الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين الديمقراطية والفوضى يسقط الظل

زهدي الداوودي

2011 / 2 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


يبدو أن استيعابنا، بكل أطيافنا العراقية، لمفهوم الديمقراطية، تصاحبه جملة مفاهيم غريبة ودخيلة على الديمقراطية الحقيقية التي يفترض أننا بدأنا بممارستها منذ الاحتلال الاميركي للعراق. صحيح ، لا يمكننا الجزم بوجود ديمقراطية عادلة مائة بالمائة منذ زمن الأغريق "مهد الديمقراطية" حتى الآن. كانت الديمقراطية تمارس في اليونان من قبل الطبقة السائدة دون طبقة العبيد. واليوم يتحكم الرأسمال بالديمقراطية. وألصقت مختلف الألقاب بالديمقراطية مثل الديمقراطية المركزية في الاتحاد السوفييتي سابقا والديمقراطية الشعبية في الديمقراطيات التابعة للمعسكر الاشتراكي والديمقراطية الموجهة في الصين وأوجد المرحوم البزاز الديمقراطية الرشيدة. بيد أن الصفة التي بقيت ملتصقة بمفهوم الديمقراطية الصحيحة، التي يمكن أن نعتبرها حضارية، هي عدم خلط الديمقراطية بالفوضى. وبدأت هذه الظاهرة بشكلها الصحيح الذي يمكن أن يكون مثلا يفتخر به في كل من انتفاضتي تونس ومصر. وأما عندنا فحدث العكس. انقلبت الفوضى إلى الديمقراطية والديمقراطية إلى فوضى وذلك بالضبط عندما استولت الدبابات الاميركية على بغداد، حيث خرج بعض الرعاع الذين تقمصوا دور الجماهير ليمارسوا حريتهم في تطبيق الديمقراطية على طريقتهم الخاصة: نهب المتحف العراقي، حرق المكتبة المركزية، تحطيم أبواب البنوك، حرق الدوائر الحكومية وسرقة محتوياتها الخ. لقد هدموا دولتهم على رؤوسهم هم. وكأنهم جحافل جنكيزخان جاءت لتسبي بغداد.

قلنا أن تلك الممارسة صدامية صرفة، حيث مارست قواته في الكويت نفس العملية التي مارسها أحفاد هولاكو في بغداد. وظل التاريخ، تاريخنا، يتراوح في مكانه رغم أن نوافذ الحضارة المفتوحة استقبلت رياح العصر الحديث.

لم نتمكن من اسقاط نظام صدام البربري بأنفسنا، فسواء شئنا أم أبينا حررتنا الدبابات الاميركية. وهذا هو بالذات عقدتنا وعارنا الذي لن ننساه. ودعتنا عقدتنا أن نتظاهر بالتشبث بثمرة جديدة لم يسبق لنا أن ذقناها، اسمها الديمقراطية. جلبها لنا الأخوة الأمريكان، لعلها تحل مشاكلنا كدولة متعددة الأطياف، إن جاز لي أن أعتبر نفسنا دولة. بيد أننا ما أن ذقنا هذه الثمرة المحرمة، إلا وبدأت شهيتنا تنفتح بشكل غريب وأصبنا بمرض الشراهة.

وراح ممثلو الله على الأرض من أصحاب العباءات والعمائم السود والبيض الذين سمحوا لأنفسهم بالتكلم باسمه تعالى، يتصرفون بهذه الثمرة التي أنزلها الله لهم في غفلة من الزمن. وكان أن أضيف إلى مفاهيم الديمقراطية نوع جديد، اسمه ديمقراطية المحاصصة. ولهذا النوع من الديمقراطية أسماء أخرى مثل ديمقراطية الفرهود أو ديمقراطية السرقة الشرعية أي أن جيب العباءة يختلط بجيب الدولة. والقسم الآخر من ممثلي الله من الأفندية اللذين يكتفون باللحى القصيرة والخفيفة ويستغنون عن العمائم، فلهم تعريف آخر وهو ديمقراطية سلم الصعود، الذي لا نزول بعده. وهذا النوع من الديمقراطية استعملها، بعد تشذيبها، كل من علي بن زين العابدين وحسني مبارك. ومن قبلهما هتلر الذي تسلق الحكم نتيجة أخطاء الحزب الاشتراكي الديمقراطي الالماني والحزب الشيوعي الالماني. وراحوا يوطدون حكمهم باسم الأكثرية المطلقة بمعاونة ايديولوجية بالية وجيش من الموظفين الفاسدين والانتهازيين المرتزقة، على أمل البقاء في السلطة مدى الحياة. إن أصحاب سياسة المحاصصة الذين يستغلون الدين ليس لتثبيت أقدامهم في السلطة حسب، بل لتحويل المجتمع إلى نسخة من الحكم الايراني الرجعي الذي ينظر إلى الشعب كقطيع من الغنم. ويأتينا رئيس الوزراء المالكي بحجة الخطورة على ما يسمى بـ(العملية السياسية) كي يتسنى له قمع التظاهرات القادمة السلمية وجر الجماهير إلى معارك جانبية وإضفاء الشرعية لاستعمال العنف. ولربما يضع المتظاهرين في خانة الارهابيين بغية إفشال التظاهرات السلمية وتلطيخها بالدم من أجل الدفاع عن عمليته السياسية الموهومة التي استمرت سبع سنوات من البؤس والبطالة والارهاب والفساد والاوساخ والافتقار إلى الماء والكهرباء والتدخل في حياة المواطن الخاصة الخ من المشاكل المزمنة.

