الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملاحظات عن المسألة الديمقراطية.. [ المقال الأول]

عزيز الحاج

2011 / 2 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


مع ثورتي مصر وتونس، وتحركات الشارع العربي والإيراني، عادت المسألة الديمقراطية في المنطقة العربية لتطرح نفسها بمزيد من القوة والإلحاح.

لا شك في أن ما حدث في تونس ومصر هو بداية ثورية سلمية رائعة، لأن مجرد إسقاط الحكم المستبد، في بلد منغلق سياسيا، هو أول الطريق الشاق نحو بناء الدولة الديمقراطية العلمانية، التي تضمن الحرية والعمل، وتحسّن المستوى المعيشي لذوي الدخل المحدود والفقراء، وتلتزم بحقوق الإنسان، وخصوصا مساواة الجنسين والحرية الدينية وحقوق الأقليات القومية والدينية.

وبهذا المعنى، فإن عقلية التفاؤل المفرط والمزايدات، وتصعيد المطالب، ونزعات الانتقام، وتبسيط المشاكل، وإنكار العقبات، لا تخدم مهمة تحقيق الأهداف المنشودة في قيام الدولة المدنية الديمقراطية، التي تفصل بين الدين والدولة.

في 2003، ألقى جورج بوش حطابا في واشنطن وآخر في لندن عرض فيهما إستراتيجيته لما عرف بنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط. وكانت منطلقات المشروع أن أنظمة الاستبداد والانغلاق السياسي والفساد، وأن الفقر والبطالة، تساعد على خلق مناخ يستثمره المتطرفون الدينيون ودعاة العنف، ويفرّخ الإرهاب الذي ينتقل من الدول الإسلامية إلى الغرب والولايات المتحدة نفسها، أي يهدد مصالح الأمن القومي. وبعبارة، فإن مشروع بوش كان جزءا أساسيا من سياسة مكافحة الإرهاب الإسلامي، الذي ضرب ضربته الكبرى في 11 سبتمبر. وكون المشروع أميركيا وهدفه الأول حماية الأمن القومي الأميركي، لا يعني أنه لم يكن يلتقي مع طموح وأهداف القوى الديمقراطية العلمانية في منطقتنا، ومع تيارات الاعتدال والانفتاح كافة.

عندما كانت قرارات مجلس الأمن في إدانة نظام صدام تصدر تباعا، كتبنا مرارا كثيرة أنه كان من الواجب عدم قصر القرارات على موضوع التسلح وحده، بل وقرنه بموضوع حقوق الإنسان وحماية القوميات الصغيرة والأقليات الدينية. وكان هناك قرار واحد قد صدر عام 1991 عن حماية الأقليات القومية، والشعب الكردي خاصة، ولكنه لم يكن ضمن باب العقوبات من ميثاق الأمم المتحدة. وقد قصّرت المعارضة العراقية عهد ذاك في عدم الإلحاح على موضوع الديمقراطية وحقوق الإنسان في مجمل نشاطها الدولي السياسي والإعلامي. وكانت تجربة الحرب في البوسنة وكوسوفو في عهد كلينتون قد فرضت شرعيتها الإنسانية على المجتمع الدولي، أي حق التدخل الإنساني؛ فقد اندلعت الحرب على نظام ميلوسوفيتش بلا قرار من مجلس الأمن، ولكنها لم ثر ضجة احتجاجات واسعة في الشارع الغربي كما حدث مع حرب إسقاط صدام. ونعرف معارضة اليسار الغربي وحكومات ألمانيا وفرنسا وروسيا والصين لتلك الحرب، وقلة من ساندوها من بين المثقفين الغربيين. وكان من بين تلك القلة الفيلسوف أندريه غلوكسمان، الذي أصدر كتابا يناقش فيه مفكرين آخرين عارضوا الحرب. واستشهد المؤلف بقول فيجتور هيجو: "المتوحشون الذين يرتكبون هذه الآثام يخيفون؛ وأما المتحضرون الذين يسمحون لهم بذلك، فهم مرعبون." وسرد المؤلف نماذج من جرائم العهد السابق وحروبه ومجازره واستعمال الغاز وأساليب التعذيب، وأورد مثال أحد الضحايا، جمال مجيد ذي الخامسة والثلاثين، الذي سجن لهروبه من الجندية، فتعرض للتعذيب ليل نهار، وقلعت أسنانه وأظافره، وجدع انفه، ووشمت جبهته، وعميت عيناه. وقال غلوكسمان إن مجلس الأمن لم يعمل للحيلولة دون مجازر كمبوديا ورواندا والبوسنة وغيرها، وظلت الأمم المتحدة تتفرج والضحايا يتساقطون بالملايين.

