الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اجتثاث البعث بين التسرع المرتجل والنقد الغاشم

ثائر كريم

2004 / 10 / 9
الارهاب, الحرب والسلام


طرحت حركة اجتثاث حزب البعث معاييرها واديرت بطريقة متسرعة وهزيلة بعد سقوط نظام صدام حسين. أما نقاد هذه الحركة فانهم يسعون لتصوير البعث كضرورة تاريخية، فيما مضى. فهل يريد بعثيو صدام حسين ان يكون البعث قدرا حتميا لما سيأتي؟
كان الاعلان عن سياسات اجتثاث البعث ابان عهد بول بريمر، الحاكم المدني العام في سلطة الاحتلال الامريكي قد اثار ذعرا مفهوما ليس فقط لدى بضعة الوف معروفة ممن التصقوا بنظام الاستبداد وظيفيا وروحيا بل ومئات الالوف من البعثيين ممن كان متنميا شكليا، للتقية. وهناك الوف من العراقيين انتمى لحزب البعث بالترغيب والترهيب. وبالتطبيق، أقصت سياسة الاجتثاث، احيانا، أشخاصا أبرياء كانوا ينتمون بالاسم فقط لحزب البعث. وبعض ممن اقصى تحلى بكفاءات مطلوبة لسياقات اعادة بناء البلاد. فضلا على ان الاف من البعثيين هم قطاع اجتماعي ليس من الحكمة تغريبه وعدم ادماجه في سيرورات التحول السياسي. هذا عدل وضرووة سياسية.
ولكن من العدل ، ايضا، عدم انكار حقيقة ان عشرات الوف من اعضاء حزب البعث كانوا بمثابة جهاز شعبي مكمل لاجهزة امن ومخابرات النظام، يكتبون تقارير مخابراتيه يومية عن كل بادرة او حركة او همسة بين الناس تؤشر على معارضة الاستبداد الطائفي. وقسم كبير من وشايات اعضاء حزب البعث قد افضت الى مآسي انسانية فادحة: قتل واغتصاب وتهجير وتعذيب وتشريد للالوف من العراقيين.
شكلت حركة اجتثاث البعث توجها ضروريا ولكن ذو طابع مرتجل واعتباطي لتنقية العراق من معاني الشمولية الطائفية وادواتها. بيد ان نقاد الحركة يكادون ينجحون، الان، في اقناع الراي العام بان هذا التوجه خطأ استراتجي جسيم بل سبة اخلاقية مرفوضة. واذ انطلقت حركة الاجتثاث من مقاييس مرتبكة فان معارضيها يريدون كبحها كليا. فالبعض يعمل جاهدا لنبذ اي ضوابط واستحقاقات قانونية وسياسية مترتبة على دور ووظيفة حزب البعث.
ان نقد حزب البعث هو جزء من عملية نقد النظام الحزبي في العراق. بيد ان هذا الحزب يستحق معالجات خاصة ووقفات مطولة لدوره المأساوي البالغ الذي لم يعدله أي حزب آخر في كل تاريخ العراق الحديث. ومن المهم تماما الاستمرار في دراسة وتقييم دوره ووظيفته وعواقب سياساته.
فحزب البعث الذي شكل، ايضا، الاساس الايديولوجي للشمولية الطائفية قام، فعليا، بتكريس عملية اختزال كل مكونات المجتمع العراقي وضمها قسرا داخل قماط قومي طائفي. فالحزب لم يعدّ نفسه مجرد جزء من هذا التنوع الغني قوميا ومذهبيا وفكريا وسياسيا في البلاد. بل جعل الحزب هذا الكل المتنوع جزءا من كيانه وقاعدة لفرض مبادئه بالقوة. وحزب البعث لم يزل يؤمن بلا تردد بان الانقلابات العسكرية والاساليب السرية الملتوية طريقا مجربا، بالطبع، لتغيير الحكم والوصول للسلطة. ولم يتزحزح اعتقاد بعثيي صدام حسين بالقوة والعنف كاسلوب اساسي في فرض رؤاهم لمصير البلاد. ولم يقدم الحزب أي اشارة على التزام حقيقي بقيم العدالة والمساوة السياسية وروح دولة القانون والتعددية الفكرية والسياسية.
