الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متلازمة الفساد والاستبداد وثنائية الفصل والوصل.

مسَلم الكساسبة

2011 / 2 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


لو سألت الكثيرين السؤال التالي : ما هو الاستبداد والطغيان من وجهة نظرك وكيف تعرِّفه ؟ لأجابك في الغالب : هو الظلم ، هو القمع ، هو غياب العدالة والمساواة هو تكميم الأفواه هو مصادرة الحريات هو الحكم بقبضة أمنية بوليسية ، هو أن تقرر عن الناس دون الرجوع لهم والأخذ برأيهم ورغبتهم ....الخ . دون أن يلتفت أن كل هذه هي المنتجات وليست المصنع .. بمعنى أنها نتائج وتجليات الاستبداد وليست هي الاستبداد ذاته .

ثمة خلط خطير في الأذهان ربما لا يسلم منه بعض الخاصة فضلا عن العامة بين مفهوم الاستبداد والطغيان من جهة وبين تجلياته وتمظهراته (نتائجه وأعراضه والممارسات التي يتجلى بها في الواقع السياسي والاجتماعي ) ، بحيث ينظر للاستبداد على انه تلك المظاهر والأعراض غيابا وحضورا ..فإذا ظهرت تلك الممارسات التي ارتبطت في أذهانهم بالاستبداد حكموا أن ثمة استبداد ، وإذا غابت عنى ذلك انه غير موجود .. ولهذا الخلط في التعريف نتائج خطيرة إذ يعني بأنه إذا اختفت أو توارت تلك المظاهر جزئيا أو حدثت ومورست بشكل ناعم مقنع ( ذكي ) عنى ذلك انه لا يوجد استبداد وطغيان وهذا هو خطر الخطأ الأول وهو (خطأ خلط).

وإذا كان الخطأ الأول هو خطأ خلط فإن الخطأ الثاني يشكل وجها آخر وامتدادا للأول وهو خطا فصل ، حيث يتم الفصل بين الاستبداد والفساد حينما يـُقدَّم ويعرف الفساد بصفته تلك المفردات المتناثرة التي تحدث هنا وهناك بمعزل عن البيئة والجو الذي ينتجها وهو الاستبداد ذاته .. فيتم حصر تعريف الفساد في المسائل المتعلقة بالمال والمنصب العام وأشياء من هذا القبيل ليتم الإنحاء باللائمة على الطرف النهائي للفعل وإعفاء أداة إنتاج تلك الممارسات ومن ثم إبقائها في الظل بعيدا عن الأنظار وفي مأمن من المسؤولية بل وحتى من اللوم والنقد ، بل وربما حتى اللجوء لها لمحاسبة تلك الحالات والمفردات لتبدو نصيرا للناس على الفساد وملجأ لهم منه ! ودون النظر للسبب الرئيس ومنبع الفساد وهو الاعتداء على أكثر موارد الأمة عمومية وشيوعا وهو السلطة ذاتها سواء تم الوصول لها بطرق غير مشروعة و/أو احتكارها والاستئثار بها حتي بعد التوصل لها عن طريق تفويض الجماهير (الطرق المشروعة) ثم الانقلاب على تلك المشروعية .. أي بمعنى مشروعية الوصول ولا مشروعية الممارسة والاستغلال .

وينشأ عن الإشكالية الأولى نتيجة هامة هي أنه إذا مورست السلطة - وبغض النظر كيف تم التوصل اليها والمكث بها - بشكل حكيم ورحيم وعادل - بافتراض إمكانية ذلك أصلا- (المستبد العادل) – اقول ينشأ عن ذلك الفهم ما يعني أنه لا يوجد استبداد ولا طغيان اذا غابت تلك المظاهر والأعراض ..وهذا تضليل واستنتاج مغلوط ينشأ عن ذلك الفهم ، ودليل ذلك الخلط ان تجد من يوجهون اسئلة ساذجة من مثل (يا اخي اين هو ذلك الاستبداد وها انت تكتب وتتكلم بما تريد ) ما يعني لهم انهم يعتبرون الاستبداد هو النتائج وليس المقدمات التي انتجتها ، وانه اذا وجدت اداة حكم مستاثرة ومحتكرة للسلطة تمارسها بعيدا عن الرقباء والشركاء غير الموجودين أصلا ثم سمحت للناس ببعض الحقوق كالحديث والنقد فانه برأيهم لا يوجد استبداد .

