الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقابلة حول الأحداث الثورية التي تمر بها المنطقة حالياً

عصام شكري

2011 / 2 / 23
مواضيع وابحاث سياسية



نحو الاشتراكية:
كما هو معلوم اندلعت ثورة جماهيرية عارمة في تونس، ولكن انتقلت العدوى الثورية من تونس وأصابت بها أغلب البلدان العربية. باعتقادكم ما هو سبب هذا الانتقال السريع للعدوى الثورية في العالم العربي؟

عصام شكـري:
الاوضاع في المنطقة في حالة احتقان منذ زمن. ان تفاقم ازمة الرأسمالية على كل الاصعدة قد حول حياة الجماهير في الدول العربية التي تحكمها الانظمة القمعية والوحشية الاسلامية والقومية الى جحيم حقيقي. ليس عبثا ان ترى انسانا يحرق نفسه هربا من الحياة وليطلق صرخة الم اخترقت قلب العالم الظالم والمقلوب على رأسه المسمى العالم العربي والاسلامي وترددت اصداءها في كل مكان. برأيي ان الصراع بين الجماهير المحرومة والطبقة الطفيلية صراع يومي.

بجانبها التجريدي فان الثورة تجسيد لحالة تناقض عصية الحل. وفي نفس الوقت فان الثورة تقدم حلا وتفتح افاقا واسعة للامام. هذا ما فعلته الثورتان في مصر وتونس. فان التناقض بين مصالح الجماهير العريضة ومصالح حفنة من الرأسماليين لم تحله الا الثورة ولن يحل في بقية الدول الا من خلال نفس الوسيلة. الجماهير تزداد جوعا ومرضا وبؤسا والطبقة الحاكمة تزداد ثراءا ورفاها وبذخا وفسادا. ولكي نعرف بالظبط كيف ان الثورات كانت كامنة او كالجمر تحت الرماد فاني ارجع الى الحقبة السابقة والتي كان يلفها الخوف والقلق وتلبد الافاق والرجعية. اقصد حقبة ما بعد الحرب الباردة. فقد انتصر جناح من البرجوازية على جناح اخر. انتصرت امريكا والغرب على المعسكر الشرقي. ولكنها لكي تديم هيمنتها وجبروتها العالميين وتبرر ترسانتها العسكرية الهائلة ومصاريفها الخرافية ووحدات جيشها المنتشر في كل مكان فانها خلقت الوحش الارهابي الذي سميناه الاسلام السياسي وجعلته عدوا لها وعدوا للديمقراطية وما اسماه بوش "نمط حياتنا". وابتدعوا سياسة اسموها النظام العالمي الجديد وتزعمها المحافظون الجدد. وقد اغرقت تلك السياسة الرجعية العالم في بحر متلاطم من الدم والوحشية. كانت سياسة امريكا والغرب مبنية على مفاهيم عسكريتارية عمادها "الضربات الوقائية" و "محاور الشر" و"الفوضى الخلاقة". ملايين البشر اغرقوا بالحطام وهم مذهولين لا يدرون ما يجري ولا اي ذنب اقترفوا. جماهير العراق كانت ضحية مبكرة لهذا النظام الوحشي. ولكن سياسة امريكا تلك انهارت في نهاية المطاف وان العراق كان هو مسرح تلك النهاية. وقد جرت ذلك الانهيار معه سياسة المحافظين الجدد ونظامهم العالمي الجديد. فشلت امريكا بخلق ما سموه بسخرية مرة ب ”واحة الديمقراطية" في العراق واصبح هذا البلد مرتعا للارهاب والارهابيين وواقعا مرعبا لما يمكن ان يكون عليه الجحيم. دمرت امريكا والغرب مجتمع العراق وسحقوا انجازات المواطنة وكل المكتسبات الاخرى وفتتوه الى قبائل واديان وعشائر وملل ونحل واعراق متصارعة بعد ان اقتلعوا الدولة اقتلاعا بالحرب. لقد رجعت الى تلك الفترة لاني اعتقد انها تفسر سبب انفجار الاوضاع كلها مرة واحدة الان. ارى ان الجماهير كانت مشدوهة بوحشية الصراع بين قطبي الارهاب ولم يكن لديها اي فرصة او مجال. لقد تركوهم فريسة الارهاب الاسلامي من جهة ولقصف طائراتهم من جهة اخرى. ولكن حين فشلت امريكا واندحرت واعلنت انها ستخرج من العراق وطلع باراك اوباما يتفلسف حول اهمية الاسلام وسماحته ...فانه كان يريد ان يجلس معهم ويمنحهم الشرعية وينهي الاستقطابية لصالح فوز الاسلاميين والاسلام السياسي. وبهذا المعنى فان الثورة كانت ضربة للغرب ولامريكا لانها ”خربطت“ حساباتهم دفعة واحدة مع تصفيتها لحساباتها هي مع الاسلام السياسي بمصر وتونس والبقية ستأتي في ايران. اليوم تجاوزنا مرحلة انك اما مع امريكا او مع بن لادن او مقتدى الصدر او احمدي نجاد او الغنوشي او الاخوان المسلمين. لقد رمت جماهير مصر وتونس هاتان القوتان البربريتان ( سياسة الغرب والاسلام السياسي ) في سلة ازبال واحدة. ان الجماهير قالت بصوت واحد وعالي: كفى. اخرجوا من حياتنا ايها البرابرة. !
 
