الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقد نقد النظرية الماركسية

نعيم إيليا

2011 / 2 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


كتب السيد فؤاد النمري في ذيل رسالة السيد جمال البنا، (نقد النظرية الماركسية)، كلمة عبّر فيها عن سخطه على محتوى الرسالة، فقال:
"الأخ الفاضل جمال البنا
أقرؤك تكتب في الدين فيمتعني منطقك وسعة اطلاعك، أما أن تكتب في الماركسية وفي الإشتراكية والشيوعية فلا أملك إلا أن أشفق عليك طالما أنك بذلت جهداً لا طائل منه واشتغلت فيما لا تختص فيه"
فهل كان السيد النمري متحاملاً على الكاتب إذ وصفه في سورة السخط بأنه يجهل حقيقة الماركسية، وبأنه يشتغل بما لا يمتّ إلى حرفته واختصاصه؟
نحسب الأمر كذلك، وإنْ لم يقصد النمريُّ حقيقةً أن يجور عليه.
إنَّ اتهام السيد (البنّا) بالتطفل فيما لم يخبره من موضوعات المعرفة، وبأنه لا يملك من مقومات هذه الموضوعات شيئاً، تحاملٌ لا ريب فيه؛ فمن يقرأ سيرة (البنّا)، ويطلع على نشاطه الفكري، يعلمْ أنّ الرجل ليس من المتطفلين فيما لا علم له به من شؤون الماركسية، بل هو متعمّق في حيثياتها، متبصّر في أمورها، ملمّ بقضاياها، عالم بأسرارها.
فهل من قيمة بعد هذا لكلام السيد النمري؟ هل يجوز أن تكون له قيمة وهو يمثّل رأياً ينبو عن الحقيقة؟.
الجواب: نعم! وهذا جواب قد يبدو للقارئ منقوضاً بما سبق من حكم بالتحامل على كلام (النمري)، غير أنه ليس كذلك في جوهره؛ أي ليس عند النظر إلا تناقضاً ظاهرياً. وتعليل هذا التناقض يسيرٌ، إذا ما علمنا أنّ النمريَّ أدرك بوعيه الماركسي ما في رسالة (البنّا) من المغالطات التي تتعمّد تشويه الماركسية تعمّداً، ولكنّه بدلاً من أن يستقصيها، أو يدلّ على شيء منها مقروناً بالشرح والتعليل، يغلبه الانفعال، ويأخذ يكيل للكاتب من حممه.
نتساءل الآن:
ما الذي يدفع كاتباً ما إلى مهاجمة عقيدة من العقائد، أو نظرية من النظريات، أو مبدأ من المبادئ بالنقد، كما فعل السيد جمال البنّا في رسالته؟
ألأنه يرى هذه العقائد والنظريات والمبادئ شرّاً مستطيراً لا بدّ من دفعه عنه اتقاء أخطاره؟ أم يراها باطلة لا بدّ من إقصائها خدمة للحقيقة المجرّدة؟
إنّ الدوافع التي تحمل الكتّاب عامة على النقد، كثيرة متنوعة تختلف باختلاف موقع الكتَّاب وتوزعهم على السلم الاجتماعي أو الثقافي أو النفسي. ولا جدال في أنّ هذه الدوافع طبيعية، وأنها وليدة قانون الحركة الناشئة عن صراع الأضداد؛ ولهذا فمن غير المجدي أن توضع في طريقها الحواجز والسدود. بيد أنّ للنقد أدواته ومناهجه وقواعده الخاصة التي لا يصلح إلا بها. ولعلّ أبرز هذه القواعد أنّ يتحلى النقد بالمنطق؛ فينهج وفق ما يمليه عليه العقل من المبادئ المتفق عليها التي لا تقبل الاختلاف إلا فيما ندر. ولا يشترط هنا أن يكون النقد في مضمونه صحيحاً أو فاسداً؛ لأنّ صحة الموضوع أو فساده، قضية نسبية متنازعٌ عليها بين الأفراد؛ فأن تكون النظرية الماركسية صحيحة بالنسبة لعليّ، خاطئة بالنسبة لبطرس، فأمر لا يدخل من باب المنطق المقصود هنا، والذي يتحكم بصورة النقد من حيث أنه فن من فنون الكلام.
وتلقاء هذا التحديد للنقد، يمكن القول: إنّ "رسالة البنّا في نقد النظرية الماركسية" جاءت خالية من المنطق؛ ففقدت بذلك روحها، وقدرتها على التأثير في القارئ.
وتجنباً للإطالة لن نتعرض إلا لقضية واحدة مما ورد في رسالته من القضايا الكثيرة، وبغيتنا الكشف عن هذا العيب الذي ألمحنا إليه، والذي جعلها غير مؤثرة في ذهن القارئ؛ إنها قضية المصادفة والقانون. يقول:
