الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صارت عندنا صفحات بيضاء

نارت اسماعيل

2011 / 2 / 20
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


هل الوطن هو الإنسان أم هو النهر والأرض والبيت العتيق?
هذا السؤال طرحه الصديق الحكيم البابلي عندما أرسل رسالة لمجموعة من الأصدقاء وأنا منهم وكانت الرسالة تحتوي على مقطع فيديو يظهر مشاهد من مسيرة مليونية لزيارة الأضرحة في النجف، مشاهد تجعلك تصاب باليأس والاحباط لما وصل إليه الإنسان العربي من تخلف وتعلق بقشور وشعائر دينية أصبحت مضحكة مبكية بدلآ من الانصراف إلى بناء حقيقي للوطن والمجتمع، كذلك استشهد زميلنا بأبيات للشاعر الكبير جبران خليل جبران:
لا السهل والوديان والجبل - وطني، ولا الأنهار والسبل
كلا، ولا الأطلال، بل وطني - الناس، وما قالوا وما فعلوا

تلك الرسالة أوحت لي في ذلك الوقت بكتابة مقالة كئيبة لم أنشرها في حينها لانشغالي بأمور خاصة، عبرت في تلك المقالة عن تشاؤمي ويأسي لما وصل إليه حالنا، وذكرت فيها أن الوطن لم يعد بالنسبة لي هو الناس والذين فقدت الأمل فيهم ولكن الوطن صار بالنسبة لي هو النهر والحجر والحارة القديمة فأنا عندما أذهب إلى وطني أحرص على زيارة أحياء دمشق القديمة ، ومشواري المفضل هو ذلك الطريق الضيق الذي يصل مقهى النوفرة خلف المسجد الأموي بباب توما، ومتعتي هي بمراقبة وجوه الناس وكذلك بقرائة الأسماء على أبواب البيوت وكيف تتحول تدريجيآ من أسماء اسلامية قرب المسجد الأموي إلى أسماء مسيحية كلما اقتربنا من باب توما
مشواري الآخر المفضل هو زيارة الجولان مسقط رأسي لأستمتع بالمناظر الخلابة خاصة تلك الصخور الجولانية المميزة والتي تنمو عليها الطحالب فتمنحها أشكالآ وألوانآ مميزة ورائعة، وكذلك الاستمتاع باللوحات البديعة التي تشكلها تجمعات المياه بعد هطول المطر، ومتعتي الكبيرة هي بقطف بعض الأعشاب البرية مثل الرشاد والحميض والخبيزة، وفي الصيف قطف ثمار التين البري عسلية المذاق
ما زالت تلك الصخور والأشجار معطاءة وهي تعطي ثمرها وتمنح ظلها لأي إنسان ولا تسأله عن دينه أو مذهبه، أما الناس فقد تغيروا وصرت غريبآ عنهم وصاروا غرباء عني ولم يعودوا يرحبوا بي مثلما ترحب بي تلك الصخور والأشجار ولوعرف هؤلاء الناس أفكاري وأحلامي لبصقوا علي
كتبت أيضآ في تلك المقالة عن هجرتي إلى خارج الوطن بحثآ عن وطن حقيقي، وطن يشعرني بقيمتي الانسانية ويعيد لي كرامتي المسلوبة
كم أنا سعيد لأنني لم أنشر تلك المقالة، أين كنت سأخفي وجهي لو نشرتها في حينها? فالأحداث التي هزت منطقتنا العربية قلبت كل الموازين، أعادت الثقة بالإنسان العربي وأثبتت أنه لم يمت بل كان ينتظر بصبر اللحظة المناسبة لينتفض مثل المارد بوجه حكامه الظالمين
نعم الوطن هو الناس وصدق جبران، أما أنا فقد كنت مخدوعآ متسرعآ قصير النظر
كم هو رائع أن ترى ثورة هؤلاء الشباب والشابات، كل سلاحهم هاتف محمول وفيس بوك وحناجر، لم يحملوا سيوفآ ولا خناجر
كم هو رائع أن تراهم يحملون أعلام وطنهم وشعارات تنادي بالحرية والكرامة ومحاربة الفساد وليس شعارات مستوردة من سكان الكهوف والمغاور ولا شعارات شيوخ الجهل
ما أجمل هؤلاء الشباب الذين هبوا في ساحة الحريقة بدمشق ليغيثوا رجلآ أهانه شرطي حتى اضطر وزير الداخلية أن يأتي بنفسه مسرعآ لاحتواء الموقف وتهدئة الناس وتنفيذ رغباتهم ومعاقبة الشرطي المسيء
انظروا إلى الهتافات التي كان هؤلاء الرجال يرددونها ( حرامية، حرامية ) و ( الشعب السوري ما بينذل ) لكي ندرك مدى وعي هؤلاء الرجال ومدى جاهزيتهم لاسترداد حقوقهم، لقد كانوا يشيرون بكل وضوح وشجاعة إلى الفساد المستشري وسرقة أموال الشعب وكذلك يشيرون إلى عزة نفسهم وشعورهم بكرامتهم واستعدادهم للدفاع عنها وعدم تحملهم بعد اليوم لهذا الوضع المخزي الذي يعيشون فيه
عاد زمن الثورات الرائعة وهذه المرة ليست ثورات على مستعمر أجنبي بل ثورات على مستعمر داخلي، وبعدها ستأتي مرحلة تنظيف البيت الداخلي ، سيرمي هؤلاء الشباب الرائعون بكل المشعوذين من شيوخ ودعاة جهل في القمامة هم وجلابيبهم ونقابهم الغبي وبقية مهازلهم لأنهم صاروا أحرارآ والإنسان الحر فقط وليس الإنسان المستعبد هو من يهتم بتنظيف بيته
سيكتب التاريخ عن هذه الثورات الرائعة
لم تعد كل صفحات تاريخنا سوداء، صارت عندنا نحن أيضآ صفحات بيضاء








