الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة الخوف، هل نحن أمام تغيير

نادية حسن عبدالله

2011 / 2 / 20
حقوق الانسان


الخوف هو من أكثر الأمراض المؤثرة على حياة الناس السياسية والاجتماعية وعلاقاتهم الشخصية بصورة كبيرة، ويؤدي الخوف الشديد إلى شل قدرة الفرد أحياناً، وخاصة قدرته على التعبير بحرية عن حقيقة أفكاره وتوجهاته. الذين يعانون من الخوف قد يضطرون لتكييف جميع حياتهم ليتجنبوا أي مناسبة قد تضعهم تحت المجهر، يضطرون فيها التعبير عن تفكيرهم.

تزداد ثقافة الخوف في المجتمعات المغلقة والغير متحررة أو تندرج تحت نظام معين من الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية، وليس هناك أي شعب إلا وتأثر بهذه الظاهرة أو المرض، ولكن تختلف هذه الظواهر من منطقة إلى أخرى ومن شعب إلى أخر وذلك حسب مكان الإقامة وزمانه وأدوات أخرى هي التي تسبب هذه الظاهرة المرضية المتوارثة.

لماذا نخاف من الليل؟
لماذا نخاف الحيوانات؟
لماذا نخاف من الشرطة؟
لماذا نخاف من المخابرات؟

فثقافة الخوف، بما هي فعل ثقافي، تهيئ الشروط والظروف لنماء الاستعداد لتقبل الخوف، فهي تستهدف شل إرادة الإنسان، وإعادة تكوينه إنسانا سلبيا محاطا بشبكة من المحرمات. هذا النوع من الثقافة في مجتمعاتنا الشرقية، للأسف الشديد منتشر إلى حد كبير، وهو يشمل جزء كبير من حياتنا الثقافية، بدء من أبسطها، إلى أعقدها وأكثرها تأثيرا، أعني الثقافة الدينية والسياسية.

ولثقافة الخوف أسباب عديدة: الموروث الثقافي، والنظام التربوي والأبوي، والرقابة الرسمية التي تجسدها ممارسات الأجهزة الرقابية لسلطة الدولة في مجالاتها المتعددة، إضافة إلى الرقابة غير الرسمية، التي أصبحت منتشرة في هذه الأيام ونراها في حياتنا اليومية.

تكون البداية عادة من المنزل حيث تبدأ عملية تكوين شخصية الفرد، يتلقى الطفل تمارين ثقافية متنوعة على الخوف، الولد بالنسبة للبنت، الأخ الأكبر بالنسبة للأصغر، الأب بالنسبة لجميع أفراد الأسرة. ومن ثم إلى المدرسة، الطفل يخاف من المدرس، والموظف يخاف من المدير، وزعيم العشيرة في عشيرته، وهكذا، وفي كل حلقة من هذه الهرمية يحضر الخوف بكل فعاليته. فهناك خوف على مستقبل الأولاد، وهناك خوف من تمرد الأولاد على الخوف وهناك خوف من تمرد الرعية ...الخ.

إن الثقافة التي تنمي في الشخصية الاستعداد للطاعة، والتقبل، هي ثقافة تسلطية، نعيشها منذ الطفولة إنها ثقافة للخوف، وبما هي كذلك فهي ثقافة تقتل القدرة على التساؤل، بعد أن تقتل الإرادة والشخصية. أما الثقافة المنتجَة في ظروف الخوف، فهي نوعان: نوع يمكن تسميته بثقافة التمرد، والنوع الثاني هو صورة عن ثقافة الخوف التي تعيد إنتاج الخوف، فهي تعيش ثقافة الكذب، والمبالغة، والمنطق التبريري..الخ. وقد تتحول ثقافة الخوف إلى ثقافة الكسل، وعدم الاهتمام والملل والضجر، إلى ثقافة عدم الإحساس بالمسؤولية والاحساس بالمواطنة.

يحدد جورج اوروَل في روايته ( 1984 ) عناصر بنية ثقافة الخوف ، "بأنها البنية المؤسسة على التفكير المزدوج . فما هي هذه العناصر ؟ إنها : أن تعرف وأن لا تعرف أن تعي حقيقة صادقة كل الصدق وترى بدلا منها كذبات موضوعة بعناية، وأن يكون لديك في نفس اللحظة وجهتا نظر متباينتان وأنت تعتقد وتؤمن فيهما كليهما، وأن تستخدم المنطق ضد المنطق، وأن تعتقد بأن الديموقراطية غير ممكنة وفي نفس الوقت تنادي بأن الحزب الحاكم هو حامي للديموقراطية ، وأن تنس ما تدعو الضرورة لأن تنساه ثم تستعيده إلى الذاكرة في اللحظة التي تحتاج فيها إليه ثم تعود فتنساه مرة ثانية."

وكما قال نزار قباني:

حين يصير الناس في مدينة
ضفادعا مفقوءة العيون ،
فلا يثورون ولا يشكون ،
ولا يغنون ولا يبكون ،
ولا يموتون ولا يحيون ،
تحترق الغابات ، والأطفال والأزهار ،
تحترق الثمار ،
ويصبح الإنسان في موطنه ،

" أذلّ من صرصار … !! "
نزار قباني ، الأعمال السياسية ص17 ( قصيدة الممثلون ) بيروت 1974 –

إن ثقافة الخوف هي من أهم الأسباب التي تؤدي إلى ضعف الانتماء والمواطنة واستبدال مفهوم الحب والانتماء بالخوف والاختباء، وقد يكون التطنيش والمزاوده والتظاهر بعدم الاهتمام، أو حتى قد نصل إلى وضع قناع المزاودة والتقرب من الذي نخاف منهم، وتمسيح الجوخ بالعامية.

