الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل سيهل ربيع بغداد في 25 شباط؟

كامل كاظم العضاض

2011 / 2 / 22
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


في ربيع عام 2003، تم إحتلال بغداد من قبل أمريكا وحلفائها، وأُزيح الطاغية، فتهللت البشائر، ولكن ما لبثت بغداد حتى تعرضت للغدر والخديعة، فإستبيحت وسُرقت ودُمّرت معالمها ونهبت كنوزها ورُوّع أهلها، وتكاثرت عليها السكاكين والمحن، من إرهاب منظم، سُمح له ان يفد من جحور وكهوف ومرابض في دول مجاورة وغير مجاورة، الى نهب ودمار، موّجه خارجيا ومحليا. وبغداد حينما تُمتحن، يُمتخن معها العراق كله، فالمحافظات الأخرى تردد صدى الآلام في بغداد، وربما بشجن مكبوت. وبدلا عن أن يقيم الحلفاء المحتلون عراقا ديمقراطيا، كما كانوا يدّعون، يقوم على مبادئ الحرية والمواطنة وتكافؤ الفرص، اقاموا نظاما تحاصصيا يقوم على تقسيمات طائفية/مذهبية وعرقية، وسلّموا ما يسمى بمجلس الحكم الى قوى إسلاموية طائفية، وفرضوا تقسيما عرقيا، بفصل الشمال عن الجنوب، وعملوا على ترويج نغمة الفدراليات، بل وضمّنوها في دستور، كُتب تحت تاثيرهم، وبهمة خبراء أمريكان لهم نزعة صهيونية، مما شجع قادة الأحزاب الشيعية، ويأتي في مقدمتهم عبد العزيز الحكيم، رئيس المجلس الأعلى الإسلامي، المتربي والممول إيرانيا، على الدعوة الى فدرالية الوسط والجنوب، بنفس مواصفات وصلاحيات فدرالية الشمال، كردستان، بل وبلغ الحماس بكثير ممن حملتهم الدبابات الإمريكية وجاءت بهم معها، الى الدعوة الى فدراليات لبقية المحافظات، وخصوصا للبصرة والأنبار، بدلا عن الدعوة الى لامركزية حصيفة، وهكذا تناوشت السكاكين، أو حاولت، جسد العراق التأريخي، مهبط الحضارات الإنسانية الأولى ومعلّم البشرية خط الحرف وصناعة الحياة. لم يدرك النهّاشون عمق العراق ولا سر وحدته التأريخية والثقافية، ولا تكامل طوبوغرافيتة وجيلوجية أرضه، كما لم يفقهوا الفرق ما بين الإنتقام والإنتصاف للحق، ولا ما بين مصالح آنية، ومصالح أجيال قادمة، لها وحدها سيبقى العراق.
ومنذ ثماني سنوات مرّة، هيمنت ولا تزال تهيمن القوى الأسلامية والعرقية، واخرى تدعي العلمانية، وكلها حليفة للمحتل الأمريكي، على دفة الحكم، بموجب قوانين إنتخابية مفصّلة على مقاساتها، ووفقا لدستور كُتب بطريقة كيدية غامضة، ليصير أداةً طائعة بيد المتحكمين بالسلطة من هذه القوى الطائفية والعرقية. منذ ثمان سنوات، وهو زمن يكفي لولادة جيل بكامله، تدهورت أوضاع البلاد والعباد، وراح مئات الألوف من الشهداء، وخلّف الإرهاب والموت، وحروب الطوائف والإغتيالات والتفجيرات وغيرها من النواسف، بضعة ملايين من الأيتام والأرامل، كما تفشت البطالة، لتشمل ربع القوة العاملة، خصوصا من جيل الشباب، وعمّ الفقر المدقع 23% من السكان! رغم إنفاق عشرات المليارات من الدولارات سنويا. أما الفساد والنهب وإستمكان ذوي الشهوات الفاسدين وغير الأكفاء، ومزوري الشهادات، وهم، في معظمهم، من أنصاف الأميين، او من المتخرجين من مدارس الملالي في قم والنجف وغيرهما، فقد ضرب أطنابه وبشكل غير مسبوق بتأريخ العراق كله. وتربّع على سدة الحكم السيد نوري المالكي، زعيم حزب الدعوة الحالي، (تنظيم العراق)، لسبع ٍ من هذه السنوات، حتى الآن، ويتطلع الى الإستمرار بحكمه لأربع او ثلاث سنوات أخرى، فلماذا كل هذا؟؟ وإذا كان الدكتور كاظم حبيب في مقاله اليوم، 20 شباط، في موقع الأخبار، قد حدد عشرة أسباب لقيام يوم الغضب الآتي في يوم 25 الجاري، في بغداد، وقد نزيد عليها، من أجل هزّ النظام ولإعادة بنائه على أسس ديمقراطية حقيقية وليست مشوّهه، ومن أجل ترحيل العاجزين والفاسدين، ولإعادة الإنتخابات، وللمجيء بحكومة وطنية كفوءة، ومؤسسات ديمقراطية حقيقية، ولتعديل الدستور والقوانين الإنتخابية الملفقة، عبر إنتخابات شفافة، سيكون عمادها الشباب الواعي الذي يطوف الشوارع هذه الأسابيع، متظاهرا ومتداعيا، لاسيما وأن ثورات الياسمين في تونس والنيل، (اللوتس)، في مصر، والغليان الشعبي في ليبيا والجزائر واليمن، وحتى البحرين، قد اسقطت إشعاعاتها على شعب عراقي، هو ثوري بطبعه، ولكنه قد يكون خشنا أو عنيفا بسبب إنسحاقه المرير. إلا أن الثوار في تونس ومصر، قد أفاؤا بنمط جديد من الثورات الشعبية المسؤولة والناضجة والحضارية، الى درجة أن بعض قادة الغرب صاروا ينادون بتعليم دروسها في مدارس بلدانهم. وحين نتابع اليوم ما يكتب العراقيون على صفحات الفيس بوك أو من خلال مقالات الكتاب الديمقراطيين العراقيين، نستشعر بولادة عقل ثوري نيّر، جديد، إستوعب الدروس، جيل يتمسك بالحرية، ويريد ترسيخ الديمقراطية، ولكنه يريدها أن تكون بمحتوى إجتماعي، يضمن المساواة وتكافؤ الفرص، وتثبيت مبدأ المواطنة، لا الطائفة، ولضمان العدالة الإجتماعية، ولإرساء حق العراقيين في الإنتفاع من مواردهم، بصورة عادلة، ولضمان حياتهم ضد العوز والفقر والبطالة، وكل ذلك ضمن إطار دولة ديمقراطية علمانية، لا طائفية ولا دينية، تتكون من حكومة يؤلفها وطنيون أكفاء، وبرلمان يشكله نواب حقيقيون، يمثلون فعلا نبض الناس، ومنتخبون مباشرة على أساس صدقيتهم وكفائتهم الشخصية، وليس على أساس القائمة التي يسجلون فيها، أي أن تقوم الإنتخابات على أساس، "صوت واحد لممثل واحد"، وهذا هو المبدأ الصحيح للتصويت، وليس أسلوب القائمة التلفيقي.
فالدعوة السارية الآن هي للتداعي الى يوم غضب حقيقي في 25 شباط الحالي، هي دعوة لكل العراقيين، بدون إستتثناء، بيد أن الشباب الذي أفقدوه أحلامه وتطلعاته، وعطّلوا طاقاته، ورموه في الشوارع عاطلا، سيكون هو سعير هذا الغضب، ولكن هذه المرة بروية وتعقل، وبدون عنف وتخريب، كيف يخرب أحدٌ بلاده التي يريد أن يبنيها؟ وسيتذكر ويستذكر الجميع بان العراق هو ليس ملكا لنوري المالكي ولا لرهطه او لشركائه من المتحاصصين، الذين أمضوا، منذ الإنتخابات العامة الماضية، سنة كاملة تقريبا، وهم يتساومون على المناصب والضياع، ولم يلتفت أحدٌ منهم لحال الناس، ولا حتى لمن ركض من أجلهم وصوت لهم.
ولهذا ومن أجل هذا، توجب أن يقول الناس كلمتهم، حرةً عالية وجهورة وواضحة هذه المرة، ناطقة بمطالبها المحددة، لإعاد بناء العراق ولإصلاح العملية السياسية الديمقراطية، ولإزالة كل التشويهات عنها، والدعوة لإنتخابات عامة جديدة بأقرب فرصة ممكنة، ولمحاسبة الفاسدين واللصوص، ولتقديم الخدمات العامة والأمن والكهرباء، و الصحة والتعليم. وبالنظر لعدم كفاءة الحكومة التي يديرها المالكي منذ سبع سنوات، كما رسمتها صور الموت والجوع والتخلف والفساد وركامات المزابل، ومساكن القصدير، وغيرها من صور