الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المشهد السياسي الاردني: الاصلاح بين أزمات مركبة وملفات شائكة

ياسر قطيشات
باحث وخبير في السياسة والعلاقات الدولية

(Yasser Qtaishat)

2011 / 2 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


في غضون أسابيع قليلة دخلت الساحة السياسية الاردنية في أكثر من ازمة محلية، على وقع صدى التغيرات الملموسة في المنطقة العربية، وشظايا الثورات الشعبية التي أطاحت في اقل من شهر بنظامين عربيين, تونس ومصر: فبيان موقّع من اشخاص يدّعون انهم يمثلون عشائر الاردن ينتشر في الفضائيات ووسائل الاعلام العربية والاجنبية يسيء الى الوحدة الوطنية ويدعو جلالة الملك عبد الله الثاني الى الاصلاح والتغيير الدستوري وكف يد المقربون منه عن الفساد والعبث بأمن البلاد وثرواتها، وهو ما انتقده الديوان الملكي الهاشمي في بيان صدر بهذا الخصوص الاسبوع الماضي، دان به وكالة الانباء الفرنسية التي روّجت البيان، وشنت عليه الصحف الاردنية نقدا على استحياء، وتبرات منه أغلب العشائر الأردنية.
ثم ما يلبث ان يخرج بعض المعتمصين من عشائر الخلايلة والزواهرة والعدوان للمطالبة بالواجهات العشائرية، التي ظهرت على الساحة قبل عقود مضت، وعادت اليوم وسط جملة ازمات تغني الاردن عن الدخول في ازمة مع العشائر الاردنية التي تعتبر عماد الدولة وأساس استقرارها.
والواجهات العشائرية، "مصطلح يطلق على مناطق الرعي التي خصصت لعشائر الصحراء في الشمال والجنوب والوسط والاغوار لانها قريبة من موطنهم"، وهي اراض لا تمتلكها العشائر بالتملك الرسمي بل خصصت لها بفعل القرب الجغرافي ووضع اليد والاستعمال، وهي مشكلة بدات منذ عقود طويلة، وكانت سببا مباشرة لتوتر العلاقة بين العشائرة والنظان احيانا، والحكومات احيانا أخرى، خاصة تلك المواجهة التي حدثت قبل ثلاثة عقود بين عشائر بني حسن وحكومة مضر بدران، والتي انتهت بوعود حكومية لم ينفذ منها شيء، وتستمر معاناة العشائر باستمرار الوعود الحكومية المتكررة والتي لا تخرج عن دائرة التسويف والدراسة .
لكن منذ سنوات خلت بدأت الحكومات المتعاقبة تضع يدها على تلك الاراضي بعد ان ارتفع ثمنها واصبحت تقدمها للشركات الخاصة لاقامة مشاريع استثمارية، الامر الذي اغضب بعض العشائر التي طالبت الحكومات أكثر من مرة بتلك الواجهات وانها الاولى من غيرها للاستفادة منها، خاصة بعد علمها أن بعض الواجهات العشائرية تمتلكها جهات متنفذة في الدولة، وربط البعض بين هذه الاعتصامات العشائرية والبيان المذكور اعلاه الذي دعا الى وقف تملك بعض المتنفذين في الدولة لاراضي الشعب الأردني ومحاربة الفساد والفاسدين، وهو تفسير فيه جزء من الصحة، لان القاسم الزمني بين الحدثين أيام قليلة، والطرف المستفيد من الأمرين هما العشائر، ما يعني احتمالية ان يكون لبعض تلك العشائر علاقة بالبيان ولو من بعيد، رغم نفي اغلب العشائر الاردنية للبيان جملة وتفصيلا، وتجديدها الولاء والانتماء للاسرة الهاشمية والنظام.