لقد سقط النظام البعثي في العراق بالقوة الخارجية، ولكن العراق لا يزال بعيدا عن بناء الدولة الديمقراطية. والخطأ الرئيسي في مذهب بوش والعقلية السياسية الغربية هو اعتبار الانتخابات وحدها معيارا للديمقراطية، في استنساخ لما يجري في الدول الديمقراطية الغربية العريقة حيث أن انتخاباتها طريق للتداول السلمي للسلطة وللتغيير والإصلاح. وقد ضغط الغرب لإجراء انتخابات في غزة، ففازت حماس الإخوانية لتقيم دويلة طالبانية تابعة لإيران وسوريا. وأما الانتخابات العراقية الثلاث، فجاءتنا بهيمنة الأحزاب الدينية وبدستور ممسوخ قائم على أحكام الشريعة، وبالتضييق المستمر على الحريات الشخصية والعامة، وبالفساد الطاغي وتدهور الخدمات وانتشار الطائفية. فالانتخابات تمت في ظرف لم يكن فيه العراقيون على استعداد وأهلية لها. وكانت المرجعية الشيعية وأحزابها، مع الضغوط العربية، هي التي جعلت الانتخابات مهمة الساعة قبل توفر الشروط المطلوبة لها: من استقرار، ومن درجة مناسبة من الثقافة السياسية المنفتحة ودرجة من التقاليد الديمقراطية، واحترام الآخر وروح الحوار- وقبل كل شيء، الانطلاق من الولاء للعراق أولا، لا من القواقع الفئوية والمذهبية.

إن هناك فرقا كبيرا بين حرية الصناديق الانتخابية، في مجتمع تعلو فيه المشاعر والأفكار الفئوية على مبدأ المواطنة والمعيار السياسي، وبين الانتخابات كخطوة كبرى نحو بناء الدولة الديمقراطية. في تلك الظروف العراقية كانت الأحزاب الشيعية والجبهة الكردستانية الطرفين الأكثر والأقوى تنظيما وشعبية بينما كانت القوى الديمقراطية واليسارية العراقية وسائر القوى اللبرالية مهمشة بفعل القهر الدموي المستمر في العهد السابق. ومع أن الطرفين الكرديين الأساسيين علمانيان، فإنهما دخلا في تحالفات إستراتيجية مع المجلس الأعلى وغيره من قوى الإسلام السياسي، وقد رأينا كيف تم الالتفاف على نتائج الانتخابات الأخيرة في مناورات بائسة برهنت على تخلف سائر أطراف القوائم الثلاث الفائزة وعلى ميول الاستئثار والانفراد المخالفة لأبسط مبدأ ديمقراطي.

ومن العقد الغربية الأخرى التطير من العسكر بناء على تجارب الانقلابات العسكرية في أميركا اللاتينية والبلدان العربية، كسوريا ومصر الناصرية وغيرها. وهذا التقييم صحيح من حيث الحالات الغالبة. ولكن هناك استثناءات، نذكر منها دور الجيش التركي كحارس للعلمانية، ولذا نجد الحزب الإسلامي الحاكم يوجه ضربة بعد أخرى للجيش في تهم مؤامرات يظهر أن معظمها مختلق. ومع هذه الضربات، جرى استفتاء ضمن تدخل الدولة في القضاء كما أبطل الحزب الحاكم قانون العلمانية في الجامعات بصدد الحجاب. والاستثناء الآخر دور الجيش المصري في الوقت الحاضر، الذي نميل إلى مصداقية تأكيداته عن نقل السلطة لحكم مدني. والاستثناء عندنا حكم عبد الكريم قاسم، الذي كانت الحريات مضمونة في زمنه، و خدمة الفقراء والتنمية والمساواة بين الجنسين وحقوق الأقليات الدينية والمذهبية والقومية، مع أنه لم تكن هناك انتخابات وبرلمان.

