الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحق في عدم التسجيل

ناجح شاهين

2004 / 10 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


تعرف الأمور بنقائضها. وإذا كان من الواجب فعل كل ما يمكن لصيانة حرية المواطن التامة عندما يتعلق الأمر برغبته في المشاركة في الانتخاب تسجيلاً، وانتخاباً فعلياً في حال إجرائها، فإن من الواجب صيانة حق الفرد في مقاطعة الانتخاب تسجيلاً وانتخاباً في حال اختار ذلك بإرادته الحرة الواعية حتى لو لم تعجبنا تلك الحرية وذلك الاختيار، واعتبرناهما نكوصاً عن الواجبات والمسؤوليات. يجب أن ُتحترم اختيارات الناس ووجهات نظرهم مهما اختلفت مع وجهات نظرنا. ونستعيد في هذا السياق فولتير: "إنني مختلف معك حد التناقض، ولكنني مستعد أن أدفع حياتي ثمنا لأن تقول رأيك في حرية تامة."
يؤسفنا القول أنه في خضم التلويح بالعصا الأمريكية الغليظة المنافحة عن " الديمقراطية"، وفي حمى مشاريع التمويل الأوربية خاصة وغيرها عامة، والتي تنصب على مشاريع التحديث بالمعنى الليبرالي المعولم، يبدو أنصار الانتخابات في وطننا وكأنهم اكتشفوا سر الخلود الذي طالما أرهق جدهم جلجامش منذ فقد عزيزه أنكيدو على أرض العراق الحزين عبر التاريخ. ولا يتوانى أنصار الانتخابات والتسجيل الممول، عن الزعيق في كل مكان عن فوائد الديمقراطية الجمة. ولكنهم في خضم ذلك ينسون تماماً أن رفض الانتخابات هو جزء من حرية المواطن وحقه في الاختلاف وفي ممارسة إبداء رأيه ومواقفه دونما اضطهاد أو تهديد أو تلويح بالعقوبات أو تهديد بالحرمان من الامتيازات. ولعل الذاكرة الفلسطينية المتعبة ما تزال تتذكر الممارسات الغريبة التي تمت في تجربة 1996 عندما تم إطلاق إشاعات تخويفية من نوع أن من لا ينتخب لن يكون له الحق في جواز السفر أو أنه سيفقد حقه في السفر أو يحرم من الوظيفة..الخ ذلك أمر لا يجوز. والغريب أنه كأننا يا بدر لا رحنا ولا جئنا. فاليوم أيضاً تطلق قصص وحزازير تشي بكل ذلك. ومن الواضح بالطبع أنه لا يوجد أي شيء رسمي، ولكن في المقابل تجد قصة هنا تخبرك أن مواطنا ذهب إلى امتحان السواقة النظري الذي يسمونه بإنجليزية معبرنة " تؤوريا" فطلب منه ورقة التسجيل. بينما في مخيم كالأمعري تنطلق إشاعة مفادها أن من لا يسجل سيمنع من الحصول على " مؤن " وكالة الغوث. ولا بد في هذا السياق من حماية الناس من التخويف والترهيب وإلا فإن العملية الديمقراطية الأهم تتم في الواقع بشكل غير ديمقراطي. ومن البين أنه في ظروف كظروفنا يبدو الناس خائفين بالفعل خاصة عندما يبدو أنه في هذه المرة يحصل ما يشبه الإجماع على فوائد الانتخابات الجمة. وتتفق بخصوص الانتخابات ألوان الطيف السياسي من اليمين إلى اليسار ومن المتدينين إلى العلمانيين إلى الملاحدة . وهذه الوحدة النادرة في التاريخ الفلسطيني الراهن تضفي على وجهة النظر الرافضة للتسجيل عزلة متناهية. كما أنها تظهر المعارضين بثوب المتمحك الذي يعارض من اجل المعارضة، أو انه يعارض حبا في الظهور. وإذا كنا لا نريد في هذه الورقة أن نتطرق إلى أي شيء يتعلق بأسباب مقاطعة الانتخابات، فإننا فقط نود التأكيد على أنه حق مطلق للفرد إذا كان أنصار " الديمقراطية " الغربية يريدون الانسجام مع أنفسهم حتى آخر الشوط.
