الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حين روى عطش توفيق عطشي

زياد خداش

2004 / 10 / 10
الادب والفن


تأملات في فلم لذيذ ومؤلم

لم اذهب الى سينما القصبة في رام الله لحضور فلم العطش لتوفيق ابو وائل مدفوعا برغبة مشاهدة فليم شهير حاز على جوائز عالمية ، فلم اعد اسقط كعادتي منذ زمن في مصيدة الا عجاب بالفليم الفائز بجوائز عالمية ، لمجرد كونه فاز بهذه الجوائز ، صار الموضوع معكوسا بالنسبة لي ، صرت اتعمد حضور افلام غير شهيرة ، بمعنى غير منظر لها وغير محتفى بها ، علني اثبت لنفسي نظرية دور موضوع الفلم و الاعلام والسياسة والمال ، في انجاح افلام معينة ، لم يثبت نضجها ، يقترب الموضوع من موضوعة اعجابنا وتلهفنا الكبير على اعمال ادباء حصلوا لتوهم على نوبل ، وكأن نوبل صارت بوصلة للرديء والجيد ، في حين نهمل هذه الاعمال قبل فوزها ،
هذه المرة اختلف الدافع ، ذهبت الى عطش وائل بدافع رؤية عمل مختلف قال عنه صديقي المبدع صبحي الزبيدي انه عمل خارج عن التصورات اليابسة ، ولاني اثق برؤية صبحي وابداعه وطريقته في التفكير ولاني اعرفه جيدا فهو ابن مخيمي ذهبت الى العطش باحثا عن الارتواء ، بعد ان مللت الزعيق والشعارات ، والاساليب نفسها في تصوير عذابنا وحصارنا ، ذهبت لنرانا من الداخل ، نحن الذين نخفي عارنا وقبحنا وتفاهاتنا ، نحن الذين نتحمل قسطا كبيرا من هزيمتنا القومية ، بسبب تخلف تفكيرنا ، وجبن روحنا ، لم نر جنودا في الفلم ، يركضون خلف اطفال ، لم نر هتافات وحجارة ، راينا الحجارة التي حطم بها الاب ماسورته ، رغبة في ان يقتله ابنه ، لم نر احتلالا ، راينا صراخ الزوجة على ابنتها الهاربة حطمتني هذه الصيحات ، وأسالت دمعي في ظلام القصبة ، تخيلت هذه المرأة العربية الفلاحة وكأنها تنادي على العدالة ، والقوة والجمال ، الغائبين في غياهب عفننا الداخلي ، لم نر انفسنا ، بنفس تلك الرؤي القديمة ، وزوايا النظر المكرورة ، راينا احتلال التخلف لجسمنا ودمنا وعظمنا ، وراينا كيف يعيق هذا التخلف مجرى حياتنا ويحولها الى هامش وجنون وعذاب وفقر روحي فظيع ، لم يقل عطش وائل ابو توفيق ما اراد قله بثرثرة او تحريض ، قاله بصور وملامح وجوه صامتة غالبا ،
قاله بذكاء وتقشف وايحاءات غاية في الجمال ، فحين قطع الاب اعناق الطيور امام ولده المرتبك ، قرانا في ملامح ولده الاستنكار الصامت والخوف المحبوس غير القادر على الافصاح عن نفسه ، زرقاوي الطيور هذا الاب المسكين ، يقطع رقاب الطيور ، بشجاعة كبيرة ودون ان يرمش له جفن ، في الوقت الذي لا يستطيع ان يواجه فيه كلام واشاعات سكان القرية التي هرب منها ، كان للمكان الذي جرى احداث الفليم فيه او عليه ، طاقة كبيرة ، على البوح و الكلام الصامت ، والافصاح عن واقع مرير انساني ، وعن هزيمة نهائية وسحق كامل ، الجبل فلسطيني مصادر بدا وكأنه استسلم للواقع وصار قانعا بالاتي المرعب وشاهدا صامتا على موت مستمر ، وكرامة مدفونة تماما مثل الاب المنكوب بفقدان ارضه وفقدان عقله وشجاعته ، وضميره ، كان يعكس بملامحه الخشنة والعدوانية المهزومة والتشوه الذهني والنفسي الداخلي المستفحل منذ زمن طويل عبر اجيال عديدة ضياع هذه الامة ، في متاهات امراضها وقيمها البلاستيكية . بين مقصلتين داميتين ، عاش الاب المجنون ، الضحية الجميلة والقبيحة مع عائلته التي لا حول ولا قوة لها ،، طيلة احداث الفلم ، الجنود من جهة والقرية من جهة ، لكنه كان يفضل ان يموت ويطرد مرة اخرى ، من جبله المصادر والمحرم عليه الى جبل اخر ، على ان