الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحلم والسياسة والثورة في عهد التتار الجدد

فراس المصري

2011 / 2 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


في البدء كان الحلم وكانت الفكرة ثم إذا وجدت الهمة والإرادة أتبع ذلك القول والعمل, وقد تنبثق ينابيع الحكمة والخير. لأنه هكذا خلق الله الإنسان في أحسن تقويم ليصنع سعادة ورخاءاً لنفسه ولمن حوله, ولينشأ حضارة وليبدع ثقافة وفنوناً مختلفاً ألوانها.
والسياسة ما السياسة-في حقيقتها- سوى حلم ورغبة بحياة وظروف أفضل لمجموعة من الناس أو للناس كافة أو للشجر والنهر والحجر, ومن ثم الاجتماع على العمل والنشاط من أجل ذلك. ولا يصدفنك فساد السياسيين وانحرافهم في أوضاع يسود فيها الاستبداد والتخلف عن الاهتمام بالسياسة أي بالبشر والحياة في نشاط مدني خلاق لخير الحاضر والمستقبل. والأنبياء والمصلحون ما كانوا إلا سياسيين أو نشطاء مجتمع مدني بالتعبير المعاصر لأن نشاطهم إنما يتجاوز ذواتهم ويسري بأثره إلى العموم لتغيير الأنفس والسلوك والأوضاع.
ولكن الحاكم المستبد لا يطيق أن يحلم الناس ولا أن يفكروا خارج الإطار المحدد, ولا أن يشرعوا بعمل يتعدى أنفسهم واهتماماتهم الشخصية الضيقة لئلا يكون ذلك فاتحةً لظواهر تتحدى استبداد وفساد الحاكم الفرد وحاشيته. لذا يعمد هذا الحاكم إلى تحويل الوطن إلى سجن واسع وإرهاب الناس وتخويفهم ومعاقبة من يجرؤ على التفكير السليم أويحلم بالحرية والكرامة. بل يعمد إلى ارتكاب المجازر والفظائع حتى لا تقوم للناس قائمة.
وهذا تماماً ما ينطبق على سوريا التي تسلطت عليها فئة حاكمة أهلكت الحرث والنسل وأخذت تسوم شعبها سوء العذاب وصار حلم الإنسان فيها هو الخلاص الفردي وليذهب الوطن إلى الجحيم أو هكذا أراد وتمنى لها هذا الحاكم أن تكون. وحين بدأت تظهر من بين الرماد بوادر حلم جميل بالمستقبل من شباب مدونين بريعان الصبا فقد الحاكم وأجهزته الأمنية صوابهم, وأخذوا يلقونهم في غياهب السجون الواحد تلو الآخر في مجزرة حقيقية لبراعم الحلم والفكر.
ولقد كان شعب سوريا معروفاً بإبائه واستقلالية مثقفيه وحراكه السياسي والثوري حتى عندما كان الاستعمار الفرنسي جاسماً على الصدور, ولكن العهد الحالي بآليات الرعب والمجازر التى ارتكبها في الثمانينات وبالمجازر المستمرة في أقبية المخابرات داس على أشواق الناس وآمالهم وتطلعاتهم في وطن كريم وحياة عزيزة. ولا نجد وصفاً أقرب إلى هذا العهد من وصفه بأنه عهد التتار الجدد. فلم يمر على بلاد الشام في التاريخ من الفظائع التي تشيب لهولها الولدان مثلما حدث حين اجتاحت جحافل التتار المدن السورية وخاصة دمشق, فجاسوا خلال الديار وجعلوا أعزة أهلها أذلة وأذاقوا الناس صنوف الخوف والهوان لدرجة أن ابن الأثير ينقل أن رجلاً من التتار دخل درباً فيه مائة رجل، فما زال يقتلهم واحداً واحداً حتى أفناهم ولم يمد أحد يده إليه بسوء. وأن آخر من التتار أخذ رجلا ولم يكن مع التتري ما يقتله به فقال له: ضع رأسك على الأرض ولا تبرح، فوضع رأسه على الأرض حتى جاء التتري بسيف وقتله به.
ورحل التتار القدماء عن دمشق وهم يجرون أذيال الخيبة, ونهضت دمشق من جديد عروس المدن وموئل الإيمان والثقافة والفكر. ويخطأ التتار الجدد إن ظنوا أنهم مانعتهم حصونهم, وأن الشعب السجين توقف عن الحلم بضوء الحرية, بل إنه لن يألو وسعاً للثورة عندما تسنح الفرصة.
فرياح الحرية والثورة هبت على المنطقة العربية ومنطق الثورة قد تبنته الشعوب فلا مكان اليوم لمنطق الإصلاح المتدرج بعد أن رفضه نظام التتار الجدد لسنوات بل وعقوداً عديدة.
ويسألونك عن الثورة أيَان مرساها؟ قل عسى أن تكون قريباً, فقد عودتنا الشعوب في حراكها أن تسبق النخبة المثقفة, وأن تتجاوز في سقف طموحها سياسيي المعارضة. ويقولون أضغاث أحلام...بل هو قول شاعر, ولسوف يعلمون.
د. فراس المصري
أكاديمي سوري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البيت الأبيض: واشنطن لم تتسلم خطة إسرائيلية شاملة تتعلق بعمل


.. اتفاق الرياض وواشنطن يواجه تعنتا إسرائيليا




.. إسرائيل وحماس تتبادلان الاتهامات بشأن تعطيل التوصل إلى اتفاق


.. خطة نتياهو لتحالف عربي يدير القطاع




.. عناصر من القسام يخوضون اشتباكات في منزل محاصر بدير الغصون في