تجدد المطالبات العشائرية بتلك الواجهات وسط ازمات اقليمية وتصاعد قوى المعارضة المطالبة باصلاحات سياسية، دفع الملك شخصيا للتدخل، بعد اعتصام بعض العشائر ومطالبات عشائرية اخرى بانصافها في ذات الموضوع، فأمر الديوان الملكي وحكومة البخيت بضرورة حل الازمة واعادة تلك الواجهات العشائرية، فشكلت حكومة البخيت لجنة الواجهات العشائرية لاستقبال الطلبات المدعمة بالوثائق لمدة شهر، واكد البخيت في هذا الصدد "اننا في الاردن دولة قانون ومؤسسات "ومن له حق سيأخذه ومن ليس له حق فلدينا من الجرأة ان نقول له بان طلبك غير عادل".
وبعد ان أكد نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية المهندس سعد هايل السرور حرص الحكومة على إيجاد حلول مناسبة تتعلق بالواجهات العشائرية في المملكة، بحيث تفضي تلك الإجراءات إلى حلول مناسبة للمواطنين من خلال بحثها في لجنة الواجهات العشائرية، طالب عدد من شيوخ ووجهاء وابناء عشائر العدوان من مناطق الشونة الجنوبية والكفرين والرامة بتفويض الواجهات العشائرية الخاصة بهم ، وجاءت المطالبات من خلال عريضتين رفعتا لرئيس الوزراء ووقع عليهما المئات كما قدمتا لمحافظ البلقاء ومتصرف لواء الشونة الجنوبية.
وقبل وبعد الاحتجاجات والثورات الشعبية التي انطلقت شراراتها من تونس ثم وصلت الى مصر واحدثت تغيرات عميقة في صلب النظام الاقليمي العربي، كانت الاعتصامات والمظاهرات الشعبية الاردنية مستمرة في تصعيد موقف المعارضة تجاة حكومة سمير الرفاعي، داعية الى استقالة الحكومة والاصلاح ووقف بيع مؤسسات الدولة ومحاسبة الفساد والفاسدين، تلك المظاهرات أتت أكلها باستقالة حكومة الرفاعي وتعيين الدكتور معروف البخيت رئيسا للوزراء، الامر الذي لاقى ارتياح شعبي نسبي، سيما وان كتاب التكليف الملكي لحكومة البخيت تضمن تركيز العمل على ملف الاصلاح الوطني الشامل وتحقيق رغبات القوى الوطنية والمعارضة من خلال الحوار والتفاوض وصولا لمشروع اصلاح وطني توافقي .
هذا الامر هو الذي دفع جلالة الملك في الاسبوع الماضي لمقابلة قوى المعارضة ممثلة بالحركة الاسلامية ومن ثم قوى النقابات المهنية، ما فسره البعض على انه نهج ملكي وحكومي جاد للسير بشكل دستوري لتطبيق خارطة طريق جديدة للاصلاح السياسي والتحول الديمقراطي، خاصة وانها المرة الاولى التي يتلقي فيها جلالته بوفد ممثل للنقابات المهنية، التي وصفت دوما بانها معقل الاسلاميين الأول والقوى الحزبية القومية والاشتراكية المعارضة في الاردن .
والازمة الاهم التي واجهتها الحكومة اليوم هي قضية ما بات يعرف "بمظاهرة الحسيني"، تلك المظاهرة التي انطلقت يوم الجمعة لماضي من أمام المسجد الحسيني الكبير في وسط البلد للمطالبة بالإصلاح السياسي والاقتصادي ومحاربة الفساد، وسرعان ما اشتبكت مع مسيرة أخرى تطالب بعدم "العبث بالأمن الوطني"، في حادثة دانتها الحكومة وقالت إنها من "فعل مجهولين"، وأصيب خلال المظاهرة سبعة أشخاص إثر استخدام المظاهرة المضادة لاسلحة بيضاء وصفها البعض بأسلحة "البلطجة" وفقا لما جرى تسميته في مظاهرات تونس ومصر واليمن وليبيا .
الأمن العام فسّر الاشتباك على أنه "تلاسن" بين الطرفين، خلال المسيرة التي نفذتها قوى الحراك الشعبي التي حملت الحكومة مسؤولية الحادثة. وندد منظمو المسيرة خلال مؤتمر صحافي في نفس اليوم بما اعتبروه محاولة "إجهاض" مسيرتهم السلمية التي جاءت للمطالبة بإصلاحات سياسية سريعة، مؤكدين مواصلتهم الحراك الاحتجاجي خلال الأسابيع المقبلة، بإطلاق مسيرة مركزية تنطلق من العاصمة وعدد من المحافظات الجمعة المقبل.
فسارعت الحكومة إلى إدانة الحادثة. واكدت أن ما قام به المهاجمون هو انتهاك لحرية المواطنين وحقهم في تنظيم المسيرات وحرية التعبير وهو ما أكد عليه كتاب التكليف السامي للحكومة والتزامها بكل كلمة فيه.
فيما ادان رئيس الوزراء الدكتور معروف البخيت الحادثة واعتبرها انتهاك صارخ لحرية التظاهرات السلمية والتعبير، وكلف وزير العدل المحامي حسين مجلي تشكيل لجنة تحقيق للوقوف على اسباب الاعتداء بالعصي الذي تعرضت له مسيرة الجامع الحسيني حرصا من الحكومة على سمعة الاردن وشعبه.
كما أكد مدير الامن العام الفريق الركن حسين هزاع المجالي ان الملك عبدالله الثاني أمره بتوفير حماية لشخصيات سياسية ، تصنف بأنها معارضة للحكومات ، وذلك لدرء الفتنة، لافتا الى انه "لا يوجد رئيس في العالم يأمر بذلك ، ونحن نقتدي بتوجيهات سيد البلاد".
ودان حزب جبهة العمل الاسلامي الاعتداء على المسيرة السلمية، وطالب في بيان له الحكومة بالاضطلاع بمسؤولياتها ومعاقبة كل من تسبب في هذا الاعتداء الذي وصفه بالهمجي "ولا يتفق مع طبيعة الشعب الأردني ، ولا مع وعود الحكومة بالشروع بإصلاح سياسي شامل، ولا مع كتاب التكليف الملكي ، ولا يعزز أمننا واستقرارنا" .
وفي ظل تلك الازمات المتكالبة على حكومة معروف البخيت التي لم تأخذ فرصة لالتقاط الانفاس منذ تشكيل الحكومة مطلع الاسبوع الماضي، رشحت مصادر سياسية واعلامية أن جلالة الملك عبدالله الثاني سيلتقي اليوم رؤساء وأعضاء السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية. ومن المحتمل أن يلقي جلالته كلمة للشعب الاردني حول مجمل القضايا الوطنية والعربية .
ولا شك ان جملة التداعيات التي تشهدها الساحة المحلية الاردنية بحاجة الى خطاب شامل من الملك لوضع الامور في نصابها وعادة تاكيد بعض الثواتب، خاص لجهة الاصلاح السياسي الشامل الذي كلف حكومة البخيت بالسير به، كما ان الانقسام الخطير الذي بدأت تشهده الساحة الشعبية الاردنية بعد احداث مسيرة الحسيني يوم الجمعة الماضي، بحاجة لتدخل ملكي عاجل قبل فوات الاوان، حتى تتضح الرؤية للجميع، فالمعارضة تستقوي بالشارع الشعبي لتحريك مسيرات بالالاف الجمعة المقبل ومن عدة محافظات، فيما يؤكد رئيس الوزراء معروف البخيت انه يرفض سياسة الاستقواء بالشارع، ويقول في هذا الصدد :
"اما قطع الطريق والاستقواء على الدولة وتخريب الممتلكات العامة وتشويه صورة الدولة والاساءة اليها فهذا ليس حوارا وليس تعبيرا عن الرأي بمقدار ما هو خروج عن القانون وتقاليد واخلاقيات الحوار الوطني الاردني".
وأكد "أننا ماضون في طريق الاصلاح والتحديث والتطوير لا نقبل الردة ولا نسمح بالعودة الى الوراء مهما كانت العناوين او المسميات وستتواصل مسيرة الخير والعدالة والانجاز وسيبقى الاردن انموذجا في الديمقراطية والحرية والاهم احترام كبرياء الانسان".
الامر الذي يعني في خاتمة المطاف، انه وفي غضون أقل من شهر ستصبح الحكومة الحالية امام ملفات شائكة : احدهما اسمه "الواجهات العشائرية" ما يرتب عليها صعوبة ارضاء الجميع والتنازل عن اراضي بمساحات كبيرة للدولة لتلك العشائر بنفس الوقت، فهل تنجح الحكومة في ادارة هذا الملف أم يتم تسويفه بحلول "ترقيعية" كما فعلت الحكومات سابقا، خاصة حكومة مضر بدران؟ وهل سيكون هذا الملف مدخلا لاثارة نقمة العشائر على الحكومة من جديد وبالتالي انضمامها لصف المعارضة واتسع رقعة الغضب الشعبي على مؤسسان صنع القرار والمطبخ السياسي؟؟
والملف الأخر الذي تواجهه حكومة البخيت أكثر تعقيدا، وهو ملف الإصلاح الشامل المطروح كأولوية على طاولة البحث، بخاصة ببعده السياسي عبر إطلاق إصلاحات "حقيقية" تبدأ بسن قانون انتخاب جديد في أقل من ثلاثة أشهر تمهيدا لإجراء انتخابات قائمة على أفكار وبرامج تفضي إلى تشكيل حكومة برلمانية، كما يتصور البخيت في خارطة الطريق التي وضعها قبل شهر ونصف من مجيئه للدوار الرابع .
ولا شك أن الحكومة الحالية تقدم نفسها كـ"حكومة إصلاح"، وهي تستند في رؤيتها تلك إلى كتاب تكليفها السامي، فهل ستنجح حكومة البخيت من تحقيق اجدنات الاصلاح الوطني الشامل وسط الانواء والازمات السياسية التي تعصف بالبلاد والمنطقة العربية، وهل تملك الحكومة الوقت الكافي لتحقيق رؤية رئيسها البخيت بعيدا عن تصفية الحسابات التي يقودها بعض اعضاء مجلس النواب ووزراء ورؤساء وزراء سابقين ضد الحكومة ورئيسها؟ وهل التوليفة الحكومية الحالية قادرة على تحقيق الاصلاح بكافة اركانه وشروطه ؟
اسئلة عديدة ومتنوعة تواجهها حكومة البخيت وأركان الدولة، ستتضح اجابتها في غضون الاسابيع والشهور القليلة الماضية، ونتمنى ان تمضي الحكومة ومطبخ القرار السياسي بالاستجابة للمطالبات الشعبية والسياسية بالاصلاح واستكمال مشروع المملكة الدستورية بعيدا عن الضغوط والمواقف الاقليمية والدولية، حتى يكون للتغير قيمة أردنية خالصة، مستفدين من تجارب الأخرين بالتغيير السلمي الذي بدأ من هرم السلطة لا من قاعدتها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسؤول إسرائيلي: حماس -تعرقل- التوصل لاتفاق تهدئة في غزة


.. كيف يمكن تفسير إمكانية تخلي الدوحة عن قيادات حركة حماس في ال




.. حماس: الاحتلال يعرقل التوصل إلى اتفاق بإصراره على استمرار ال


.. النيجر تقترب عسكريا من روسيا وتطلب من القوات الأمريكية مغادر




.. الجزيرة ترصد آثار الدمار الذي خلفه قصف الاحتلال لمسجد نوح في