"ويرى كارل ماركس أن امتداد هذه القواعد إلى دراسة الحياة الاجتماعية وتطبيقها على المجتمع يؤتينا نتائج على جانب عظيم من الأهمية ، لأنه يفسر تطور المجتمع على وجه الدقة ، ويرجع حوادثه إلى أسباب عملية ومادية بحيث لا يترك شيئاً منها للمصادفة أو للإرادة الإلهية أو للأسباب العليا الخارجة عن الطبيعة أو غير ذلك ، وبالاختصار فإنه يوجد علمًا له من الدقة ما لعلم الحياة مثلاً . ويبدأ كارل ماركس ـ وهذا هو الجزء الذي ابتكره من الموضوع ـ في تطبيق هذه القواعد على الظواهر والأوضاع وتوضيح آثارها فيرى أن المادة لم تفسر بعد التفسير "المادي" أو "العملي" حتى من نفس فلاسفتها الذين نظروا إليها نظرة رمزية ، أما هو فيرى أن الإنتاج هو الذي يمثل المادة خير تمثيل . ومع كل فلسنا في حاجة إلى نقاش فلسفي ، ففي وسع رجل الشارع أن يسأل عن أثر المصادفات في نظام ماركس الميكانيكي ومذهبه الآلي ، فلا يسع أحدًا من أتباعه الإجابة ، فالصدفة تثبت وجودها في كافة العصور وكافة الميادين ، وكافة الأمم ، ومن اللحظة الأولى التي تبدأ فيها الحياة الإنسانية يظهر أثر الصدفة ، فهي التي تجعل حيواناً منويًا واحدًا من ملايين غيره يلتقي بالبويضة الأنثوية. وفي الناحية العلمية نرى أن كثيرًا من الاكتشافات قد أوحت بها صدفة عابرة أو حادثة تافهة ، مثل "تفاحــة" نيوتن ، و"غلاية" ستفنسون ، و"مفتاح" بكرل ، وكل كشف من هذه الكشوف كان إيذاناً بعهد علمي جديد ، قانون الجاذبية ، وكشف قوة البخار ، ومعرفة الإشعاع الذري .
وماذا عن عظماء الر جال ، والأنبياء ، والمفكرين ، والقادة الذين لعبت مئات الصدف الصغيرة في توجيههم نحو قصدهم المعروف ، ولولاها لتغيرت حالهم ، ولتغير تاريخ العالم" .
حيث ينتقد الكاتب هنا جانباً من فلسفة كارل ماركس الذي يرى أن الكون والمجتمع الإنساني، تحكمهما قوانين موضوعية ثابتة تتكرر باستمرار على نسق معلوم خاضع لمبدأ السببية، وهي قوانين صارمة لا تترك مجالاً للمصادفة في حياة الإنسان أو الطبيعة - كذا، بحسب تفسيره - ويرى أنّ ماركس يخطئ حين يستبعد المصادفة؛ لأنّ المصادفة في رأيه لا يصحّ أن تُستبعَد لكونها حقيقة واقعية مؤثرة في الإنسان والطبيعة: " فالصدفة تثبت وجودها في كافة العصور وكافة الميادين ، وكافة الأمم ، ومن اللحظة الأولى التي تبدأ فيها الحياة الإنسانية يظهر أثر الصدفة ، فهي التي تجعل حيواناً منويًا واحدًا من ملايين غيره يلتقي بالبويضة الأنثوية".
ولسنا هنا لمناقشة الكاتب في صحة رأيه أو خطئه، فهذا آخر ما يهمنا. إنّ ما يهمّنا هنا هو منطق النقد لديه. فإنه - كما تبيّن من سيرته - رجل يؤمن بالله ويؤمن بكتابه، وإنْ كان لا يطبع (زبيبة) على جبينه. ولمّا كان على هذا النحو مؤمناً، فمن واجبه أن يمتثل بعقله لمبدأ من أهم مبادئ الدين؛ هو القضاء والقدر، وإلا فإنّ ادعاءه الدين سيكون موضع شك وريبة.
وإنّ مبدأ القضاء والقدر - كما يعلم الجميع - يتعارض أشدّ التعارض مع المصادفة التي من سماتها العشوائية؛ إذ هو مبدأ إلهي راسخ يحدث بعلم الله وتدبيره، وقانون ثابت مكتوب في اللوح المحفوظ. ويشهد على هذا الآيات التالية:
{ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير} [الحديد:22].
{قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا } [التوبة:51]،
{اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمواتِ بِغَيْرِ عَمَد تَرَونَهَا ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَل مُسَمّى يُدَبِّرُ الأمْرَ يُفَصِّلُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ}
فإذا كان الكاتب يؤمن بهذه الآيات التي لا تقبل التأويل، وهي آيات تنفي حدوث المصادفة داخل المجتمعات الإنسانية وفي الطبيعة نفياً قطعياً، فلماذا
ينتقد الماركسية إذ تحجم الماركسية عن إيلاء المصادفة عنايتها الكافية؟
هل نقده صادر عن منطق سليم؟!
أيصحُّ أن ينتقد المرءُ فكرةً عند الآخرين وهو مؤمنٌ بها؟
أيصحّ أنْ يعيّرَ الإنسان إنساناً آخر بما فيه؟
ماذا يُدعى الذي يدين الآخر بما هو به مُدان؟
وإنه لقريب من هذا قولُ الدؤليّ الذائع:
لا تنهَ عن خلق وتأتي مثله.....
وقول المسيح: " لماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك، وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها؟".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بلطجي الإسماعيلية-.. فيديو يُثير الجدل في #مصر.. ووزارة الد


.. جدل بشأن عدد قتلى الأطفال والنساء في قطاع غزة




.. أكسيوس: واشنطن أجرت محادثات غير مباشرة مع طهران لتجنب التصعي


.. مراسل الجزيرة: المقاومة تخوض معارك ضارية ضد قوات الاحتلال ال




.. جيش الاحتلال ينشر فيديو لمقاومين قاتلوا حتى الاستشهاد في جبا