الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-الحَبَّة والبَارُودْ مِنْ دَارْ القَايْدْ-

كريم الصامتي

2011 / 2 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


تتقطار علينا هذه الأيام كثير من الأسئلة المتعلقة بما يحدث في العالم العربي من انتفاضات واحتجاجات، ما كُنَّا لِنَخَال يوما حدوثها بهذه الحِدَّة والسرعة. هل فعلا كان موت البوعزيزي بمثابة النقطة التي أفاضت الكأس، ألم يمُت قبل البوعزيزي مئات ومئات المناضلين في العالم العربي ضد القهر والظلم وطغيان الحكام العرب ضد شعوبهم؟ ألم تفنى عظام عدد ليس بقليل من المواطنين العرب في أقبية السجون والمحتشدات؟ بل ألم يقم بعض الحكام العرب بقمع سافر وإبادة ممنهجة للمناطق والجهات والإثنيات التي لم تقدم فروض الولاء لحكمهم الجائر؟ فلماذا بالذات الآن تنتشر عدوى الانتفاضات في كل ربوع الوطن العربي تسري كالنار في الهشيم؟ ألا يحق لنا أن نتسائل عن كون ما يحصل هو مخطط من مخططات الآلة السياسية "الصهيوأمريكية"، التي تعي أكثر من غيرها ضرورة تغيير كراكيزها الحاكمة في الدول العربية والإسلامية، قبل أن تنفلت الأمور من يدها مما يصعب معه وضع اليد على المقود؟ ألم نطالع التقارير في غير ما موقع من مواقع التفكيكات والقراءات التي يقوم بها خبراء غربيين مختصين في تتبع كل صغيرة وكبيرة في ذهن أو في معيش الإنسان العربي. مما يُمكِّن بلدانهم من أن تكون سباقة إلى احتواء كل انفلات أو تغيير جدي داخل هذه الدول غير مخطط له ومفاجئ يمكن أن يعصف بمصالحها و يبعدها عن قيادة هذه الدول.
فمن العادي جدا للمتتبع للسياسات الامريكية والغربية تجاه بلدان العالم العربي والإسلامي عموما أن يشك في كل ما يحدث اليوم. الشعوب العربية عبرت عن أنها يمكنها أن تغضب ويمكنها أن تتثور وأن لديها العزة والكرامة والرغبة، وأنه يجري في عروقها الدم العربي الساخن كالصحراء. هذا الأمر هو ما وعته أمريكا ووجدت فيه ضالتها، ففي الوقت الذي كانت تخسر فيه المال والعتاد والأرواح من أجل إسقاط نظام ما، وتجد نفسها في الأخير قد أضاعت أكثر مما ربحت، أو تكتشف أنها نصبت لنفسها كمينا لا تستطيع الانفكاك منه، كما حدث لها في العراق وأفغانستان، وأنها مضطرة لتقديم المزيد من الخسائر وتحمل تبعاتها الداخلية والخارجية.
هذه التكلفة الباهضة الثمن لم تعد نافعة، والبديل الجديد هو تثوير الشعوب ضد حكوماتها الفاسدة، التي انتهت مدة عُقْدتها مع أمريكا ولم تعد قادرة على أن تكون بهيمة شغل. وبدل التدخل المباشر للإطاحة بحكام هذه الدول، والتدخل الواضح لتبديل وجوه الأنظمة، وهو أمر لم تنجح فيه أمريكا، إذ وجدت ممانعة كبيرة من طرف هذه الشعوب، التي لم تعد تثق في أمريكا ولا في خطاباتها وشعارتها الداعية إلى حماية الديمقراطية ورعاية حقوق الإنسان. فآخر ما يمكن أن يفكر فيه المعسكر الأمريكي والغربي هو تحقيق الديمقراطية والاستقرار السياسي داخل الوطن العربي والإسلامي. إذن فقد استرشدت إلى هذه الوصفة العجيبة والمجانية، فمن جهة ستشعر الشعوب العربية بأنها قامت بالتغيير بنفسها، وبالتالي سوف تعيش فترة هدوء إلى أن تكتشف بعد سبات طويل مَكْمَنَ الخدعة. ومن جهة أخرى سوف تطفئ موجة الغضب المتزايدة ضد أمريكا وإسرائيل باعتبارهما المدافعين عن جور الحكام العرب وفسادهم. إذن اللوبي "الصهيوأمريكي" يعي جيدا ما يفعل وقد وضع البدائل اللائقة، وهو الآن يحاول تنزيل ما اعتصر في فكر العقل المخباراتي للبيت الأبيض. ويصدق المثل المغربي في توصيف هذا المخطط "الحَبَّة والبَارُود مِنْ دَار القَايْد".
والأمر واضح جدا، فهل حقيقةً سوف يحدث تغيير جدري وشامل داخل البلدان العربية والإسلامية، أليست أذيال الأنظمة العربية المخلوعة حية دائما تخيط ألبسة جديدة على مقاس هذه الانتفاضات. أليست "الماكينة" العسكرية التي استحكمت بالهندسة السياسية العامة لهذه البلدان، والتي خبرت كيفية إخماد غضب الجماهير، وتنفيذ الانقلابات على من لا ينصاع لإدارتها أو يعصي لها أمرا، وتمرست على عملية التعاون السري والمعلن مع أمريكا لتنفيذ أهدافها وقمع الأنظمة التي لم لا تتماشى وسياستها، أليست هي هي.
نعث ما يحدث في العالم العربي الآن من انتفاضات بــ"الثورة" هو، توصيف مهتز ، وقياس غير مضبوط، فالثورة دائما وعبر محطات التاريخ الإنساسي، كان تستهدف إجتثات الأنظمة الفاسدة وحوارييها، وتتوخى أساسا التغيير الجذري، لا يشمل فقط الحكومات والوجوه، بل إحداث قطيعة بشكل أو بآخر مع النمط الفكري و الإديولوجي للنظام السائد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القصف الإسرائيلي يجبر سكان أحياء شرق رفح على النزوح نحو وسط


.. عرض عسكري في العاصمة الروسية موسكو بمناسبة يوم النصر على ألم




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات بعد عودة وفد التفاوض الإسرائ


.. مستوطنون يغلقون طريقا بالحجارة لمنع مرور شاحنات المساعدات إل




.. مراسل الجزيرة: جيش الاحتلال يواصل السيطرة على معبر رفح لليوم