ومع هبوب أعاصير الانفتاح على العالم العربي، تظهر الحاجة إلى الديمقراطية. وتنتصر الديمقراطية في كل من تونس ومصر ويتبين للملأ مدى هشاشة النظامين. وحين يحس القذافي بالخطر، يلجأ إلى ديمقراطية الكتاب الأخضر أو دكتاتورية البروليتاريا الليبية ويبدأ بدم بارد وبشكل فوضوي بحصد عشرات الارواح في طرابلس وبنغازي والبيضاء.. وتستمر نفس العملية في اليمن والبحرين والاردن والجزائر. وكل زعيم يحاول انقاذ كرسيه على طريقته الخاصة، ولكن هيهات. وتهب بدايات الرياح على العراق. عراق ديمقراطية المحاصصة وديمقراطية الصعود والتسلق فالنهب وأخدم نفسك بنفسك، عراق الاوساخ والمزابل المتراكمة والفقر والبطالة.. وتبدأ تباشير الاعتصامات والتظاهرات السلمية التي هي حق طبيعي من حقوق المواطن، ولكن سرعان ما يطغي المفهوم الفوضوي على المفهوم الديمقراطي في كردستان الحبيبة وتلتبس الأمور ويسقط قتلى وجرحى. منظر مأساوي يذكرنا بأيام زمان.
إن القيادة الكردية بكل فصائلها وأحزابها ومؤسساتها الرسمية تتحمل مسؤولية خرق القانون الذي كتبه وقرره البرلمان الكردستاني. هل تدركون مدى خطورة لعبكم بالنار؟ أنتم تهدمون على رؤوسكم بيتكم الذي لم تنتهوا بعد من بنائه.

وأما بالنسبة إلى عملية المالكي السياسية المهددة بالخطر، فأقول أيها السيد رئيس الوزراء، إن عمليتك، إن كانت ثمة عملية حقيقية فعلا، لن تتعرض للخطر إذا وقفت إلى جانب الجماهير وحققت مطالبهم العادلة.
في الإصغاء إلى الجماهير تكمن القوة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - د . زهدي الداودي / مع الود
مارسيل فيليب / ابو فادي ( 2011 / 2 / 19 - 23:38 )

اولاً .. لم تحررنا الدبابات الأمريكية إلا بعد أن بصم الزعماء الحاليين بالعشرة للأدارة الأمريكية والبريطانية في مؤتمر لندن عام 2002 .
ثانياً .. كثير من العراقيين على مختلف انتماءاتهم الدينية والقومية وقناعاتهم الفكرية يعيشون بين جوانح الديمقراطية الأمريكية ، لابل كل دول الغرب ( الكافر ) ، معززين مكرمين .. إذاً الخلل ليس بالديمقراطية الأمريكية او غيرها بل ، الخلل فينا ، انا وانت وهو وهي وههم ، وكما قال احدهم ، البكتريا المضرة والفايرس منتشرة حتى في جزيئات الهواء الذي نستنشقه ، لكن مقاومة اجسامنا ، تحمينا من شرورها .. لكن متى ما ضعفت تلك المناعة أو تراجعت ، انتصرت البكتريا الجراثيم المضرة ودمرت خلايا الجسم .
ثالثاً .. بقناعتي الشخصية المتواضعة ، كل ماحدث من فوضى ( خطط لها مسبقاً ) لوضع اسس دولة اسلامية شيعية ، اقول هذا مع كامل احترامي لكل المؤمنيين واتباع منهج التشيع ، لكن نهب المتحف العراقي وتدمير البنى التحتية تم كمحاولة لمحو جزء من تأريخ ( ما يسمى الآن بالأقليات القومية ) .....