إن ثقافة الخوف التي نعيشها، مرض حقيقي، هذه الثقافة التي تأخذ كل وقتنا وتفكيرنا لمجرد أننا نفكر، فالخوف تحول إلى ثقافة نتناولها، حتى صار الغرب يصفنا في كتبه، "لا يمكن أن تكون عربياً ما لم تخاف من أي شيء" الخوف هذه الثقافة المتوارثة التي يجب أن نتخلص منها بطرق علمية صحيحة لكي نحرر الإنسان والمجتمع من هذه القيود التي تكبل حياتنا وتعيقنا من التطور وتجعل مستقبلنا مبهماً نخاف منه. ونبقى نعيش حياتنا نخاف على أولادنا، نخاف على أحفادنا، نخاف من الفرح ونخاف حتى من أن نضحك، أو نكون سعداء، فنقول "الله يجعله خير". اذا ضحكنا كثيرا نتوقع ان تحدث كارثة، وتمضي حياتنا ونحن نخاف.

ان ثقافة الخوف، تعزز الفساد، هناك الكثير من الأشخاص الذين يرون الفساد، يعيشون الفساد، ويعانون من الفساد، وهم غير قادرين عن الكلام، غير قادرين على التعامل معه، غير قادرين عن التبليغ عنه، لأنهم يخافون. قد يغيرون عملهم، يغيرون سكنهم، يغيرون حياتهم ويهربون خوفا من مواجهة الفساد، ويبررون ذلك بأنهم غير قادرين على المواجهة، وانهم أضعف من التبليغ، وأنهم يريدوا ان يعيشوا بسلام، يخافون فيهربون من الفساد يتجاهلوه ولا يواجهوه.

وفي مناخ كهذا، تم تصوير الناشطين والمطالبين بعدالة أكثر ورؤية وأكثر جديه للأمور الحياتية للشعوب، والى المطالبين بكسر حاجز الخوف، والمطالبين بتعزيز شعور المواطنة، والمطالبين بحقوق الإنسان، والحق في التعبير، والحق في المشاركة، والتحرر من الخوف، والتحرر من الفساد، بأنهم مجموعة من المشاكسين، الذين تأثروا بالخارج وبالأفكار الغربية.

ومن المؤكد أنّ لا سبيل إلى التخلص من الخوف والفساد إلا بإحياء مؤسسات المجتمع المدني وما تقتضيه من: التعددية الفكرية والسياسية، وحقوق الإنسان، ودولة الحق والقانون، والعدالة الاجتماعية والديموقراطية. وإلا فإنّ الخوف سيعشعش ليس في خلايا المجتمع فحسب، بل وفي خلايا الإنسان الذي تضمحل إنسانيته إ ليصل إلى المرحلة الذي يطلق عليه فيها "مثل الغنمة"، ولاحظوا هنا "غنمة" أنثى وليس ذكر لأنها تخاف أكثر.

ما فعله شبابنا في تونس ومصر واليمن وليبيا والبحرين، اللذين كسروا حاجز الخوف بعد عقود طويلة من الظلام, يجعلنا نقف متعجبين، كيف تمكن هذا الجيل الجديد من التحرر من الخوف. كيف تجرأ على الصراخ ضد الفساد والظلم، إن علينا جميعاً أن نعترف بأن الزمن قد تغيّر، وأنّه ما كان بالأمس ليس كما اليوم.......بدوأ الشباب في الدول العربية بكسر حاجز الخوف والخروج من دائرة الخوف المغلقة.

لعلنا أدركنا بهذه الثورة التي انطلقت من تونس ومن مصر، إن الخوف ثقافة خائبة لا اصل له، وان ثقافة الخوف التي زرعناها في نفوسنا ما هو إلا وهم ، وهذا ما دفع عدد كبير منا إلى البكاء ونحن نشاهد شبابنا ينتصرون، لأننا أدركنا إننا سنتمكن من الانتصار على الخوف الذي توارثناه من آباءنا وأجدادنا.

لقد فرحنا وضحكنا وافتخرنا في تلك اللحظات، انتصرنا على الخوف ونزعناه من قلوبنا التي ملت وتعبت من الخوف، خلع شباب تونس ومصر ثقافة الخوف من نفوسنا وزرعوا مكانه عزة النفس والكرامة والكبرياء "ورفعنا رأسنا عاليا".

وهناك للحديث تتمة.. ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أخبار الساعة | اعتقال 4 مسؤولين في أنقرة بتهمة التآمر ضد سيا


.. فرحان حق: الأمم المتحدة شكلت لجنة لتقصي الحقائق في الهجوم عل




.. الأونروا تحقق في لقطات نشرها الجيش الإسرائيلي


.. تونس في عهد سعيّد.. من منارة -حرية التعبير- إلى -ساحة استبدا




.. تونس: المرسوم 54.. تهديد لحرية التعبير ومعاقبة الصحافيين بطر