لسنا نجهل أن الديمقراطية لعبة لها شروطها التي تسمح بإعادة إنتاج بنية المجتمع ونخبه السياسية كما هي على الأرجح وبشكل يحافظ على الأوضاع القائمة. لكننا مع ذلك نتوهم أن بالإمكان حدوث بعض التغيير عبر الصندوق، وانسجاماً مع حجم القوى. لكن طبعا وكما أن الدولة الديكتاتورية الشمولية تستعمل ماكينتها البوليسية القمعية للحفاظ على الأوضاع في محاولة تكريسها وتأبيدها، فإن الديمقراطية تتمتع بآلية تسمح لها بإعادة إنتاج المجتمع كما هو وضمن مقاييس وضوابط لم تعد تخفى على أحد. وربما أن الولايات المتحدة الأمريكية البلد الديمقراطي الأول في العالم وراعي الحريات والمصالح الغربية يشكل نموذجاً فريداً على وهم الديمقراطية. وقد عبر عن ذلك بشكل رائع زعماء حملة الرئيس بوش الانتخابية إذ قالوا إنهم لا يجدون فارقاً ذا دلالة من أي نوع بين أطروحات بوش ومتحديه كيري. وأنا أضم صوتي إلى صوتهم لأنني في الحقيقة مثلهم لم أجد الفروق الكافية بين الرجلين. إن كل ما هنالك أن كيري يريد أن يصبح رئيساً بدلا الرئيس ومن أجل ذلك يجهد نفسه في البحث في أية فروق شكلية أو مخترعة من أجل إقناع الناخب باختياره. لكنها عملية عبثية تشبه حيرة ربة البيت في مواجهة عشرة احتكارات لمنظفات الغسيل التي يزعم كل منها أنه الأفضل في إزالة الدهون. وعند التجربة تجدها السيدة بنفس القوة وتقترب أسعارها فلا تعود هناك طريقة للاختيار، ويترك للصدفة أن تقرر أي ماركة تبتاع. إنه أسلوب الاختيار المتلاشي إذا أردنا استعارة تحليل سارتر لطريقة شراء السلع في الغرب.
قد يكون من حق القائمين على التسجيل أن يحثوا الناس بكل الطرق لكي يسجلوا. وقد يكون من حقهم أن يعلنوا في الصحف المحلية والتلفزة عن صناديق وأرقام للشكوى في حال تم إعاقة التسجيل حتى لو كنا نظن أنه لا يوجد من يرغب في منع الناس منه. ومن حق لجنة الانتخابات أن تقوم بالدعاية للانتخابات كما الدعاية للسلع المستوردة. وكذلك لها أن تعقد الندوات والمؤتمرات وتستثمر منابر الدراسة والمساجد وأجهزة السلطة. لكن ليس من حقها أبداً أن تقوم بتضليل الناس عن سوء نية أو عن نصف سوء نية. وأود هنا أن أذكر أنني فوجئت أن عدداً لا بأس به من معلمي المدارس في مناطق رام الله والبيرة يريدون التسجيل لأنهم يظنونه عملية إحصاء ضرورية. وقد تعبت في إحدى الحالات في توضيح أن الحال ليست كذلك. لقد تم بشكل ما زرع فكرة مفادها أن من لا يسجل لن يجد له قيوداً في المستقبل على أرض هذه البلاد، وهو أمر أثار دهشتي إلى الحد الأقصى. نظن أن النزاهة والوضوح مطلوبان. ونظن أن العملية الديمقراطية وتطبيقاتها الانتخابية يجب أن تكون مناسبة لإشاعة الوعي التعددي وقبول الاختلاف، وأما أن تكون مناسبة لتمرير مشروع ممول لا غير فهو أمر مثير للحزن والسخرية بالفعل.
لذلك نزعم أنه إذا كان هناك من يهدف إلى خير هذا الشعب فإن عليه أن يتيح الفرصة في كل مناسبة " لورشة " واسعة تحلل الفكرة من كافة جوانبها وترى كافة الأبعاد في كل معطى من معطيات الواقع بدلا من تكريس ظاهرة تلقين الناس مفاهيم نية، مرة عن القومية ومرة عن الشيوعية ومرة عن... وآخر الطبعات، الديمقراطية بقصتها الأمريكية، وإن حاول الأوربيون أن يتدخلوا في الموضوع بتمويل ماكينة الحياكة الأمريكية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل مؤلمة! | نادين الراسي


.. قصف عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت • فرانس 24 / FRANCE 24




.. نحو عشرة ملايين تونسي مدعوون للتصويت في انتخابات رئاسية تبدو


.. تساؤلات عن مصير قاآني.. هل قتل قائد فيلق القدس التابع للحرس




.. بتقنية -تايم لابس-.. توثيق لضربات إسرائيلية عنيفة على بيروت