الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كل البيض في سلة واحدة

أوري أفنيري

2004 / 10 / 8
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


قبل مائتي سنة اخترعت الشرطة السرية التابعة للقيصر الروسي "بروتوكولات حكماء صهيون". لم يتوخى المؤلفون الأصالة، فقد أخذوا مقطوعة ساخرة كتبت قبل عشرات السنين حول تطلع نابليون الثالث إلى السيطرة على العالم، وبدّلوا القيصر الفرنسي بالحكماء اليهود. يفيد النص المعدّل من المستند بأن اليهود يخططون للسيطرة على العالم، وأذرع المؤامرة تتواجد في كل موقع وموقع.

وقت كتابة هذه النصوص، كان هذا الوصف عار عن الصحة تماما. لم يكن لليهود في روسيا العظيمة التي كانت تشتمل على جزء كبير من بولندا آنذاك أي تأثير تقريبا. صحيح أن اليهود قد برزوا في ألمانيا في مجالات عدة، مثل الأعمال المصرفية والتجارة ووسائل الإعلام، ولكنهم كانوا بعيدين كل البعد عن مراكز التأثير الرئيسية. لم يسمح القيصر الألماني لليهود بالحصول على رتب الضباط في الجيش أو الخدمة في الحرس الخاص في النظام السلطوي. لقد واجه اليهود، الذين تميزوا في مجال العلوم، صعوبة في تقلد منصب بروفيسور.

رغم أن ثراء بعض اليهود في الولايات المتحدة بدأ بالتزايد، إلا أنه لم يتم استيعابهم داخل النخبة الاقتصادية أو النخبة الاجتماعية.

لقد دحضت أسطورة قوة التأثير اليهودية عندما أباد النازيون الذين طاروا بأجنحة اللا سامية، يهود أوروبا. لم ينجح اليهود في الولايات المتحدة وبريطانيا (ولم يحاولوا عمليا) في دفع حكوماتهم للعمل على إنقاذ إخوتهم. لقد تخوفتا الحكومتان من مغبة التدخل، لألا يزودوا الدعاية النازية بالذخيرة، إذ ادعت هذه الدعاية بأن روزفلت وتشرتشل كانا من خدام اليهودية العالمية.

بعد توقف مناسب دام عدة عقود، بُعث "حكماء صهيون" إلى الحياة مجددا. الإنترنت مليء بالمغازي اللا سامية التي تتلائم الواقع الجديد للمستند المزيف القديم. لكن الشعارات المخزية القديمة لم تتبدّل قطعا.

يبدو لأول وهلة أن عمل اللا ساميين سهل الآن أكثر من أي وقت مضى. منذ اختراع "البروتوكولات" تبدلت أشياء كثيرة في العالم. رغم أن الكارثة كانت قد محت يهود أوروبا تقريبا من الوجود، إلا أن في أعقابها قامت دولة إسرائيل، التي تعرّف نفسها على أنها دولة يهودية. وبالأساس: توصل اليهود في أمريكا إلى مكانة مؤثرة لم يسبق لها مثيل منذ العصر الذهبي في إسبانيا في العصور الوسطى.

يبدو وكأن تزييف "البروتوكولات" قد حقق ذاته. "الولايات المتحدة تسيطر على العالم،" هذا ما يقوله اللا ساميون، "واليهود يسيطرون على الولايات المتحدة."

لإثبات ذلك، يشيرون إلى الحرب في العراق. من المعروف أن مجموعة من المحافظين الجدد، وأغلبيتهم من اليهود، قد توصلت إلى مراكز مؤثرة مرموقة في واشنطن، ودفعت بها إلى الحرب في العراق. قبل عدة سنوات من ذلك، أبدى أعضاء اللوبي رأيهم السياسي أمام رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتانياهو، وأشاروا عليه فيما يتعلق بتخطيط أعماله.

على حد تعبير اللا ساميين، فقد جز هؤلاء اليهود الولايات المتحدة في الحرب من خلال استخدام الادعاءات الكاذبة، بهدف القضاء على أخطر أعداء إسرائيل في الشرق الأوسط، العراق. أما الآن فهم يخططون للقضاء على العدوين الآخرين، سوريا وإيران.

يبدو ظاهرا بأن حقيقة ما تختبئ وراء هذه الادعاءات. ولكن خارجيا فقط. صحيح أن المحافظين الجدد يؤمنون بأن هناك وجه شبه بين المصالح الإسرائيلية والمصالح الأمريكية، وأنهم بالفعل قد دفعوا أمريكا إلى هذه الحرب، ولكن ألفا من المحافظين الجدد على شاكلة فولبوفيتس وبرل لن يكونوا لينجحوا في ذلك لولا نشاط لوبي ضغط أكثر أهمية وأقل بروزا في واشنطن: اللوبي النفطية.

تمثل عائلة بوش مصالح هذا اللوبي، مثلها مثل نائب الرئيس ديك تشيني. تقف من ورائها القوة الهائلة لشركات النفط التي لا يوجد لليهود فيها تأثير كبير. لا يقتصر هدفها على السيطرة على مجمعات النفط الكبيرة، بل يتعداها إلى إقامة قاعدة عسكرية-سياسية قوية في منطقة مجمعات النفط الهائلة في بحر قزوين والخليج العربي. ما فعله المحافظون الجدد هو تتويج هذه الحملة بزينة أيديولوجية وتبرير أخلاقي. يمكننا ألقول بأن هذه هي وظيفة يهودية تقليدية.

