الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المنظور التنموي للدرس التونسي

عبدالله تركماني

2011 / 2 / 21
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


أثبتت ثورة الكرامة والحرية في تونس أنّ المسألة ذات التأثير البالغ على التنمية الشاملة تتمثل في عدم الفصل التعسفي بين السياسة والاقتصاد، إذ أنّ المقاربة التنموية طوال العهد البائد كانت تفتقد إلى مؤسسات ديمقراطية تمكّن المواطنين التونسيين من المشاركة في صياغة مستقبل وطنهم والمفاضلة، بحرية ووعي واستقلالية، بين الخيارات التنموية المتاحة وطرق ووسائل بلوغها، وبالتالي إجراء مفاضلة صحيحة بين الأعباء والمردودية المتوقعة لكل من هذه الخيارات. وكان من نتيجة ذلك تهميش الفقراء وعدم اعتبارهم جزءاً من اقتصاد السوق، حيث لم يجدوا حظهم لا في سوق العمالة، الذي يقع أغلبه تحت رقابة الدولة، ولا في إنشاء مشاريع خاصة بهم، وبذلك لم يكن بإمكانهم أن يصبحوا أعضاء منتجين في المجتمع.
وإذا كنا لا ندّعي أننا نعرف كل العوامل التي أدت إلى انفجار الثورة التونسية، بين الأزمة الاقتصادية - الاجتماعية وتداعياتها، وبين سياسات التهميش وإقصاء الشباب عن المشاركة في صنع القرار السياسي والوطني، وبين بطالة أصحاب الشهادات الجامعية، وبين غياب الحريات الديمقراطية، فمن المؤكد أنّ مشكلات الفقر والبطالة وقصور العقد الاجتماعي كانت البيئة الحاضنة للثورة.
لقد بقي الاقتصاد التونسي مكشوفاً على الخارج: أسعار الصادرات من الموارد الأولية تتقرر بعوامل نمو اقتصاديات الغير، السياحة كذلك، وموارد العاملين في الخارج أيضاً، والكفاية من الغذاء والدواء والكساء والسلع الضرورية والتكنولوجيا على النحو نفسه. وعندما تكون مصادر الاقتصاد على هذه الشاكلة، فعبثاً تتمكن المقاربات التنموية من حيازة فاعلية وجدارة للاقتصاديات الوطنية.
إنّ الانكشاف الاقتصادي التام على الخارج أدى إلى حالة من التنافسية غير العادلة مع الخارج على حساب القطاعات الإنتاجية التونسية الضعيفة، كما أدى إلى عجوز مالية كبيرة في الموازنات العامة جراء إلغاء الرسوم الجمركية أو خفضها، مع تسهيلات ضريبية واسعة لأصحاب الأعمال، وكذلك إلى اتساع الفجوة في توزيع الثروة وتزايد البطالة ومعدلات الفقر رغم معدلات النمو المرتفعة نسبياً. وغالبا ما اتسم هذا الانكشاف بشيوع الفساد والرشوة، وغياب الشفافية والمحاسبة.
لقد ضجر المواطن التونسي من انعدام المساواة بين مختلف الجهات التونسية، ومن تآكل قدرته على الحفاظ على مستوى معيشي معين، والتعرض للمضايقات والمعاملة السيئة من قبل المسؤولين المحليين، وحكايات الفساد المهول والثروة الضخمة في أوساط عائلة الرئيس المخلوع.
ومن جهة أخرى، يبدو أنّ الصورة الوردية للتنمية التونسية، التي حملتها لنا البيانات الرسمية و التقارير الدولية التي بنيت عليها، لم تكن مجرد صورة مشوهة للواقع نتيجة تزوير حكومي مدبر من طرف النظام السابق. مما يعني أنّ الثورة وقعت رغم التنمية النسبية التي تحققت في البلاد، خلال السنوات الماضية، أو أنها نتيجة هذه التنمية التي جعلت نظام حكم الفرد غير ملائم لما بلغه الشعب التونسي من تطور وحداثة في المجالات الاجتماعية والعلمية والاقتصادية والثقافية، وخاصة توسّع قاعدة الطبقة الوسطى.
لقد كشفت التجربة التونسية، خاصة محدودية نتائج المقاربة التنموية، أنّ القضية المركزية في التنمية هي المشاركة الشعبية، بما يعني تشجيع منابر الحوار وتبادل الأفكار والتعبير عنها بحرية، وإقامة قنوات مفتوحة بين المواطنين وسلطة الدولة، وإفساح المجال أمام المواطنين لتشكيل منظمات المجتمع المدني التطوعية لتأتي تعبيراً عن خيارات المجتمع. كما يقتضي تفعيل المشاركة الشعبية تكريس سيادة القانون العادل، وتوفير الآليات الفعالة التي يمكن للمواطنين من خلالها ممارسة حقوقهم التي ينص عليها دستور دولة الحق والقانون، وتمكين المواطنين من الحصول على المعلومات والبيانات الضرورية لفهم الواقع والتأثير فيه، وبذلك يمكن القول: إنّ الديمقراطية تمثل الإطار الذي يوفر أفضل الشروط للتنمية المستدامة.
ولكي ندرك عمق العلاقة بين التنمية والديمقراطية فإنه لابد أن نعي أهمية العنصر البشري في عملية التنمية، وإلى التأثير البالغ الذي تحدثه الديمقراطية لتطوير قدرات هذا العنصر وتفعيل دوره في عملية التنمية. فبقدر ما تتاح له الفرص لتطوير القدرات الكامنة فيه، وبقدر ما تتوفر له الحوافز لتوظيف هذه الطاقات في الأوجه الصحيحة المنتجة بقدر ما يتمكن من استخدام الموارد المتاحة لتحقيق تنمية حقيقية ذات أبعاد إنسانية. من هنا تأتي أهمية الديمقراطية، فهي بإفساحها في المجال أمام المواطنين للمشاركة في صنع القرار تمكّن من وضع الحاجات الإنسانية في مقدمة أولويات عملية التنمية، ولا حاجة إلى القول بأنّ تلبية هذه الحاجات من شأنها أن تعمل على تطوير قدرات المواطن وتوسيع الخيارات أمامه على نحو يساعده على تحقيق ذاته، وإطلاق طاقات الخلق والإبداع الكامنة فيه.
ولعلنا لا نغالي إذا قلنا، على ضوء الدرس التونسي، أنّ تحقيق التنمية وضمان استدامتها هو أمر متعذر بمعزل عن الديمقراطية، على أنّ عملية التنمية لا تتأثر بالديمقراطية فحسب، بل تؤثر فيها أيضاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ترقب نتائج الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية المبكرة..


.. مفاوضات الهدنة.. ضغوط متزايدة على نتنياهو لقبول الاتفاق




.. الناخبون الفرنسيون يصوتون في الجولة الثانية من الانتخابات ال


.. اعتراض صواريخ في سماء جبل ميرون أطلقت من لبنان




.. قوات الاحتلال تقصف مدرسة العائلة المقدسة في غزة