الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا معنى لمحاكمات نظام صدام حسين بدون ترسيخ الولاء لدولة القانون

ثائر كريم

2004 / 10 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


ستبدأ محاكمة صدام حسين فى غضون شهرين وتنتهى قبل بدء الانتخابات العامة فى العراق فى مطلع العام القادم. هذا ما صرحت به مصادر متعددة فى وزارة العدل العراقية وغيرها من الجهات الرسمية. يبدو ان وزراة العدل والهيئة القضائية المشكلة من قبلها قد وضعت اللمسات النهائية، حقوقيا وقضائيا، استعدادا لمحاكمة رموز واركان النظام العراقي المخلوع.
ما هي، اذن، استعدادات الحكومة والقوى السياسية الملتفة حولها لاستثمار هذه المحاكمات، سياسيا وثقافيا واخلاقيا، بهدف توسيع طريق التغيير السياسي المضاد للاستبداد والشمولية الطائفية؟ استعدادات باهتة للغاية. بل يتراءى للمتابع ان الحكومة والقوى السياسية العراقية ليس لها اجندة سياسية وثقافية ذات شأن استراتيجي سوى الرغبة بمحاكمة اركان النظام وانزال القصاص العادل بهم.
الكتابات والمواقف المطروحة لحد الان عن موضوع محاكمات اقطاب نظام صدام حسين تدور كلها، تقريبا، حول معانى عاطفية ومحاور قانونية، اساسا.
افهم ان اصوات المجتمع المدني السائدة في العراق (وهي اصوات نادرة في الدول العربية!) تريد محاكمة الجلاد ورموز نظامه لينالوا عقابهم المناسب على جرائمهم الواسعة. وهناك اغلبية عراقية واضحة تتطلع بفارغ الصبر على رؤية مجرمي النظام في اقفاص الاتهام. وافهم، ايضا، ان انشغالات المؤسسة القانونية تتركز على توفير الادلة والقرائن الثبويتة لتحديد مسؤولية النظام عن سلسلة طويلة من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية والتي ارتُكبت على مدى العقود الثلاثة، ناهيك عن الالاف من جرائم الحق العام والخاص والتعذيب وغيرها. وهي خروقات فظة لحقوق الانسان كثرت انواعها واتسعت مستوياتها وعظمت آثارها في العراق.
مع هذا، فان البعد العاطفي والقانوني يتعلق اساسا، بالماضي. من المهم لنا كعراقيين ان نرى بأم اعيننا حقائق هذا الماضي. ان نساءله بعقولنا ونحاكمه بضمائرنا. وان نحاور ضمائرنا عبره، ايضا. هذا مهم، بلا شك. ولكن الاكثر اهمية استبصار المعانى المستقبلية عبر هذه المحاكمات واستشرافاتها. لذلك، يفلت من الحوار بعد تربوي وتحويلي ينبع من هذه المحاكمات. بعد تتحمل مسؤولية الاضطلاع به الحكومة العراقية والقوى السياسية صاحبة التغيير في العراق. اذ انه بعد استراتيجي فادح الاهمية، وخصوصا على مستوى الثقافة السياسية والهوية الوطنية.
اذ يجب على قوى التغيير الحقيقية ان تجعل المحاكمات وسيلة للتنوير الثقافي السياسي بقيم التعددية والعدالة والشفافية. ولابد ان تجعلها منعطفا للتغيير الذهني لعقل الانسان باتجاه الانفتاح نحو افق الحرية.
ومن المهم، ايضا، ان تصبح المحاكمات دليلا ساطعا على ان احتكار السلطة والثروة، اذ يمر، بالضرورة، عبر سحق ومصادرة الحريات السياسية والمدنية فانه ينتهي بحملات التعذيب والتصفية العرقية والقتل بالجملة. ليصب اخيرا بكوراث الحروب والتفكك الاجتماعي والسياسي.
ولامفر من ان تتحول المحاكمات، فضلا على كل ذلك، الى مناسبة لنقد الذات العراقية، لادراك المسؤولية الشخصية لكل عراقي في اعلاء صوته دفاعا عن حرية التعبير والرأي والتنظيم، وضد أي اعتداء سلطوي على حريات الانسان المدنية والسياسية.
وأخيرا، والاهم، ان تكون كل لحظات المحاكمات استقطارات مستمرة لفكرة الولاء لدولة القانون الوطنية في ضمير وعقل الانسان في العرق. الوحدة الوطنية هي وحدة الولاء لدولة القانون الوطنية، وحدة علاقات اجتماعية سياسية ثقافية. انها وحدة فضاء افقي تفاعلي واحد قائم على وحدة ولاء عامودي لدولة القانون. ومن المطلوب على الحكومة وقوى المجتمع المدني ان تجعل المحاكمات وقفة مطولة لترسيخ وحدة الولاء لدولة القانون.
للتغطية الإعلامية العلنية للمحاكمة أهميتها القصوى فضلا على السماح لاكبر عدد من قوى المجتمع المدني بحضورها. ولكن التغطية الاعلامية لا تكفي ولا تسد الغرض من مغزى المحاكمات ومعناها العميق.
على الحكومة، اذن، مسؤولة سياسية واخلاقية في تحويل محاكمات مجرمي نظام صدام حسين الى سياق شعبي يفتح عقل وضمير الانسان على افق الحرية والعدل ونبذ الطغيان. ولعل تأسيس لجنة للثقافة السياسية، ارتباطا بهذه المحاكمات، يمثل خطوة في هذا الاتجاه.
لا معنى لمحاكمات اركان نظام الاستبداد والشمولية الطائفية بدون استثمارها، على مستوى جماهيري عريض، لترسيخ روح الولاء لدولة القانون والتعددية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جلال عمارة يختبر نارين بيوتي في تحدي الثقة ???? سوشي ولا مصا


.. شرطي إسرائيلي يتعرض لعملية طعن في القدس على يد تركي قُتل إثر




.. بلافتة تحمل اسم الطفلة هند.. شاهد كيف اخترق طلاب مبنى بجامعة


.. تعرّف إلى قصة مضيفة الطيران التي أصبحت رئيسة الخطوط الجوية ا




.. أسترازنيكا.. سبب للجلطات الدموية