وعليه فمن المفيد تعريف الاستبداد بالمطلق بأنه حيازة سلطة وصلاحيات وصناعة قرار دون تفويض حر من الجماهير (الامة) بالطرق الصحيحة والمرعية لذلك التفويض والمحدد بمدد وصلاحيات معلومة والخاضع للمراقبة والمساءلة.. وبغض النظر كيف مورست تلك السلطة ، حتى لو مورست بشكل حكيم ورحيم وعادل (بافتراض امكانية ذلك اصلا ) طالما لا توجد ضمانات لاستمرار تلك الحكمة والعدل ، وطالما حُرم الناس من حق الاختيار والتغيير والتداول والمشاركة والمراقبة والمساءلة ، لانه لا يشفع لك مثلا انك قسمت الكعكة بعدالة بين مستحقيها إذا كان ليس من حقك أصلا أن تتنطح لـ وتحتكر هذا الدور بصفته اختصاصا لك وحدك دون الآخرين وباستمرار..

كما أن الاستبداد لا ينحصر في مسألة كيفية الوصول للسلطة في حال الوصول غير المشروع مثلا ..بل وحتى لو تم الوصول بالطرق المشروعة ثم الانقلاب على تلك المشروعية والمكوث في السلطة والاستثثار بها واحتكارها وغياب مبادئ مثل توازن وتقاسم السلطات وتداولها وإقصاء الرقباء والشركاء مما يُغيب مبدأ العلن والشفافية في صناعة القرار ، أي صناعة القرار في دائرة اطلاع ضيقة وخلف أبواب موصدة .. وبحيث يعمد فرد أو مجلس حاكم لادعاء الأحقية بالسلطة بدعاوى شتى لا تصمد أما النقد الجاد من مثل مجالس قيادة الثورات والادعاء بالحرص على مصلحة الوطن أو انه يعرف أكثر من غيره تلك المصلحة أو أن التخلي عن السلطة هو تخل عن الوطن أو دعاوى الشرعيات التاريخية أو شرف الأسرة ونسبها أو شرعية الإنجاز وما شابه من النموذج الأبوي وتجلياته من ذرائع ..

فالسلطة مورد عمومي بل هي ن أكثر الموارد عمومية وشيوعا مثلها مثل الماء والهواء والتراب ، ومن حيث هي حق للأمة كلها ولا يجوز لفرد أو جماعة أو جهة ان تدعي حقا حصريا لها بممارسته وأدائه نيابة عن الناس ودون تفويض وإقرار منهم ..وبحيث ان كل من يمارس سلطة فعلية لا بد له من الحصول عليها عن طريق ذلك التفويض وبطرق مرعية ونزيهة ووفق ما تحدده الدساتير والقوانين من حيث مدة ذلك التفويض وحجم الصلاحيات الممنوحة وحدود المسؤولية مع وجود جهات تشارك وتراقب وتحاسب مع ما يقتضيه ذلك من هيئات ومؤسسات في هيكلية السلطة لضمان مبادئ العلن والشفافية في صناعة القرار ، وهي من اهم المبادئ التي تنفي الاستبداد عن تلك السلطة ، مع مبادئ التوازن والتقاسم والتداول أي بمعنى ان التفويض محدد بمدة حتى انه في الكثير من الدساتير لا يجوز لذات الشخص الحصول على ذلك التفويض لاكثر من مرتين (لدستور الامريكي والبريطاني مثلا).

ومن هنا صار واضحا ضرورة فك الاشتباك والفصل بين الاستبداد والطغيان من جهة وبين نتائجه واثاره بحيث لا ينظر لتلك النتائج والاثار انها هي الاستبداد ، إن هذا الفهم والتعريف ضروري جدا وهو يغنينا عن الخوض في تفاصيل ومفردات كثيرة تميع الموضوع بحيث يقال مثلا هاهم الناس يتكلمون ويحتجون ولا احد ياخذهم للمعتقلات فاين هو الاستبداد والطغيان وكأن المستبد لا يكون كذلك اذا احتكر كل شيء لنفسه واعطى للناس حق الثرثرة رغم انها لا تقدم ولا تؤخر وعلى طريقة اشبعتهم سبا واودوا بالابل ؟

اما اللبس الآخر المتصل بموضوعة الاستبداد فهو لبس فصل يموه هو الآخر على مفهوم كبير مرتبط بالموضوع إذا كان اللبس السابق هو لبس خلط .