2 - تكملة لما سبق
مارسيل فيليب / ابو فادي ( 2011 / 2 / 19 - 23:39 )
حيث كل تأريخ العراق ومتاحفه لابل في العالم كله تزخر بأثار وشواهد تلك ( الأقليات ) التي هي الشعوب الأصلية .. وللتذكير فقط ، قبل ايام انتقد الأستاذ مفيد الجزائري وزير الثقافة العراقي الأسبق طبيعة التعامل مع الآثار العراقية وتفضيل الإسلامية منها على الأخرى ، وعدم إدراك أهميتها وبالأخص تلك التي لا تحمل صبغة دينية، مشيرا إلى وجود نظرة سلبية للآثار التي لا تحمل صبغة الدين الإسلامي.


اخيراً كل العراق من اقصى شماله بكردستان العراق الى حدود الكويت ، ومن بئر فكة المغتصب الى آخر صخرة بين الأردن وطريبيل بحاجة الى اصلاع ، عبر العودة لتعديل الدستور ومواده الملتبسة ، والفصل بين الدين والسلطة السياسية ، بين العمامة .. وموطني موطني ، ليصبح العراق وطناً لجميع ابنائه ، وطناً نفتخر بالأنتماء له ، لا ان نكتب لنبرر مفاسد وسرقات وجهل حكامه وتكتلاته السياسية ودماره الكارثي .


3 - يجب على القيادة الكردية أن تنصط للشارع
حميد كركوكي ( 2011 / 2 / 20 - 02:23 )
يجب و باالحاجة إلى سماع أصوات الشبيبة والناس ، الشبيبة محتاجة إلى العمل الحر، و ليس حارسا وطباخا و -چاي چيا- في مقر الأحزاب الكوردية { الديمقراطية } الكثيرة ، كل شيخ و أربع مريدين و دراويش فاتح دكان عطاري مسميها(( الحزب الثوري المجاهد المسلم الواحد الأحد الكادح)) إلى آخر التعريفات الپهلاونية الپروليتارية و الأسلامية ، الشباب يعوزهم مصانع و شركات لكي يكونوا نواة الطبقة العاملة {الطبقة المتوسطة } الواعية ولكي يكونوا قوة الموازنة {البلانس} بين الطبقة البرجوازية و الفقيرة ، بذلك تكون هذه الطبقة صمام لمنع الأنفجار - الثورة - كما الحال في الغرب . لو لا طبقة ذات الياخات الزرقاء { بلوو كالر } من المستحيل إبقاء الديمقراطية أو منع فوضى-- الرعاع-- و صيطرة الدين والملالي لعواطف الفقراء والمعدمين بتشويق الجنّة والجهاد والشهادة و الأخلاق الكاذب ، لأن الطبقة الجائعة يبحث عن خبز ، يهمه رمقه وأفواه عائلته ، لم يقراء البيان الشيوعي ولم يتخرج مع فهد و قوجمان من معهد و جامعة ! يعرف سورة الحمدو وقول والله أحد وهو درويش القادري أو الكس نزاني أو السيستاني هذا وشكرا للأخ داودي لمنحي المداخلة .  


4 - لا يوجد قيمة للانسان العراقي ودمه المهدور
طارق عيسى طه ( 2011 / 2 / 20 - 14:19 )
للاسف الشديد تسيل دماء العراقيين ولا نرى حلولا بل تهديدات فقط ولا تزال الحكومة بدون وزير داخلية . اما موعد التظاهرات التي سوف تسير في ساحة التحرير في بغداد والتي موعدها المعلن عنه يوم 25-2-2011 فقد اتهمت من قبل المسؤولين مقدما بانها يجب ان لا تخضع لاجندات اجنبية وقال السيد المعروف خضير الخزاعي لو تظاهر الشعب العراقي باجمعه فهذا لا يهمنا ان هذا منطق رعاة البقر ليس الا ,والذي يخاف من تظاهرات سلمية (تحت ابطه عنز يمعمع)

اخر الافلام

.. الخلاف حول جزيرة الياسات.. خلاف -متجذر- أم -سحابة صيف عابرة-


.. زعيم حزب -فرنسا الأبية-: أنا قادر على تولي منصب رئيس الوزراء




.. في حفل الزفاف.. عريس يسحل عروسه في مصر! • فرانس 24 / FRANCE


.. قمة مجموعة السبع في إيطاليا تركز على مواجهة روسيا والصين ودع




.. غواصة روسية نووية ترسو بالقرب من ميناء هافانا