الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاستراتيجية العربية الموحدة للسخافة الإعلامية!

باتر محمد علي وردم

2004 / 10 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


لو تسبب سوء حظ أحد سكان كوكب المريخ في جعله يلتقط البث الفضائي لمجموعة من القنوات الفضائية العربية ويسهر عليها ليلة واحدة فقط فإنه سيخرج بواحدة من نتيجتين. إما أن الأمة العربية قد قطعت شوطا كبيرا في الحضارة والتقدم الثقافي والعلمي والتكنولوجي والاقتصادي والسياسي والاجتماعي وسادت فيها الحريات والعمل والإنتاج والنظام وبالتالي وجدت أخيرا الوقت الكافي للترفيه والترف، وإما أن هذه الأمة في أدنى مستويات العقل والمنطق والفهم، وأنها أمة يسودها الجهل وتغمرها السخافة وتقع فريسة "الطاعون" الإعلامي السخيف الذي يحتل عقولنا يوميا.
وباعتبار أن الكائن المريخي يمتلك نسبة عالية من الذكاء، فإنه سيتخذ فورا قرارين أولهما منع التقاط هذا البث السخيف، وثانيهما دراسة الواقع الفعلي للأمة العربية وعندها سيكتشف أن النتيجة الثانية هي الأكثر دقة وأن الأمة العربية لا زالت بعيدة عن الحضارة ولكنها غارقة في تلوث وسائل الإعلام المرئية.
في الواقع أنه لو اجتمعت لجنة سرية عالمية بهدف إعداد وتنفيذ استراتيجة لنشر الجهل والسخافة وقلة الأدب في العالم العربي لما فعلت ما هو أفضل مما تقوم به غالبية القنوات الفضائية العربية هذه الأيام. فهذا الطاعون الذي يحتل عقول الناس في البيوت والمقاهي وغيرها من المواقع لا يمكن الهرب منه، وحتى في شهر رمضان الفضيل حيث سنرى في الشهر القادم كيف سحبت هذه القنوات جزءا كبيرا جدا من روح رمضان الدينية التقية والاجتماعية العائلية، ويبقى الناس جميعا متسمرين أمام الشاشات الفضائية يمزيج من الكسل والبله والشره والشبق.
سباق مجنون بين مسلسلات سخيفة وسطحية من بطولة مجموعات من الراقصات اللواتي تحولن إلى ممثلات يوزعن المواعظ على المشاهدين ومسابقات تسرق الأموال من جيوب الناس مقابل وهم تافه، ولقاءات مثيرة للغثيان مع ممثلين سطحيين وغانيات يسمين أنفسهن "فنانات" يتحدثون عن الشؤون العامة بشكل مقزز وسخيف.
نانسي عجرم تفوز بجائزة إسمها "الأسد الذهبي" ولما لا فهي تستحق ذلك لأنها نجمة هذه الزمن السخيف، وفي الوقت الذي لا يجد فيه المثقف والباحث العلمي قوت يومه وعائلته ولا يمكن أن يحلم بجائزة "الجرذ الذهبي". وفي الوقت الذي لا يهتم أحد بإنجاز باحث علمي أو تكنولوجي فإن هيفاء وهبي هي النجمة الأولى التي تفوز بكل الاهتمام وتحصل على كل الملايين، فلا يحتاج الأمر للنجاح في هذه الأوقات إلا أنوثة مكشوفة وقلة عقل وأدب معا.
ولا تقتصر استراتيجة السخافة على القنوات الفضائية، فكل وسائل الإعلام شريكة في ذلك، كما أن الرقص والطعج والغنج ليست وسائل السخافة والجهل الوحيدة، بل أيضا كل هذه السلع الاستهلاكية الهائلة التي تجتاح مجتمعنا بطواحين دعائية تأكل الأخضر واليابس. وتجعل الناس يركضون يوميا ليشتروا سلع ومنتجات ليسوا بحاجة لها بأسعار غالية جدا نتيجة أغراء الإعلانات والدعايات والسلوك الاستهلاكي الذي يستنزف الموارد المالية الشحيحة، ولا يقتصر على الطبقات الغنية فقط بل على كل الطبقات التي تسعى جاهدة للتشبه بالأثرياء من ناحية السلع الكمالية.
الثقافة الرصينة، والعلم والمعرفة عناصر هامشية في مجتمعنا مقابل سطوة السخافات التجارية الإعلامية، والقراءة أصبحت عادة شاذة للعرب وإذا ما مارس العرب القراءة يقرأون أخبار النجوم والشخصيات المثيرة للخيال مثل أليسا ونانسي عجرم وعمرو دياب وعمرو خالد وأسامة بن لادن وميشو وديفيد بيكهام وشاكيرا ولكنهم لا يعرفون شيئا عن أحمد زويل ومحمد أركون وفاروق الباز وراشد الغنوشي ومارسيل خليفة وغيرهم ممن يصنعون الثقافة والفكر والمعرفة في العالم العربي ولا يعتبرون أن هؤلاء مثالا يمكن الاقتداء بهم.
وفي الوقت الذي تنتشر فيه مجانا برامج السخافات وقنوات الرقص والخلاعة والمجون وتنتشر قنوات ورموز التطرف المذهبي والعرقي ودعوات الانقسام والتفرقة فإن قنوات علمية ومفيدة مثل ناشيونال جيوغرافيك وديسكفري والتي تقدم أحدث ما توصلت إليه العلوم والتكنولوجيا والمعرفة في العالم لا يمكن استقبالها في العالم العربي إلا ضمن باقة مشفرة باهظة الثمن على المواطن العادي، فالتطرف والمجون والسخافة كلها مجانية أما العلم فيكلف المال
هذه جريمة كبرى في حق الفكر والثقافة والعلم في العالم العربي، ولا أريد أن أكون من المتجهمين واطالب بأن لا تبث الفضائيات إلا أخبار السياسة والاحتلال ولكن لماذا لا يقوم الفضائيات ببث برامج عن مبدعين حقيقيين من الشباب العربي من الناجحين في حياتهم وجعلهم نماذج لمشاهدين الشباب، وبث برامج خاصة عن العلم والمعرفة والثقافة واستضافة الشعراء والكتاب والعلماء والفنانين الشباب الحقيقيين بدلا من هذه الجوقة من البلهاء وثقيلي الدم التي أصبح كل الشباب العربي يعرفها عن ظهر قلب وأقصى طموحاته أن يتواجد مكانها في ستار أكاديمي وسوبر ستار وغيرها..

أنه بالفعل طاعون ينشر الجهل والسخف في طول وعرض العالم العربي، ولكن الناس يقبلون بنهم على هذا الطاعون ويسمحون له بتدمير أدمغتهم بكل سعادة ورضا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خبراء عسكريون أميركيون: ضغوط واشنطن ضد هجوم إسرائيلي واسع بر


.. غزة رمز العزة.. وقفات ليلية تضامنا مع غزة في فاس بالمغرب




.. مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة مدنية شمال غرب مدينة رفح جنوب ق


.. مدير مكتب الجزيرة في فلسطين يرصد تطورات المعارك في قطاع غزة




.. بايدن يصف ترمب بـ -الخاسر-