حيث هنا يتم الفصل بين ممارسات الفساد وبين سلطة الاستبداد فيتم تعريف الفساد عمليا بتلك المفردات المتناثرة هنا وهناك والمتعلقة بالمال في الغالب . ومع ان تلك الممارسات تدخل في تعريف الفساد وهي من اهم مظاهره وتجلياته إلا ان لها باعثا ومسببا هاما لا تزول الا بزواله والا بقينا نلهث وراء حالة هنا واخرى هناك وتبقى الآلة التي تنتج تلك الحالات شغالة دائبة في انتاج امثالها .

ثمة قول مشهور هو ان( السلطة المطلقة مفسدة مطلقة ) وهو قول يختصر الكثير ولم يات من فراغ ، وبحيث يجب ان يجري ربط ووصل بين الفساد وبين الاستبداد باعتباره البيئة الخصبة التي يترعرع وينشأ عنها الفساد بكافة اشكاله .ومنها الفساد المالي الذي هو احد تجليات الفساد في حين يحاولون اظهاره على انه التعريف الاهم للفساد وإبراء ذمة الاستبداد منه.

ان هذا الوصل والربط يريحنا من اللهاث خلف مفردات متناثرة بينما الآلة التي تنتجها في مامن من انظارنا وهي دائبة في انتاج نظائر واشباه تلك المفردات بل وحمايتها بصفتها عمودا مهما من اعمدة استمرارها وبقائها .

مما مر نريد الوصول لتعريف غير مشوش وواضح في الذهن للاستبداد ومن ثم للفساد بحيث نزيل الخلط أي نفصل بين الاستبداد ونتائجه لان تلك النتائج ليست هي الاستبداد وبنفس الوقت نجري اشتباك ووصل بين الاستبداد والفساد لأن كل استبداد هو حالة فساد كبرى بحد ذاته حتى لو حافظ على المال-ولن يفعل- من حيث كونه نهبا ممنهجا لإرادة الشعوب واحتكارا للسلطة التي هي من أكثر موارد الامم والشعوب عمومية .. وبالتالي النظر للفساد باعتباره ليس تلك المفردات المتناثرة هنا وهناك بل هو الماكنة التي تنتجها وتحميها وهي السلطة المستبدة فالاستبداد والفساد وجهان لعملة واحدة ، الاستبداد ينتج الفساد والفساد يغذي الاستبداد الذي لو كان الة لكان الفساد وقودها الذي لا تعمل ولا تستمر بغيره. مع فارق بسيط هو ان تلك الالة تنتج ذلك الوقود وهي بنفس الوقت تتغذى عليه لتستمر . .

ان هذا التوصيف والتعريف مهم لا لذاته بل لما يتوخى ان ينشا عنه.

فبالوصل بين الاستبداد والفساد ينشا ان المستبد هو الفاسد الاكبر.

وينشا عنه أيضا ان الاستغاثة بالمستبد لمحاربة الفساد بعرض بعض البمفردات الهينة عليه مما يمكن له ان يترب ويتناهى للاسماع من خلف الابواب الموصدة هو نوع من السذاجحة والسخف لانه الهاء للناس عن الفساد الحقيقي ومنبعه المستمر المتمثل في السلطة المستبدة ذاتها هذا من جهة ومن جهة اخرى لانه اشبه بالقول للمستبد نرجوك ان تنتحر لان الفساد هو الوقود الذي تتغذى عليه الته .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أكبر هيكل عظمي لديناصور في العالم معروض للبيع بمزاد علني.. ب


.. لابيد يحذر نتنياهو من -حكم بالإعدام- بحق المختطفين




.. ضغوط عربية ودولية على نتنياهو وحماس للقبول بمقترحات بايدن بش


.. أردوغان يصف نتائج هيئة الإحصاء بأنها كارثة حقيقية وتهديد وجو




.. هل بإمكان ترامب الترشح للرئاسة بعد إدانته بـ34 تهمة؟