كهذا تقدّم مبرراتها في كلّ لحظة , وفي أكثر من موقع , كمفارقة محزنة ملمحها الارتكاس المفزع وإعادة إنتاج الماضي فكرياً وفنيّاً وأدبياً , وكاندفاع استهلاكي مجنون , مرتبطاً بالغياب شبه التام للعلاقات التي تسم المجتمعات المدنية .
عن أي حداثة جرى ويجري الحديث في ثقافتنا العربية المعاصرة . هذه الثقافة التي يمكن وصفها بالأرخبيل المتجاور والمتداخل بطريقة تناقض وتلغي كلّ قوانين الاجتماع . فالجزر هنا , متلاصقة ومنفصلة في الآن ذاته , ما من جزيرة معزولة بالمعنى الجغرافي , أو مرتبطة بذات المعنى . وما من تجاور أفقي سطحي يؤكد نظرية الأحقاب , تلك النظرية التي تفترض التعاقب في التطبّق , إلا في حالة الاستثناء الذي تسببه الحركات الأرضية . هذا الاستثناء الذي لا يؤكد التزامن رغم التجاور , بل يشير على الدوام إلى زمن آخر .
هل كان لمصطلح الحداثة أن يجد , شأنه شأن الكثير من المصطلحات المتداولة وكأنّها جزء مرتبط من
النسيج الثقافي , لولا الإطلاع على الحداثة الأوربيّة ؟ وهل تمكّن باحثونا وكتّابنا على حدّ سواء أن يتعاطوا مع مصطلح يعنيهم حقيقة دون حضور نسخته الأوربية كشاهد ومقياس وإمام ؟
وكيف نفسّر المطالبة بإنتاج النص الأدبي , الشعري منه خاصّة , على المقاس الأوربي ليكون حداثياً , فيما النص النظري المحايث يتوه في أرض أخرى بدعوى الاكتشاف والتقصي , ليتحفنا ببرامج ليست جديدة في شيء سوى انتقالها من حقلها الأيديولوجي السياسي إلى الأدبي ؟ .

هي المرّة الأولى , وبتلك الحدّة والحماس , التي يسبق فيها النقد , من حيث هو تقويم ومعيار كما تموضع في هذه الحالة بالتحديد , الظاهرة الأدبية ويزامنها في الوجود . مع أن شيئاً من هذا قد حصل في ثقافات أخرى ( الدادائية – السوريالية .. ) لكننا الآن نتكلم عن الثقافة العربية , وعن بيان يوسف الخال بالتحديد . ذلك البيان الذي أصدره يوسف الخال نيابة عن جماعة ( شعر ) وتلاه في الندوة اللبنانية بتاريخ 31-1 1957 متضمناً نقاطه العشر التي حاول فيها وضع الأسس النظرية للتيار الحديث في الشعر العربي . وقد شكّل ذلك البيان نقطة فاصلة في مسيرة التجديد الشعري , لا بالمعنى الإبداعي فحسب , بل باحتكاره لذلك المعنى وسجنه ضمن نقاطه العشر , معتبراً أن الأخذ بها , وبها وحدها , ضرورة لازمة لقيام شعر طليعي تجريبي . وصارت تلك النقاط , بالفعل , منهاج عمل قامت عليه حركة التجديد في الشعر العربي مدعومة بإصدار مجلّة متخصّصة وخاصّة هي ( شعر) التي أصدرها ورأس تحريرها يوسف الخال حيث صدر العدد الأول في كانون الثاني من عام 1957 .
هل من إبداع مشروط ؟
إنّه السؤال الذي تحرّض وتدفع على طرحه تلك النقاط العشر .
في البدء كان النص الشعري الذي بلغ ذروته الإبداعية والتجديدية والتغييرية مع ( أنشودة المطر) للشاعر( بدر شاكر السيّاب )الذي مثّل انعطافة حاسمة في تاريخ شعرنا تبدو مرتبطة بتحوّل عميق في الاختبار الروحي والفكري لقسم كبير من الأنتلجنسيا العربية وذلك عبر تمثّله الجوانب الخاصّة به من الدعوة إلى الالتزام , كاستخدام لغة الحديث وهجران التقعر اللغوي والاتجاه إلى الموضوعات الوثيقة الصلة بحياة الناس والبحث عن صياغة تتلاءم مع طبيعة هذه الموضوعات . كما يرى الدكتور كمال خير بك في كتابه – حركة الحداثة في الشعر العربي المعاصر – ص 6- 7 .
إن نص السياب قد تسبب بردود أفعال شديدة التباين لدى المتلقين , وجاءت ردود الأفعال تلك رافضة ومستنكرة لما في أفعال ذلك النص من تطاول على الثابت المقدّس .

