الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملك ملوك أفريقيا وشعبيته المزيفة

أنور العلي

2011 / 2 / 21
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


في خضم الأحداث التي تشهدها منطقتنا العربية والشرق الأوسط عموما، نرى عروشا تتساقط – ولا أقول تتهاوى – لأن انهيارها جاء أسرع مما كانت تتوقعه تنبؤات العرافين و حسابات جميع وكالات الاستخبارات العالمية وحتى الأنظمة نفسها، وكان من شبه المستحيل أن يتخيل المرء ما يجري اليوم، وكأن فاتحة العقد الجديد قد أضحت لعنة تلاحق زعماء، كانت لهم صولات وجولات من الخداع والكذب والنفاق، و طالما تحدثوا عن شعبيتهم (الزجاجية – من باب المجاز) بين الاوساط الاجتماعية لبلدانهم.

من المفهوم إن الشعبية تُكتسَب ولا تُفرض، لكننا كنا أمام حالة فريدة وواضحة وهي فرض الشعبية ومن ثم التبرير بأنها كانت مكتسبة. وجاءت عملية الفرض بشتى الوسائل، بما في ذلك التعسف والترهيب والترغيب ووسائل إعلامية لا تحمل رسالة انسانية تؤمن بها، بل يُحركها من نُصِّبَ على رأسها خدمة للـ (قائد أو الزعيم الأوحد) ولزبانيته (آسف لحاشيته).

تمادى مؤسسو تلك الأنظمة الشمولية حتى وصل الأمر بهم وكأنهم هم من وجدوا الشعوب وأكتشفوا البلدان وصنعوا أمجادها، لتبرز مفاهيم هي موجودة بالفعل كــ "السلطة" و "البلد" و "الشعب"، والتي من المفترض أن تكون مترابطة فيما بينها كعناصر أو مفردات مكونة لبنية واحدة متراصة، إذا سقط أحدها (سهواً أو عنوةً) فقدت الأخريات مضامينها.

فالحديث عما سلف ذكره يطول ويطول ويطول، لكن لنرى كيف تجسد ما قلناه في صورة جديدة من صور الحكم الشمولي الفاشل. ها هو ملك ملوك أفريقيا يستخف بشعبه وبدلا من التوجه المباشر إليه، يتوارى عن الانظار ويسمح لنجله بالتهديد والوعيد واللعب على أوتار ونغمات باتت لا تنطلي على جيل شبابي ثائر محب لوطنه الكبير ولأمته العظيمة، شعب يرى في الايديولوجية اليسارية ( بالطبع مع تطوير مفاهيمها للتماشى مع روح العصر الجديد) طريقا لابد منه للخلاص من أعباء فُرضت عليه وعلى شعب بأكمله.

نجد من خلال تحليل واقعي بسيط لكلمات سيف الاسلام القذافي تفكك تلك البنية (السلطة – البلد – الشعب "وبأي ترتيب آخر لهذه المفردات"). يؤكد القذافي الصغير بأن "الجيش بخير ويملك دورا اساسيا في حفظ النظام ووحدة البلاد، ودورا اساسيا لحسم الموضوع بأي ثمن وانه سسيقاتل حتى اخر رجل وطلقة وامرأة ولن يفرط بشبر من الاراضي الليبية". نعم حفظ النظام أولا، ومن ثم البلاد، وبكل تأكيد مستعد للتضحية بكل الشعب من أجل حفظ النظام، لأنه بدون هذا النظام لا قيمة للشعب، وكأن شعب ليبيا يفتقد الى الكوادر المؤهلة لقيادة ليبيا و لا توجد في وطن البطولات جماهير شبابية محصنة بالعلم وتحمل سلاح الايمان بقضايا الشعب. فعلى الشعب الاختيار ما بين مكرمة قذافية (مباركة) هي "اجراء مؤتمر وطني فوري لتعديل الدستور والقيام باصلاحات في الاعلام والمجتمع المدني وتنفيذ تنمية شاملة وغيرها وكذلك اعطاء صلاحيات اكبر للمحافظات مع حكم مركزي محدود في المسائل السيادية" أو "الاحتكام الى السلاح واراقة الدماء بعشرات الالاف من الضحايا". أجل، عليك الاختيار يا شعب ليبيا: أم الذلة من خلال الالتفاف على ثورتك المباركة أو الموت بالرصاص الحي للمرتزقة وبني القذاف، الذين لا يخطئون عند التصويب.

