الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وداعا صديقي سلمان شمسة

فرات المحسن

2004 / 10 / 9
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


ذلك الشعور الثمل باكتساب صداقة جديدة يحمل ألقا بطعم مختلف .اسميه انتصار ، أسميه اكتساب .أسميه تجديد وقوة دفع أخرى ،لحظة مسكرة برونق أخر .هذا ما حدث لي حين حصلت على معرفة جديدة بصديق طيب كنت أسمع عنه سابقا وتردد أسمه في الأيام البعيدة لمدينة الكاظمية .طباع وسجايا طيبة كان يحملها ويفرش ورودها أمام محاوريه .ما خبأ يوما ما عن أصدقائه ومحبيه تلك الحرارة ودفء المشاعر. كان يسفح تواضعه بطيبة متناهية ودون حساب .

الحديث الأول جاء عبر زميلنا وصديقنا المشترك المرحوم الدكتور عبد اللطيف عباس أبو جناس .تحدث المرحوم أبو جناس وأفاض وما كانت ذاكرته عن الدكتور سلمان شمسة غير خزين يتغني بطباع وشيم ذلك الرجل الذي تفيض روحه بخلق جم وطبع متسامح وثقافة نيرة .حدثني أبو جناس عن الدكتور شمسة طويلا وكثيرا وكنت حينها أتملى وجه أبو جناس لأرى الدكتور أبو يوسف شمسة في ذلك الوجه السمح الأليف والمبتسم .تكون لدي انطباع غامر بأن أبو جناس ينقل لي باجتهاد نادر صفاته الشخصية ولذا قاطعته راجيا أن ندخل مباشرة في موضوع المطبوع الذي نشرف على تحريره وهو مجلة نادي 14 تموز العراقي وهل حصل من أعزائنا الكتاب والمثقفين مواد جديدة .سلمني أبو جناس ضمن ما سلمني رقم هاتف الدكتور سلمان شمسة والأيمايل كذلك .

بعدها وجهت للراحل الدكتور شمسة رسالة أرجوه فيها تزويد مجلتنا بموضوعة من بحوثه وكتاباته فأجابني سريعا.قرأت رسالته .ليست قصيرة ولكنها أفصحت لي دون مواربة عن طبع وسجايا ذلك الرجل .أيها الرب ما أطيبه وما مقدار أريحيته، ما مدى شعور المودة الفسيح الذي يجلل به رسالته وهو يرد على رسالتي التي ما حوت غير تحية بسيطة وكلمات دبلوماسية صماء .حدثت أبو جناس بالأمر فكان جوابه مقنعا وصارما

ــ لعد شحسبالك .. بعدك ما شفت شي من هذا الوردة .أنه سماحة النجف وعبق بخور الأمام.

تواترت الرسائل بيننا وتحدثنا لمرتين عبر الهاتف تخاصمنا بمودة حول موضوعة بحثه عن الجادرجي وغلبني بطبعه الهاديء العقلاني فحصل على رضاي وقناعتي الصعبتين.وجدت فيه ليس فقط الطيبة وإنما قوى خبيئة أخرى كنت أود أن أجدها في أصدقاء كثيرين .كان عذبا في كلماته ،رصينا جريئا في رأيه وتحليلاته.ولذا كنت سعيدا أيما سعادة بصداقته وشكرت الدكتور عبد اللطيف عباس على هذه المعرفة الجميلة.صديق جديد بذات اهتماماتي السياسية والثقافية .شخصية ذكية متفتحة ايجابية، سلس الكلمة دقيق التعبير. كان هذا يكفيني لأرفع من مميزات صحبتي لهذا الرجل الرصين والعلمي والودود.

أيام معدودات مضت بعد يوم القبض على جرذ العوجة المهزوم صدام الذي كان يوما مختلفا كليا عن سابقاته في الزمن الموحش. دار حديث أبناء الجالية فيه دون ترتيب أو وعي، سوى رشاش فرح يتألق مثل نجوم ساطعات في سماوات الكون. ونحن نتشظى فرحا ونتملى منظر الطاغية في مهانته. هذا ما كانت تحتاجه النفوس لتترع وقتها بالسعادة الغامرة.ليست غير أيام حين غلت في أرواحنا وحشة الفجيعة بفقدان صديقنا المشترك أبو جناس .عند حافة المنايا الموجعات بكينا سوية صديقنا الذي رحل فجأة دون كلمة وداع .أجهشنا بكلماتنا وعواطفنا ودموعنا وواسينا بعضنا بحزن شفيف.حكينا صداقتنا لرجل كانت روحه تحتدم بطيبة مثالية ، متصالبة بحب العراق وروانق ذكريات أزقته وضجيج ناسه.رحل أبو جناس وخيل لنا أن نعيب الغربان وحشرجة الموت لا تدع لنا فرحا مكتملا .

في مكان الجلوس نفسه، على ذات الكرسي عرفت بمرض صديقي وكان جواب رسالة استفساري عن صحته مفعمة بالأمل والشجاعة. رسالة أخرى حملت لي بعض الخوف رغم قوة شكيمة كلماتها وتحديها .غير أن كل ذلك لم يشفع لي أن أكون بكامل التفاؤل، فبكيت بحرقة المفجوع .ولكن رسالتي الأخيرة حملتها بالرغم مني مسحة القلق والخوف وأنهيتها .(متمنيا لكم الصحة والشفاء العاجل.)

اليوم خارت قواي الصلبة الصلدة أو بقاياها .لقد رحل عبق رائحة النجف وضلال منائرها .لقد ثلم فرحي بقسوة مرة أخرى. طعنت أمالي وأمنياتي في أن تكون هناك وقريبا عند شاطيء دجلة ،جلسة تجمع كل هؤلاء الذين عرفتهم وشاركتهم المواجع والشدائد والآمال والفرح والبكاء.حشد يطلق قهقهاته ليعتمرها قلب بغداد ويمسح بها ثقل تلك السنين العجاف.

رحل سلمان شمسة دون أن ألتقية .رحل عني بعيدا شذا الطيبة التي ملأتني بأريجها الفواح.

لك أيها الصاحب الودود سلامي وقبلة لجبينك .

وليتحلق أبناء العراق حول جسدك المسجى وهم ينشدون لعراقك الذي أملت وتمنيت.

ليرقد جسدك فوق السندس الأخضر ويطالعك الوطن ويتذكر صوت احتجاجك وصراخك العالي وأنت تقارع الظلم وتريد لأبناء وطنك فضاء من حب بسعة الكون.

لك حبي الدائم الذي صنعته كلماتك وطيبة قلبك وروحك الشجاعة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إغلاق مراكز التصويت في الانتخابات البريطانية| #عاجل


.. إيران.. تعرف على مواقف جليلي وبزشكيان في ملفات السياسة الخار




.. مقابلة خاصة مع نائب وزير الخارجية التركي ياسين أكرم سرم


.. أوضاع الشرق الأوسط وحرب غزة تحظى باهتمام كبير في قمة شانغهاي




.. نتنياهو بين ضغط عائلات المحتجزين وتهديدات ائتلافه اليميني