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عزيزي السيد نارت اسماعيل المحترم
ليندا كبرييل ( 2011 / 2 / 21 - 02:50 )
من الجولان ؟ مبارك يا ابن الجولان الغالية التي سلموها ويقولون أننا منتصرون , يا أخي ، لو قدر لك أن تنشر تلك المقالة لكانت بالتأكيد خير معبّر عن أحاسيسك آنذاك التي هي مشاعرنا بنفس الوقت ، ولمَ لا نعبر عن حقيقة دواخلنا ؟ ولمَ الخجل ؟ نعم كنا نخجل من أنفسنا والآن نحن نرفع رؤوسنا عالياً , الذي يخفي وجهه فقط لا يحقّ له أن يفرح بهذه الزلزلة الشبابية الرائعة , كلامك يفتح النفس يا أخ نارت , نتمنى أن تكون أيادينا في أياديكم ونحن نهتف لأبناء الجولان ودمت بخير يا عزيزنا


2 - لا تحتفلوا .... إنتظروا إلى أن ينجلي الغبار
الحكيم البابلي ( 2011 / 2 / 21 - 04:17 )
عزيزي الأخ نارت
قد تكون هذه السنة سنة الثورات العربية
ثورة في تونس وأخرى في مصر ثم البحرين واليمن والأردن وسوريا والمغرب وليبيا ، وساحة التحرير في قلب بغداد تنتظر الخامس والعشرين من هذا الشهر ، والبقية تأتي ، وأول الغيث قطر كما يقول الشاعر
ولكن ...... على ساحة وميدان الحقيقة والواقع والتغيير وبحساب المحصلة ، فالشعوب الثائرة لم تُحقق شيئاً ملموساً ويُعتمد عليه لحد الأن ، ورغم أن قلبي مع الثوار أينما كانوا ، ولكني لن أرقص وأهزج وأتسرع في قطف الثمار إن لم تكن ناضجة
وأغلب المؤشرات لحد الأن تقول لنا بأن هذه الثورات البيضاء ستُجَيَر بإسم مسوخٍ جديدة لا علاقة لها بالثورة والثوار ، وهذا ما يحدث دائماً في بلداننا العربية المتخلفة سياسياً ودينياً وإجتماعياً وحضارياً .... وثورياً
لننتظر سنة على الأقل ، وبعدها نرى ونحكم على ما يحدث في ساحاتنا ومياديننا العربية
وكما يقول شاعر آخر
وسنرى إذا إنجلى الغبارُ ===== أفرسٌ تحتنا أم حمارُ
وكم أتمنى أن يكون تحتنا فرسٌ أصيل ، فقد سئمنا الحمير ، وبالذات ... المعممة
تحياتي


3 - ردود
نارت اسماعيل ( 2011 / 2 / 21 - 06:11 )
الأخت العزيزة ليندا: نعم أنا من الجولان ولكني عشت كل طفولتي وشبابي في دمشق، أشكرك على كلماتك ومشاعرك الوطنية والنبيلة وأرجو أن نجتمع على صحن فول أو حمص في باب توما في يوم من الأيام وعلى حسابي، تحياتي الصادقة لك

الأخ العزيز الحكيم البابلي: من أين تأتي بمثل هذه الأبيات الشعرية? أضحكني بيت الشعر الذي أوردته وأخشى أن يكون من تأليفك
بالحقيقة أنا متفائل بعكسك وربما سبب تفاؤلي هو لأنني مللت من التشاؤم
حسنآ لننتظر سنة ولنرى ماذا سيحدث والسنة تعتبر لا شيء في تاريخ الشعوب خاصة إذا عرفنا أن حكامنا يبقون في الحكم ثلاثين وأربعين سنة
شكرآ لك وتقبل تحياتي الحارة

اخر الافلام

.. غزة: انتعاش الآمال بالتوصل إلى هدنة في ظل حراك دبلوماسي مكثف


.. كتاب --من إسطنبول إلى حيفا -- : كيف غير خمسة إخوة وجه التاري




.. سوريا: بين صراع الفصائل المسلحة والتجاذبات الإقليمية.. ما مس


.. مراسلنا: قصف مدفعي إسرائيلي على بلدة علما الشعب جنوبي لبنان




.. القيادة الوسطى الأميركية: قواتنا اشتبكت ودمرت مسيرة تابعة لل