يعود الى قريته ، التي تنتظره بسكاكين الفضيحة المجلجلة ، جنود الاحتلال لم يذلوا ا العائلة في حياة تشبه حياة الحيوانات كان لديهم قريه يعيشون فيها بكرامة ، صحيح انهم يعيشون حياة ذل بالمعنى القومي العام ، ولكن الاب اذل عائلته واذل نفسه بنفسه ، هربا من فضيحة ، وكلام ناس لا ينتهي ، حسنا فعل وائل حين ورط الاب والعائلة في مهنة تبدو وكأنها معادل موضوعي للذل والتشوه والعار والعذاب ، صناعة الفحم ، حيث النار المشتعلة دائما ، والوجوه الملوثة بالسواد ، والملابس المتسخة ، انه الذل والعار في اوضح صورهما ، اما الماسورة فكانت محاولة من الاب لرتق هذا العار بحديد محصن من التمزق ، وهو لم يعرف ان كلام القرية يهدر في جوف المسورة كما يهدر في اعماقه ، تماما ،
لا استطع ان اصدق ان الممثلين في الفلم ، هم ممثلون ، لا يمكن ان اصدق ذلك ، بالتاكيد هم ابطال الحكاية نفسها تجسس وائل عليهم دون ان يدروا ، بكاميراته الخفية ، التي زرعها سرا اثناء غياب مؤقت للعائلة ، زرعها في سطوح الغرف وتحت حجارة الجبل ، وفوق اغصان الشجر المجاور ، و وفي داخل اكوام الفحم المشتعل ،
لا ادري لماذا احسست اني اشاهد تقلصات وجه امي وحيرتها والمها المقهور ، حين كانت تتوسل للاب بان يفرح بناته قليلا على العيد ، او حين كانت تبكي وهي تحاول ان تدخل كأس ماء لابنتها المحبوسة ، الاب كان يجب ان يموت ، هو كان يعرف ذلك ، كان يعرف انه قاس جدا ومجنون وجبان ، اختار الاب ميتة جميلة ودافئة ، ميتة بسيطة وسريعة ، على يد ابنه الذي كان يحرس الماسورة ، عاقب الاب نفسه بموت عبثي وغريب ، وكأنه كان يقول ، ان اموت على يد ابني افضل ان اموت على يد قريتي ، لكنه لا يعرف في لاوعيه ان القرية بنهجها وقدمها ويباس روحها هي التي قتلته ، القرية التي يحمل هويتها ورائحتها ، والتي كان يمكن ان يكون احد مطلقي ومجرمي الاشاعات فيها لو حدثت الواقعة مع شخص اخر،
كلنا نحمل قرانا في داخلنا ، قرانا المجرمة والمسكينة ، المتورطة في ضيق الافق والذهن والروح ، وهي لا تدري ،
لم اخرج من الفليم مرتويا كما توقعت ، زاد عطش توفيق عطشي للتغيير ، ورفض القبح ، لكني ارتويت من عطش فني كان يأكلني كلما شاهدت فلما تقليديا ، يكرس الجفاف ، ويعمق الاكاذيب ،
عزيزي توفيق :
اريد ان ابوح لك بسر ، ارجوك لا تفشيه احد ، لقد صادفت جميلة الهاربة مختبئة في زقاق مخيمي مساء هذا اليوم اثناء عودتي الى البيت ، كانت حزينة جدا وخائفة ، وحين سالتها الن تعودي الى البيت ؟؟، فالدنيا برد هذا المساء فالعائلة بانتظارك وامك خائفة عليك ، اجابتني مصعوقة : من انت ؟ من انت ؟؟ لم استطع ان اجيبها ، فهربت من امامها مبتعدا وضائعا في ليل رام الله القتيل ، هي لا تعرف بموضوع الكاميرات السرية ، لا تعرف ، وانا لم ارد ان افشي سرك ،
توفيق :

كم احبك ، كم احبك ايها الفلسطيني الجميل ،
لانك تجسست بامانة وصدق ووفاء على فضائحنا ، كشفت مستورنا ، وأريتنا بشاعتنا ، كم نحن بحاجة للتحديق في مرايا داخلنا ، علنا نخجل ، قليلا ، فقط لو نخجل قليلا ، لا اكثر ولا اقل ،








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تايسون وداليا البحيرى وخالد عليش يحتفلون بالعرض الخاص لفيلم


.. إلى أي مدى ساهمت السرقات الفكرية في نهضة الصين التكنولوجية؟




.. السيناريست وائل حمدى: تجربة فيلم 6 أيام صادقة ومالك مجتهد وآ


.. وزارة الثقافة تكشف تفاصيل إطلاق مبادرة -المليون كتاب- من معر




.. الفنان السوري جمال سليمان من الطائرة المتجهة إلى دمشق: والله