الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صحافة حزبية ام جماهيرية - وقفة نقدية لصحافة المعارضة العربية

الياس المدني

2004 / 10 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


لعل واحدة من اهم صفات الصحافة العربية عموما والصحافة المعارضة خصوصا هي اهتمامها بالامور السياسية على حساب القطاعات الاخرى من الحياة حتى يمكن وبدون تأنيب ضمير اطلاق عليها لقب "الصحافة المقاتلة" (عن الفرنسية: Journalisme Militant). ورغم اهتمامها بالثقافة الادبية عموما الا انها اهملت تماما نواحي الحياة الاخرى والتي من اهمها الثقافة العامة للمواطن العادي ودورها في مجالات التطور الاقتصادي والاجتماعي.
نشأت الصحافة العربية المعارضة في ظل صراع سياسي وايديولوجي حاد كان الرهان فيه هو الحصول على سدة الحكم او التعرض لابشع انواع القمع. ولانه هذه الصحافة نمت و تطورت في ظروف هي ابعد ما تكون عن الديمقراطية والحرية وبالتالي التنافس الشريف اضحت هذه الصحافة بوقا للدعاية السياسية يهلل لبروباغاندا الجهة التي تمثلها تماما مثل اعلام النظام الحاكم، ثم اخذت تسير في شرايينها امراض عديدة. وبدل ان تكون هذه الصحافة بديلا ونقيضا لصحافة النظام اصبحت تابعا وخادما للمصالح التي يمثلها ناشر هذه الصحيفة او تلك. ففقدت هذه الصحافة استقلاليتها وبدل ان تكون شريكا في صنع القرار اصبحت مجرد آداه في يد صنّاعه.
منذ البداية كانت الحركات العربية المعارضة تنادي بحرية التعبير عن الرأي ورفع الرقابة والسماح لصوت المعارضة بالوصول الى المواطنين. ولكن قبل المطالبة بهذه الامور البديهية أليس احرى بنا ان نتخلص نحن قبل كل شيء من امراضنا المهنية والايديولوجية والتي اهمها الرقابة بانواعها العديدة والانحياز الاعمى لقرارات وسياسات الجهة التي نمثلها اضافة الى تغيير طريقة التواصل من النموذج العمودي الى النموذج الافقي؟