ثمة كل الدلائل ما يؤكد على ان حزب البعث رأى ويرى نفسه راعي موارد العراق المادية والسياسية والقيمية. فاي حزب يقوم على هذه القيم، وليس حزب العبث فقط، يشكل مصدر خطر ما بعده خطر على استقرار البلاد والسلام الوطني، على حاضرها ومستقبلها.
تجارب البلدان الاخرى لها معناها المفيد هنا. فمهما تباينت وسائل ومكونات عمليات التغيير السياسي صوب دولة القانون والشرعية السياسية والتعددية فانها تفرز قاسما مشتركا ذا مغزى استراتيجي: لايقوم على التغيير إلا قوى سياسية اجتماعية لها مصلحة حيوية، آنية ومستقبلية، سياسيا واخلاقيا في القيام بهذا التغيير. هذه القوى هي قوام الذات-الارادة الحية المدركة لاهمية التغيير وصاحبة الشان في تفتيت بنى الاستبداد القديمة ورفع هياكل الدولة الجديدة. وقد توقف مصير عملية التحويل السياسي للدول الشمولية والسلطوية، اولا وقبل كل شىء، على هوية هذه القوى الاجتماعية، على نشاطها السياسي وممارستها الادارية وبالتالي قدرتها، حقا، على توليد رجالات دولة قانون من بين ظهرانيها.
فهل يشكل البعثيون قوام هذه القوى؟ من المستبعد، تماما، اذا كان الامر يتعلق بالبعثيين النشطين. وفي افضل الاحوال، يمكن لقسم محدود من البعثيين السابقين- ممن كان في داخله وفي ضميره يعيش حالة اغتراب حقيقية عن قيم حزب البعث ويتسنكف عن ممارساته - ان يدلو بدلوه قي عملية بناء عراق منفتح، متعدد وقائم على القانون. اما الناشطون من البعثيين فلعهم، قبل كل شىء، يحاكمون انفسهم وضميرهم وقيمهم ليعيدوا خلق ما هو خير فيها وينبذوا، بكل جرأة، ما تفسخ وخرب.
واذا كان ثمة امل باقامة نظام عادل وحكم قانون شرعي وشفاف في العراق فان منطق تحقيق ذلك يتطلب، سياسيا واخلاقيا، التوقف اكثر من مرة عند دور حزب البعث ونشطائه وانصاره. المساءلة الفكرية السياسية والمحاسبة القانونية للفكر البعثي وممارساته ولقوى النظام السابق هو شرط ضروري لازم لاي تغيير ايجابي. ولكن هذه المساءلة والمحاسبة لابد ان تسير، ذاتها، وفق مبادىء العدل والموضوعية، بعيدا عن روح الثأر والتعصب والهمجية. ويجب ان يعطى للقضاء العراقي سلطة كاملة في اصدار احكامه على الالاف من الذين اقترفوا جرائم في الحق العام والحق الشخصي و جرائم الابادة والقبور الجماعية والقتل.
فلتكف حركة اجتثاث البعث، تماما، عن ان تكون غطاء لقتل اهوج للناس خارج القانون والعدل ولحرق ألاخضر واليابس من البعثيين.
ولكن حركة اجتثاث البعث يجب ان تستمر وتنمو. لتكون حركة شعبية صادقة لقلع كل فكر شمولي. ولكل ممارسات سياسية احتكارية. ولكل نشاط استئثاري طائفي. ولوضع الانسان المناسب في المكان المناسب.
لتكون، اذن، مناسبة لتاسيس ثقافة سياسية ديمقراطية، حقا. فهل يفلح العراقيون بذلك؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. داعش يتغلغل في أوروبا.. والإرهاب يضرب بعد حرب غزة | #ملف_الي


.. القرم... هل تتجرأ أوكرانيا على استعادتها بصواريخ أتاكمز وتست




.. مسن تسعيني يجوب شوارع #أيرلندا للتضامن مع تظاهرات لدعم غزة


.. مسؤول إسرائيلي: تل أبيب تمهل حماس حتى مساء الغد للرد على مقت




.. انفجار أسطوانات غاز بأحد المطاعم في #بيروت #سوشال_سكاي