لقد نشر المحلل "بيترو فرونس"، مؤخرا، مقالا في نيويورك تايمس بعنوان " انتخابات في كل مكان، والديمقراطية في لا مكان." والمقال مكرس للدول الأفريقية، إذ ستجري هذه السنة سلسلة انتخابات رئاسية وبرلمانية في دول كثيرة منها، عدا مصر، وعدا انتخابات جنوب السودان التي تمت فعلا، وانتخابات ساحل العاج التي انتهت برأسين!: أفريقيا الوسطى وزامبيا وكونغو ومدغشقر وأوغندا. ونحن بانتظار الانتخابات المصرية القادمة، وبانتظار مسار ومصير جمهورية جنوب السودان. وبالنسبة لدول أفريقيا الاستوائية عامة، فإن الكاتب غير متفائل من نتائج الانتخابات، ويرى أن التجارب قد برهنت على أن الانتخابات كانت تؤجج النزاعات والخلافات بدل تهدئتها. ويذكر أن الباحث الزامبي "مويو" يرى أن ما تحتاجه دول أفريقيا هو حاكم قوي حازم ومتنور. والمؤلف البريطاني "بول كوليه" يرى أن الديمقراطية في البلدان الأكثر فقرا ليست فقط لا تحل مشكلة العنف، بل وتزيده. ولعل تجربة ساحل العاج تبدو مع هذا الاستنتاج.

أما ما أراه، فهو أن هذه الطروحات هي في الغالب الأعم تجعل الديمقراطية مجرد انتخابات لا غير. وهنا الخطيئة الكبرى في التحليل والطرح. نعم، لو كانت المسألة مجرد انتخابات، لكان لهذه التقديرات وجاهة. فالانتخابات لوحدها قد تأتي بالمآسي حيثما لا سوابق من ممارسة حرة ولا ثقافة ديمقراطية معينة ولا سيادة لمبدأ المواطنة، وحيثما تسود الأفكار والغرائز القبلية أو تتأجج المشاعر الدينية والمذهبية لحد رفض الآخر. فالديمقراطية هي، قبل كل شيء، وقبل أن تكون منظومة مؤسسات، نظام المواطنة والعدالة والمساواة بين المواطنين.

إن الزلزالين المصري والتونسي سيغيران الكثير من الأفكار المسبقة عن عدم أهلية الشعوب العربية للديمقراطية، وشجعا، ويشجعان، بقية شعوب المنطقة والعالم الإسلامي على المطالبة بالتغيير نحو الأفضل. ومن هنا أهمية أن تنتهي التجربتان، والتجربة المصرية خاصة، [كالدولة العربية الكبرى]، إلى بناء نظام الحرية والعدل والمساواة والاستقرار، وأن تُهزم محاولات سرقة الثورة، وخصوصا من جانب الإسلاميين المتربصين، الذين يتصرفون بمنتهى الدهاء والمكر وفقا لمبدأ التقية السياسية، مخفين أهدافهم البعيدة في الدولة الدينية القائمة على أحكام الشريعة المناوئة لشرعة حقوق الإنسان. والطريق شاق ومزروع بالأشواك، ومحاط بالأخطار الداخلية والإقليمية. ولنأمل أن يكون شباب مصر وجيشها وقواها السياسية العلمانية قادرين على النهوض، بنجاح، بعبء المسؤوليات الجسام.

الحوار المتمدن في 17 شباط – فبراير – 2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - طموحاتكم إلتقت
هادي حسن ( 2011 / 2 / 17 - 23:35 )
وكون المشروع أميركيا وهدفه الأول حماية الأمن القومي الأميركي، لا يعني أنه لم يكن يلتقي مع طموح وأهداف القوى الديمقراطية العلمانية في منطقتنا، ومع تيارات الاعتدال والانفتاح كافة.....