العدم، خلال تلك السنوات، فالجماهير ستكون محقة بالمطالبة بإستقالة المالكي وحكومته، وبتعيين حكومة مؤقتة من تكنوقراط أكفاء ووطنيين، لا يدينون بالولاء سوى لشعبهم ولحرفيتهم النزيهة، ليقوموا بتنفيذ كل الإصلاحات آنفة الذكر، مثل التحضير لإنتخابات عامة جديدة بقوانين ديمقراطية جديدة، للأحزاب وللإنتخابات، على أساس الدوائر والمناطق، وعلى أساس صوت واحد لممثل واحد، بغض النظر عن قائمة المرشح. أما إصلاح الدستور وتعديله، فيجب أن يوكل الى نخبة من المتخصصين القانونيين الديمقراطيين، على أن يُقر لاحقا في إستفتاء شعبي، يتزامن مع الإنتخابات العامة القادمة، بعد فترة إنتقال قصيرة نسبيا. نعتقد إن هذه المطالب الأساسية هي التي يجب أن يدعوا لها الشعب العراقي، وليس الشعارات الكيدية التي قد تطرح من قبل بعض فلول النظام السابق لإلغاء العملية السياسية، أي لإعادة الديكتاتورية، فالمطلوب هو إصلاح النظام السياسي، وليس إسقاطه. كما لا يمكن تجريم كل من شارك في حكومة المالكي، ولا، ربما، حتى المالكي نفسه، فذلك أمر متروك للقضاء، إذ إن ما حلّ في العراق من خراب وتقهقر، يعود في جانب مهم منه، ببساطة، الى جهل وعدم كفاءة حكومة المالكي، وهو يتحمل بالطبع مسؤولية فشلها على مدى السنوات السبع الماضية. والمالكي الى جانب ذلك كثيرا ما بدى قليل التدبير، يضطر للتنازل عن ثوابت في سبيل تشبثه المعيب بالسلطة، أما غير ذلك من تهم، فهي ستكون متروكة للقضاء، إن قامت على لوائح إتهام مسنودة. هذه هي مطالب الشعب العراقي في يوم غضبه الآتي. ولكننا، إذ قد نتصور الأخطار التي قد تحيق بأهلنا وأخواتنا وإخواننا الذين سيتظاهرون في ميدان التحرير العراقي يوم الجمعة القادم، لايحق لنا أن ننصحهم، عن بعد، بما يجب أن يفعلوا أو لا يفعلوا لحماية أرواحهم، فالسطة القاهرة لا تؤتمن أبدا، ولكن الإعلام العالمي سيكون مسلطا بكامراته في ذلك اليوم عليهم، ويجدر بالإخوة المنظمين أن يضمنوا حضور الإعلام العالمي والعربي، من جهة، وتحديد شعارات المظاهرة بوضوح وبمهارة شعبية، من جهة ثانية. وينبغي تشكيل لجان حماية ومراقبة، وإتخاذ الحيطة من الخارجين عن الشعارات الواضحة، ومن المندسين والمخربين الذين يستهدفون خلق المبررات لسلطة الحكومة لضرب المتظاهرين. كيف ستسير المظاهرات، وهل تستلزم إعتصامات لإيام؟ هذه أمور يقررها قادة المظاهرة ومنظموها، في ضؤ تطورات الواقع وردود الفعل. واخيرا، قد نوصي بالحفاظ على علاقات الود والكياسة مع القوات المسلحة، من جيش وشرطة، وتطويق المظاهرة بسياج أمني من المتظاهرين أنفسهم لمنع التخريب أو الغدر أو الإندساس أو أية محاولات قد يرتكبها البعض لتدمير المنافع والممتلكات العامة. فهل، يا ترى، سيهلّ علينا ربيع بغداد في ذلك اليوم الغاضب، كما هلّ، مبكرا، في تونس وفي مصر، وقبلهما بكثير، ربيع براغ في جيكاسلوفاكية؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح


.. الرئيسان الروسي والصيني يعقدان جولة محادثات ثانائية في بيجين




.. القمة العربية تدعو لنشر قوات دولية في -الأراضي الفلسطينية ال


.. محكمة العدل الدولية تستمع لدفوع من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل




.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية مستمرة تستهدف مناطق عدة في قط