فالميزان هنا هو "من سيكون بمقدوره ادارة قطاع البترول؟"، إذا سقط النظام. هل سيديره "السكارى والحشاشون"؟. يالها من روعة، بالأمس كان الشعب هو "القلة"، واليوم أصبح الشعب "ثلة من السكارى والحشاشين" ، وياله من عمق فكري يتمتع به أحد قادة ليبيا، ويا لها من "متطلبات القيادة" التي يتمتع بها هؤلاء... لقد إنقلت الموازين حسب مفهوم سيف الاسلام لتصبح (النظام أولا – قطاع البترول ثانيا – السكارى والحشاشون ثالثا).

أين كنت أيها (الأخ القائد) على مدى 42 عاما من هؤلاء (السكارى والحشاشين)، وأين كان يا ملك ملوك أفريقيا، تصورت إنك بالقمع ستحجب نور الثورة الشبابية. كن واثقا بأن الجماهير لن تسمح بفوضى تعم ليبيا وليس (الاوروبيون والامريكيون) كما تقول. وهذا هو تأكيد على زيف "شعبيتك يا ملك ملوك أفريقيا" لأنه بدأت تتودد للأوروبيين والأمريكيين بالقدوم إلى ليبيا من أجل بقائك على سدة الحكم، لاعبا على وتر "الإسلاميين". لقد لعبها من قبلكم الرئيسان المخلوعان زين العابدين بن علي و حسني مبارك، فلم يفلحا.


على الصعيد نفسه، نرى سيناريو تونس ومصر يتكرر في ليبيا: تعتيم اعلامي ومنع وسائل الاعلام ، الحديث عن تشكيل "امارات اسلامية"، قمع المتظاهرين، لكن هذه المرة بالاسلحة الثقيلة والخفيفة وما شاءت النفس القذافية، والعودة الى العبارات الرنانة والطنانة "إن ليبيا ليست كمصر وتونس وان وضعها مختلف لانها متشكلة من قبائل وعشائر وتحالفات مما يهدد بانقسامها الى دويلات متفرقة يرجعها 70 عاما الى الوراء والى حرب اهلية نتيجة طبيعتها القبلية".

نعم، إنكم اليوم (أيها الأخوة) امام اختبار عسير وخطير وامام مفترق طرق، فشوارع بنغازي تجوبها دبابات على متنها "سكارى وحشاشون" ، وطرابلس إنضمت الى الثورة بجماهير الشعب "المنقاد لاسباب كثيرة وراء الاحتجات قد تكون من بينها الحماس والاندفاع وغيرها"، وإلى أين الملاذ وزلزال التغييرات الديمقرطية المطالبة بالحرية قادم لا محال، لاسيما ويقودة فتية آمنوا بالوطن والشعب، لا بملك ملوك أفريقيا، وأثبتوا إن شعبيته تتسع وسط "حفة من ذوي القبعات الصفراء والمرتزقة". و أين المفر والقنوات الفضائية والمواقع الألكترونية التي "لا تهمكم" تلاحقكم.

(حيا الله الأخ) معمر القذافي وهو يقود (المعركة) من طرابلس. قلْ لي يا (سيدي) معركتك (العادلة) مع مَن؟ ومن أجل ماذا؟ . أنت خاسرها، وأغرب اليوم قبل الغد، لكن لا تنسى خذ معك ذوي القبعات الصفراء وما لف لفيفهم كي تبقى تعيش على ذكرى (شعبية ملك ملوك أفريقيا)، وليبقى شعب ليبيا حرا الى الأبد بلا ذكراك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هجوم روسي عنيف على خاركيف.. فهل تصمد الدفاعات الأوكرانية؟ |


.. نزوح ودمار كبير جراء القصف الإسرائيلي على حي الزيتون وسط مدي




.. أبرز ما تناولته وسائل الإعلام الإسرائيلية في الساعات الأخيرة


.. الشرطة تعتقل طالبا مقعدا في المظاهرات الداعمة لفلسطين في جام




.. تساؤلات في إسرائيل حول قدرة نتنياهو الدبلوماسية بإقناع العال