الرقابة:
كما نعرف فان الرقابة هي احد اهم العوائق التي تقف امام وصول النص الى القارئ وغالبا ما نفهم الرقابة على انها مؤسسة النظام التي عينت نفسها بمكان وعي الشعب لتقرر ماذا يجب وماذا لا يحق له ان يقرأ، ولذلك فهي المؤسسة التي تقوم بحذف المواضيع او السماح بها او منع وصول الصحيفة وتداولها وتوزيعها سواء عبر شركات التوزيع التابعة لها ام التوزيع المباشر. غير ان هذه الرقابة هي فقط واحد من الوجوه العديدة للرقابة التي تقف حائلا بيننا وبين قرائنا وتسبب اضرارا واسعة فنضطر للتنازل احيانا عن بعد الامور المبدئية من اجل الوصول الى القارئ.
اما الرقابة الأسوء والاكثر تأثيرا فهي الرقابة الداخلية والرقابة الذاتية.
فالرقابة الداخلية التي تمارسها ادارة الصحيفة على الكتاب بدءا من اختيار المواضيع وتوزيعها على الصحفيين مرورا بفرض طريقة عرضها وصولا الى حذف جمل وعبارات وفقرات تحول الكاتب من فنان مبدع الى مجرد الة كاتبة تحرمه من امكانية الابداع والمشاركة في صناعة القرار. وتصبح النصوص في النهاية نصوص مليئة بلغة ايديولوجية وفلسفية بعيدة كل البعد عن مستوى فهم المواطن البسيط.
وغالبا ما يمارس هذه الرقابة المسؤولون الحزبيون في الصحيفة الذين لا علاقة لهم من قريب او بعيد بفن الصحافة وهمهم الوحيد هو الحفاظ على النهج السياسي للصحيفة من خلال فهمهم الذاتي لسياسة الحزب والتي دافع عنها الرفيق طلال احمد في صحيفة الهدف بقوله "طالما ان الصحيفة ملك للجبهة فان من الطبيعي ان يقودها رفاق حزبيون يحافظوا على الخط السياسي لها. اما نقص الخبرة الصحفية عند اولئك الرفاق فلن يؤثر على مستوى الحرفية للعاملين في الصحيفة".
اما الرقابة الذاتية فهي النوع الأسوء من الرقابة وقد نتجت اساسا عن عدة عوامل لعل اهمها هي الايمان الاعمى بايديولوجية محددة وبالتالي الترويج لها والنظر الى الامور من منظار هذه الايديولوجية الضيق مما يحرم الكاتب من النظرة الموضوعية الى الامور فتأتي احكامه ونصوصه بشكل غير منطقي مستشفعة ومحملة بامور لا يمكن ان تحتمل. فتكون النصوص مملة وغير منطقية وبالتالي تبعد القارئ عنها بدل ان تجذبه اليها.
اما العامل الاخر فهو الخوف على مكان العمل فالصحفي يعتبر نفسه مجرد موظفا عاديا وليس مبدعا ومعلما فيقوم بكتابة ما يطلب منه حسب القواعد والشروط التي تمليها عليه ادارة الصحيفة فتأتي المواضيع لتصب من جديد في خانة البوق الدعائي للخط السياسي المتبع بكل تفاصيله.
عقدة الصحافة الحزبية
نتيجة لاتباع اساليب الرقابة بانواعها العديدة تأني المقالات والمواضيع المنشورة في الصحافة العربية المعارضة غير مرضية للقطاعات الواسعة من الشعب التي من المفروض ان تكون المتلقي الاساسي لها.
فمن جهة نرى ان انحسار هذه الصحافة جاء نتيجة للرقابة المؤسساتية للسلطة ومن ناحية اخرى بسبب العجز عن الوصول الى القارئ واستهوائه بمواضيع وطريقة تقديم تليق بدرجة وعيه وفهمه الخاص لما يتم طرحه. ان تنصيب الصحفي او الصحيفة نفسه بديلا عن عقل القارئ والتعالي عليه بتقديم المواضيع لا يساعد باي شكل من الاشكال بالوصول الى القارئ. فيتم التعامل معه من منطلق ان الصحيفة تمثل الطليعة وبالتالي لا تأخذ بعين الاعتبار المميزات الخاصة للقراء الذين لا يحبون ان يتم معاملتهم معاملة المعلم للتلميذ المحدود التفكير.
بهذه الطريقة نجد ان الصحافة المعارضة اتت لتصبح اداة حوار مع صحف المعارضة الاخرى وفئة محدودة جدا من القراء المثقفين القادرين على فهم المواضيع ونقاشها.
من هنا لابد من مطالبة الصحافة المعارضة اولا بالاقتراب من الام الجماهير ومخاطبتهم بطريقة الحوار أي الاتصال الافقي الذي يأخذ بعين الاعتبار امكانية التواصل المتبادل من المرسل الى المتلقي وبالعكس من المتلقي (الذي يصبح في هذه الحالة المرسل) الى المرسل الاول. أي التفاعل مع الجماهير لتصبح هذه الصحافة صحافة جماهيرية حقيقية وليست صحافة حزبية موجهة الى قاعدة حزبية محدودة جدا. ان الفوقية بالتعامل مع القراء التي كانت متبعة خلال العقود الثلاثة الماضية جعلت من الصحافة المعارضة صحافة بعيدة كل البعد عن الجماهير.
هنا لا اتردد بالقول ان الرقابة المؤسساتية للسلطات اثبتت غباءا شديدا، فبدل ان تسمح للصحافة المعارضة بالدخول والتوزيع وبالتالي اثبات ان هذه الصحافة لا تلبي حاجات ورغبات الجماهير وجعل هذه الجماهير بذاتها تتخذ قرار مقاطعتها، عملت الرقابة بدور الوصي على فهم الناس وعقولهم ومنعت الصحافة المعارضة من الوصول وعرضت نفسها لاتهامات تقييد حرية الكلمة.
لهذا كله لابد لصحف المعارضة العربية من مراجعة نقدية حقيقية لايديولوجيتها وطريقة تعاملها مع الصحفي وايضا طريقة مخاطبة الجماهير، فان لم تفلح بذلك ولم تحقق استقلالية ذاتية للوصول الى الموضوعية في تناول الاحداث وبالتالي التخاطب مع الجماهير على اسس الحوار (وليس المنولوج الحزبي) فما الذي يجعلها تختلف عن وسائل اعلام النظام الا العبارات الثورية التي ستصبح آنذاك فارغة من أي محتوى اخلاقي؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موقف التنظيمات المسلحة الموالية لإيران من التصعيد في رفح| ال


.. إسرائيل - حماس: هل ما زالت الهدنة ممكنة في غزة؟




.. احتفال في قصر الإليزيه بمناسبة مرور 60 عاما على العلاقات الف


.. بانتظار الحلم الأوروبي.. المهاجرون يعيشون -الكوابيس- في تونس




.. حقنة تخلصكم من ألم الظهر نهائيا | #برنامج_التشخيص