نعم هذه هي مصيبتنا الكبرى وهي إن طموحاتكم وأفكاركم إلتقت مع تلك الأمريكية وفي الأمس الأول كانت تلتقي مع الرفاق في موسكو الذين كانوا في نظركم قمة الريادة البشرية وكنتم ترددون وتحفضون آياتهم اللينية الماركسية في كل صلواتكم الجماعية ، كنا نسمع عبارات الديالكتيك ودكتاتورية العمال والمد الثوري والأممية الشيوعية وووو....وذهب الرفاق وجاء دور شذاذ الآفاق وتغيرت الموجة ١٨٠ درجة فبدأنا نسمع ; ديموقراطية وعولمة وإقتصاد السوق وحرية وحقوق إنسان تأتي من طرف من أباد العراقيين والأفغان. حقاً أن لله في خلقه شؤون


2 - نبذة من مقالة
هادي حسن ( 2011 / 2 / 18 - 01:10 )
احتلت أمريكا العراق إذاً، واستحصلت قراراً من مجلس الأمن باعتبارها دولة محتلة، وبان كذب الرئيس بوش في بيانه الذي ألقاه قبيل ساعات من اندلاع الحرب أنه يهدف إلى تحرير العراق، وإنقاذ الشعب العراقي، مسلماً زمام الحكم لأحزاب الإسلام السياسي المرتبطة بوشائج قوية مع نظام ملالي طهران ومع السعودية، هذا النظام الذي شيده الحاكم الأمريكي بريمر السيئ الصيت على أسس طائفية وعرقية أوصلت الشعب العراقي إلى الحرب الأهلية الطائفية بين الشيعة والسنة الذين عاشوا معاً فيما مضى إخوة متحابين، وكانت صلة الدم بين الطائفتين تمثل أجلى تمثيل تلك العلاقة الأخوية بين أبناء الطائفتين، وسالت الدماء في شوارع وطرق العراق، وصار الذبح على الاسم والهوية بين الطرفين، وامتلأت المزابل بجثث الضحايا، وصارت طعاماً للكلاب السائبة والقطط، وجرى تهجير أكثر من أربعة ملايين مواطن من دورهم هرباً من القتل، وكل ذلك جرى باسم الدين والطائفة.....
هذه نبذة من مقالة للأستاذ حامد الحمداني بعنوان العراق من الفاشية القومية الى الفاشية الدينية ، هو أيضاُ شيوعي ولكن الرجل لم تلتقي حتماً طموحاته وأفكاره بطموحات المجرم بوش وأصدقائه أو هكذا نفترض


3 - ماهو البديل
فؤاد محمد ( 2011 / 2 / 18 - 04:10 )
استاذ هادي تحية
صحيح ما طرحتة مشكورا
لكن ما هو البدبل الذي ينقذنا
ان الانتخابات واعادتها سيكون هو الدوران بحلقه مفرغه
لقد جربنا الراسماليه ودكتاتورية الدوله البيروقراطيه السوفيتيه والانظمه الدينيه الحاليه وها هي ايران والسعوديه وطالبان وسوريه
لم يبقى الا المجالس الشعبيه ذات التسيير الذاتي
لكم مودتي وتقديري


4 - البديل
هادي حسن ( 2011 / 2 / 18 - 08:28 )
البديل كان ولا زال واضحاً وجلياً ويتلخص بإختصار شديد وبداية بالعودة للذات والمصلحة الوطنية دائماً وأبداً وهي تترجم أولاً بالسهر على سلامة الوحدة الوطنية أرضاً وشعباً مهما كانت الظروف التي تمر بها البلاد لأن العكس يعني إنتفاء الدولة ، وبإلتفات الهيئات والأنشطة السياسية , بغض النظر عن أسم اللافتة التي تحملها، لمصلحة البلاد ومستقبلها والتعهد به لا مصلحة الفرد أو الحزب أو الطائفة أو العرق والأمتناع عن التصرف كمجرد صندوق بريد أو وكيل ناقل ومسوق لقيم وأفكار لقوى وأجندات خارجية والأستقواء بها حتى لو كانت غير معادية للمشروع الوطني .أخيراً إعتماد سياسة حسن جوار وشراكة مع الدول المحيطة.وهي كلها مبادئ أساسية وعملية لوطن ومواطنة ناجحة

اخر الافلام

.. ما هي الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بالتوحد؟ • فرانس 24


.. مدير مكتب الجزيرة في غزة وائل الدحدوح: هناك تعمد باستهدافي و




.. الشرطة الفرنسية تدخل جامعة -سيانس بو- بباريس لفض اعتصام مؤيد


.. موت أسيرين فلسطينيين اثنين في سجون إسرائيل أحدهما طبيب بارز




.. رغم نفي إسرائيل.. خبير أسلحة يبت رأيه بنوع الذخيرة المستخدمة