لقد أخصب النّص وتشكّل كهاجس نوعي , عبر تجربة الاحتكاك وجحيمها , بين ذات تنامت بالمعرفة والإطلاع على شرط الحريّة ومحيط ساكن وضاغط . الأمر الذي أدى إلى تمايز ذلك النص كإحساس شقّ مجراه وانطلق في مجهوله , دون أن تكون غايته الاختلاف أو المغايرة . وهاتين الصفتين جاءتا لملء الفراغ الوصفي الذي أحدثه النّص .
وإذا كانت ( أنشودة المطر ) هي المقاربة الأولى للنص الشعري بملامحه الجديدة , والذي شكّل نموذجاً لبدايات الشكل الشعري الجديد وفتحاً لمنافذ جديدة , ورؤى جديدة , سوف تشكّل أساس مرحلة شعرية كاملة , كما يرى الناقد والروائي ( الياس الخوري ) في كتابه ( دراسات في نقد الشعر ) فإن قلّة من دارسي تاريخ الشعر العربي الحديث ونقّاده قد وضع ( السياب ) في نسق الحداثة الشعرية العربية , شأنه في ذلك شأن الكثير من الشعراء العرب الذين ساهموا في خلق شعر عربي جديد ( عبد الوهاب البياتي – صلاح عبد الصبور – أحمد عبد المعطي حجازي ... ) وذلك بدعوى انتمائهم إلى مدرسة أدبية ذات مرجعية أيديولوجية حيناً , أو لعدم انضمامهم إلى مشروع مجلة ( شعر ) وتبنيهم لمقولاته وتوجهاته حيناً آخر . ( أنظر شكري عيّاد – المذاهب الأدبية والنقدية عند العرب – سلسلة عالم المعرفة – ص65 ) وكما نلاحظ , فإن هذا التصنيف لا علاقة له بالقيمة الفنية والأدبية , وكأنما الحداثة , حسب هذا التصوّر , مشروع وحركة وليس ظاهرة تشير إلى وتنبيء عن تحوّلات أصابت عمق البنى الاجتماعية بتأثير من تحوّل أعمق أصاب البنى الاقتصادية . وهنا لابدّ من التأكيد على الالتباس الذي عزّزه وعمّمه مشروع ( شعر ) لمفهوم الحداثة عموماً وللشعرية منها بشكل خاص , والذي وضعه في مأزق طالما تخبّط فيه .
لقد أصدر ( يوسف الخال ) بيانه الذي طرح مهمّة مزدوجة ومركبّة :
- تحرير النص : وهذا تؤكّده النقاط من واحد إلى خمسة .
- تحرير الإنسان : وتعكسه النقطتان السادسة والعاشرة .
على النص الشعري أن يتحرّر إذاً , كي يقوم بمهمّته في تحريك الواقع الاجتماعي وتثويره باتجّاه التحديث والتقدّم . إنه بطريقة ما , عمل على إنتاج الإنسان الجديد بالتوازي مع أنتاج النص الجديد . وكما يبدو , فالنص المقصود ليس نص حداثة بالمعنى الأوربي , ذلك أن نص الحداثة الأوربية جاء كنتيجة وليس كمقدّمة , فيما المطلوب من النص الشعري العربي أن يفيض عن ذاته كمقدّمة لتحقيق نتائج ليست أدبية بأية حال . انه ببساطة , نص مشروط بتحقيق وظيفة اجتماعية محدّدة ومعيّنة : التحريض والتثوير . وبالتالي عليه الوجود بمواصفات سابقة يحددها القبلي من منظومة المفاهيم . وهنا يجد النص الشعري نفسه ممزقاً بين انتمائه إلى أبوّة شعرية غربية , أنتجتها مقدمات اجتماعية محددة بظرفها التاريخي , وأبوّة عربية هرمة ومتداعية , عليه بث الحيوية فيها , وقيادتها إلى فضاء انتمائه الجديد .
وفي العودة إلى مأزق المصطلح , يمكن القول أنه قد انتقل إلى المستوى المفهوماتي , ليسم حركة الحداثة العربية كفعل يحاول الوجود و الجريان . ونخص هنا الجانب الأدبي للحداثة , والشعري منه بخصوصية أكبر . ونرى في الإصرار الذي مارسته حركة ( شعر )على تمثّل النص الشعري الأوربي , والأخذ بروحه باعتباره نصاً يعنيه الإنسان أينما وجد . والأخذ أيضاً بالمعايير النقدية التي رافقت ذلك النص واشتغلت عليه , نوعاً من الدعوة الأدبية الخالصة التي أقرّت موقعاً خاصّاً للإنسان العربية , هو موقع المتقبّل السلبي الذي يجب إعداده وتطويره , ليكون عنصراً داعماً في الاختبارات المنتظرة للجدارة , والتي تتهيأ لها الحركة , وليس باعتباره فاعلاً جماليا بميزات خاصّة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي