الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
مصر .. هكذا ينهض العملاق
مؤيد العتيلي
2011 / 2 / 20السياسة والعلاقات الدولية
ربما حملت الثورة الشعبية في مصر بعض السمات التي جعلتها تتمايز عن غيرها من الحركات الاجتماعية عبر التاريخ – وليس أقلها ذلك العدد الهائل من المشاركين فيها من مختلف فئات الشعب وطبقاته – ووحدة الشعارات التي رفعها المشاركون على اختلاف انتماءاتهم وتوجهاتهم وطوائفهم. إلا أن هناك بالطبع سمات كثيرة تجمع بين كافة الثورات الشعبية وحركات الاجتجاج في العالم – وفي مقدمتها بالطبع الثورة ضد الطغيان بكافة أشكاله - والمتمثل بغياب العدالة الاجتماعية، والتي تعني أول ما تعني اتساع الفقر لدى غالبية الفئات الاجتماعية، وتراكم الثروة من ناحية أخرى وحصرها على فئة ضيقة من أفراد المجتمع لتشكل هذه الفئة طبقة نافذة مهيمنة، تسعى وبكل ما لديها من قوة بطش إلى حماية تلك الثروات بل ومضاعفتها بكافة الوسائل.
وهذه الحالة تحديداً كانت عاملاً جوهرياً من عوامل إشعال الثورة في مصر، فتفشي الفقر والبطالة أوصل نسبة كبيرة من المجتمع إلى حدود لا يمكن احتمالها، وبعض النسب تؤكد أن 40% من أوساط المجتمع تعيش تحت خط الفقر، في مقابل نسبة ضئيلة جداً من أفراد ذات المجتمع تراكم ثروات هائلة على حساب هؤلاء الفقراء، ليس هذا فقط، بل إن مصدر هذه الثروات الهائلة كان من خلال إهدار المال العام في البلد، والتفريط بالثروات الطبيعية وبيعها بأرخص الأثمان، وكان أيضاً على حساب الإنتاج الوطني الذي تضرر إلى حد التدهور بفعل تفشي نظام السوق الحر والانفتاح الاقتصادي الذي ولد طبقة طفيلية فاقدة لانتمائها الوطني والقومي، وفاقدة لحسها بمعاناة الشرائح الواسعة من المجتمع.
* من الطبيعي إذن أن تهب الفئات الاجتماعية المسحوقة والمهمشة دفاعاً عن حياتها ووجودها الذي أصبح مهدداً بفعل هذا الطغيان المتنامي كالسرطان، ومن الطبيعي أيضاً أن يلتقي الجميع تحت سقف واحد وشعار واحد – وهو إسقاط النظام الكامل – والذي تأسس على مبدأ إلغاء دور الشعب في تحديد مصيره ومصير المجتمع بالمجمل، وتهميش النخب السياسية والثقافية وعزلها في زوايا معتمة ضيقة، بحيث تفقد القدرة والأدوات اللازمة لها للتفاعل مع بقية فئات المجتمع بما يعمق لديها حسها النضالي من ناحية، ومن ناحية أخرى يوضح لديها الرؤية بالقدر الذي يؤهلها للقيام بدور المشعل للثورة التي طال انتظارها، وتكون الرائدة في المسيرة الشعبية. لقد حقق هذا العزل غاية النظام وهدفه في إفقاد الجماهير الشعبية – ولو مؤقتاً – قدرتها على وضع التصورات لمسيرة الثورة – في البداية – كما أفقدها طليعتها التي كان يجب أن تكون معدة ومستعدة لاستلام الراية حين تحين لحظة الانتصار والتغيير .. وقد حانت – لكن الطليعة ظلت على مسافة من استلام الراية – وما تزال – وبما يؤشر لمرحلة غائمة قد تطول وقد تقصر، وذلك اعتماداً على قدرة النخب والقوى السياسية والاجتماعية والثقافية على لملمة نفسها وإعادة تنظيم صفوفها بالكيفية التي تتناسب بالطبع مع مهام مرحلة دقيقة وخطيرة تمر بها مصر.
* العامل الجوهري الآخر والذي لا يقل أهمية عن العامل الأول – لكنه ربما يتجلى دوره ضمن دائرة شعبية أقل اتساعاً – وهو سعي النظام الدائم إلى هتك الحس الوطني لدى أفراد المجتمع وهتك الحس القومي أيضاً، حيث أن تجاهل النظام للأهمية القصوى لإحساس المواطن بكرامته الوطنية، وحسه أيضاً بصلته الحتمية وغير القابلة للفكاك عن جذورها القومية، كان عاملاً رئيساً من عوامل عزل النظام لنفسه عن قواعده الاجتماعية التي كان يمكن أن تبادر للدفاع عنه في لحظات التهديد، والأشد إيلاماً أن هذا الهتك وهذا التجاهل من قبل النظام للحس الوطني والقومي، كان يتم بوسائل استفزازية وسياسات هي من حيث المبدأ والنتيجة تمثل اصطفافاً خطيراً على الأمن القومي للبلد – أقصد بذلك الاصطفاف الدائم إلى جانب عدو كامن يسعى بكل الوسائل وبشكل جلي لتدمير كافة مقدرات هذه الدولة ذات الوزن الثقيل إقليمياً ودولياً .. فمصر هي محور حركات التحرر ليس فقط في الوطن العربي وإنما ضمن دائرة تشمل قطاعاً واسعاً من دول العالم الثالث في إفريقيا وآسيا وغيرها، هكذا كانت مصر في الفترة التي كانت تحمل فيها راية النضال ضد كافة أشكال الاستعمار والهيمنة، هذه مصر .. وبذات القدر الذي كانت فيه طليعة حركات التحرر في المنطقة .. أصبحت على هامش الفعل حين فقدت هذه الريادة حال تخلي نظامها عن الدور الطليعي والطبيعي لدولة بهذه المكانة، قادرة على فرض هيبتها وقوتها دفاعاً عن الحرية والعدالة في منطقة تعج بأطماع القوى الاستعمارية ورأس حربتها الكيان الصهيوني الجاثم ما يزال فوق تراب وطن تمت استباحته في ظل اختلال هائل في موازين القوى الإقليمية والدولية.
في ظل مصر الفاقدة لدورها، استكملت القوى الاستعمارية برامج الهدم والتدمير في بقاع مختلفة من أرجاء الوطن العربي .. لقد تم اجتياح لبنان .. وتم ضرب المفاعل النووي في العراق على مرأى ومسمع من العالم الأصم الأبكم، وتبع ذلك حصار العراق، ومن ثم تحطيمه وهدم بناه الفوقية والتحتية من خلال احتلاله عسكرياً، وتتويج شيوخ الطوائف ملوكاً وأمراء، وتدمير قيمه الحضارية والإنسانية، كما تم أيضاً في ظل هذه المرحلة المعتمة شن الحرب على غزة، بكل ما حملته تلك الحرب من همجية واستعلاء تحت مظلة الطمأنينة التامة لحياد مصر، وربما لم يكن مجرد حياد، بل كان شراكة مدفوعة الثمن من خلال معونات أمريكية ذات رائحة نتنة عمقت روح الفساد لدى أركان النظام في مصر.
* هذا هو الحال إذن حتى هذه اللحظة .. ثورة مصر، ثورة شعبية ضد الفقر والجوع، ضد الاستعباد والاستبداد والتعسف، ضد القمع ومصادرة حق الناس في التعبير عن آرائهم ومواقفهم وحرمانهم من المشاركة في رسم أفق وطنهم، كما أنها في نفس الوقت ثورة ضد هتك الكرامة الوطنية، وضد سلخ الكبرياء القومي لدى شعب لا يمكن له إلا أن يكون في صميم محيطه العربي .. وفي طليعته أيضاً.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. إيران تعلن انفتاحها على الحوار مع قيادة سوريا الجديدة
.. ترحيب دولي بسقوط نظام الأسد و-قلق وغموض- بشأن مستقبل سوريا ا
.. رئيس مجلس الشعب السوري لسكاي نيوز عربية: مستعدون لتقديم أي م
.. شبكات | هل تُرفع هيئة تحرير الشام من قائمة الإرهاب؟
.. شبكات | سراديب وأنفاق وأسطول سيارات فارهة في قصور الأسد