يسهل على اللا ساميين وضع قائمة بأسماء اليهود المتواجدين في قمة الإدارة الأمريكية. كما كان الحال في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، أيام "جمهورية فايمار" حيث بدأ اليهود يبرزون في قمة السلطة، الاقتصاد، وسائل الإعلام، القانون، الطب والعلوم. يتفاخر اللوبي اليهودي بفم فاغر (وربما بفم أكبر من اللازم) بأن بمقدوره إفشال أي سيناتور أو عضو كونغرس يتفوه بانتقاد ضد إسرائيل. لقد أثبت ذلك بالفعل. قال أحدهم إذا أراد اللوبي اليهودي تمرير قرار في الكونغرس بشأن إلغاء الوصايا العشر، فسوف يوقع 80 سيناتور و400 عضو كونغرس على هذا القرار في اليوم الأول. يسمي اللا ساميون الكونغرس "منطقة صهيونية محتلة".

يبرز هذا الأمر بوضوح في كل ما يتعلق بالنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني. ففي عهد الرئيس بيل كلينتون، كان معظم الطاقم الذي تعامل مع هذه القضية من اليهود. كان من الممكن عند لقائهم بالسياسيين الإسرائيليين أن يتحدثوا فيما بينهم بالإيديش. عند اعتلاء بوش السلطة بدأ يحدث تغيّر عميق: كل من يتعامل مع الموضوع الإسرائيلي-الفلسطيني من قبل حكومة الولايات المتحدة هم من اليهود.

تبرز المنشورات اللا سامية هذه الحقيقة – الصحيحة بحد ذاتها – حول إثبات سيطرة اليهود على العالم، ولكن الواقع أكثر تعقيدا بكثير.

صحيح أن اللوبي اليهودي كبير وقوي، إلا أن هناك من هم أقوى منه. يذكرون في هذا السياق لوبي تجار السلاح، لوبي الأطباء، لوبي المحامين وغيرهم. يبرز على الحلبة السياسية الآن أكثر من أي فئة أخرى لوبي المسيحيين الإنجيليين. وما يثير حفيظة اللا ساميين أن هذا اللوبي أيضا منصاع إلى إسرائيل تماما. نعم إنجيليون مسيحيون وخاصة في الولايات المتحدة وبريطانيا هم اللذين اخترعوا الصهيونية المعاصرة قبل وقت طويل من تبني بنيامين زئيف هرتسل ومجموعة من اليهود هذه الفكرة.

الجاليات اليهودية تتفاخر بتأثيرها القوي. هذا مفهوم، فإذا تذكرنا أنه قبل جيلين فقط لم يكن بمقدور اليهود الانخراط في معظم النوادي الهامة في الولايات المتحدة (مما حذا بالكوميديان اليهودي غروشو ماركس إلى الإعلان: "لن أنضم إلى ناد يقبل بي!")، إن ارتفاع شأنهم مدهش حقا، وهو ينبع من واقع مر، قدرة تنظيمية واستعداد للتبرع بالأموال.

ولكن من يلم بالتاريخ اليهودي يمكن أن يخيفه أن العروس جميلة أكثر مما يجب. فبعد العصر الذهبي في إسبانيا وبعد نجاح يهود ألمانيا الباهر جاء النازيون. اللا ساميون يشكلون اليوم مجموعة هامشية صاخبة ومنبوذة في الولايات المتحدة، ولكن من الخطأ أن نتجاهل الخطر.

ماذا سيحدث مثلا لو أدخلت الحرب في العراق الولايات المتحدة إلى وحل عميق جدا، بحيث يراها الأمريكيون كارثة وطنية؟ عندما يبدأ البحث عن أكباش للفداء فاليهود المحافظون الجدد سيكونون أبرز من على الحلبة.

ماذا سيحدث لو مل الأمريكيون الإرهاب الإسلامي المتطرف؟ ألن يكون هناك من يدعي بأن أمريكا قد دخلت في صراع مباشر مع العالم الإسلامي بسبب إسرائيل؟

ولو واجهت أمريكا أزمة اقتصادية حادة، ألن تطفو أسماء اليهود كما طفا اسم مدير البنك المركزي القادر على كل شيء.

علينا ألا نبالغ في الحديث عن هذه المخاطر، فهي ما زالت نقطة صغيرة في الأفق. ولكني أنصح زعماء المؤسسات اليهودية في أميركا بالتصرف بترو أكبر. ثمالة القوة تؤدي إلى مبالغة خطرة. وأنصح حكومة إسرائيل عدم وضع البيض كله في سلة واحدة. وكما قال الحكيم التوراتي: القوة لا تدوم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا جاء في تصريحات ماكرون وجينبينغ بعد لقاءهما في باريس؟


.. كيف سيغير الذكاء الاصطناعي طرق خوض الحروب وكيف تستفيد الجيوش




.. مفاجأة.. الحرب العالمية الثالثة بدأت من دون أن ندري | #خط_وا


.. بعد موافقة حماس على اتفاق وقف إطلاق النار.. كيف سيكون الرد ا




.. مؤتمر صحفي للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري| #عاج