نحو الاشتراكية:
بعض المحللين والمراقبين السياسيين أطلقوا صفة الياسمين على الثورة التونسية واخرين يقولون ان مايحدث هو نهوض جماهيري من أجل الديمقراطية التي انتقلت من الغرب وتنتشر حاليا" في الشرق الأوسط. فأين هي الأحداث الثورية العظيمة في العالم العربي من تلك الادعاءات؟
 
عصام شكــري:
اولا اود القول بان الصحافة في الغرب قد اجبرت على اطلاق كلمة ثورة على الاحداث الثورية في مصر وتونس. لقد اجبرت جماهير مصر وتونس الاعلام الغربي والعربي وفي الدول التي يحكمها الاسلام السياسي على اطلاق كلمة ثورة والكل سمع كيف ان ال (سي ان ان) و (الجزيرة) ظلتا تصفان تظاهرات ميدان التحرير بانه ثورة. ولكن وصف الثورة بانها ديمقراطية خطأ وسابين السبب. ان الديمقراطية كانت سمة الثورات البرجوازية التي اجتاحت اوربا في القرن 19 واوائل القرن العشرين. سميت تلك الثورات بالديمقراطية لانها ارادت ان تطيح بنظام الاستبداد والحكم المطلق للطبقة الاقطاعية . لقد جلبت البرجوازية الديمقراطية لتشكل اطار حكمها السياسي وتسلطها على المجتمع واعادة انتاج الظلم والاستغلال باشكال جديدة. وقد اطاحت الثورات البرجوازية في كل مكان بالانظمة الملكية الاستبدادية والقائمة على العبودية والتمييز واحلال انظمة جمهورية واعلن عن المساواة بين "المواطنين" وليس الرعايا ورسخ مفهوم المواطنة والدولة المدنية بخلاف الدولة الدينية. لقد قامت البرجوازية بانجازها حين قطعت ايدي الدين عن قمع واظطهاد الجماهير وعزلته كليا واعتبرته امرا شخصيا لا دخل له بالحياة العامة للمجتمع. فهل البرجوازية اليوم هي التي تقوم بالثورة لكي نطلق على الثورات ديمقراطية ؟ ام ان الجماهير الكادحة والمحرومة والتي تطلب الخبز والرفاه والكرامة هي التي تقوم بالثورة وهي التي انجحتها؟! . الطبقة البرجوازية اليوم تجلس محل الطبقة الاقطاعية قبل قرنين من الزمان. انها تماما كتلك الطبقة في حينها اصبحت طبقة في منحطة ورجعية تريد ان تدوس على كل ما هو انساني من اجل ادامة حياتها دقيقة واحدة اضافية. البرجوازية اليوم هي الطبقة العاجزة والمتخبطة؛ هي التي تقتل وتدوس على الناس بالسيارات وتستخدم البلطجية لكسر ظهورهم بالعصي ورؤسهم بالرصاص وهي التي تجوع الملايين وترميهم على الارصفة بلا عمل. هي التي تشن الحروب الدموية وترتكب المجازر وهي التي تذبح الاطفال بالسيارات المفخخة وتقطع رؤوس النساء بالسواطير. هي التي جردت المرأة من انسانيتها وسلطت عليها حفنة الملالي وشيوخ الدين وقطعت اوصال المجتمع الى قبائل واديان متقاتلة.

اليوم، في ثورتي تونس ومصر فان النظام الرأسمالي وحاميته البرجوازية هو المستهدف. وبالتالي فان هذه الثورات ليست ديمقراطية وليست مخملية او "ياسمينية" كما يحلو للبعض القول عن دراية او توهم بل هو طابع تحرري وتقدمي وثوري راديكالي . انه طابع عمالي ونسوي ومساواتي؛ طابع انساني ينفي ويقف معاكسا ب 180 درجة لقيم ومممارسات البرجوازية المعادية للانسان.

ان كنا ندعي اننا يساريون وتحرريون وشيوعيون ومساواتيون وتقدميون فعلينا ان لا نقع في خطأ وصف الثورات الحالية بانها تنشد الديمقراطية بل في ان نعطي افقا اشتراكيا ناصعا وانسانيا لهذه الثورات وان ندعمها من اجل ادامة زخمها. انها ثورات شاركت بها النساء بكثافة وخاصة الشابات وهي ثورات معادية للاسلاميين وللاسلام السياسي ولكل مبادئ العبودية والتمييز بين البشر.

الجماهير التي قامت بثورتي تونس ومصر طلبت الحرية والمساواة والتمدن والرفاه والحداثة ولم تطلب الديمقراطية لان الاخيرة قد اصبحت شعار ومطلب الطبقة التي اظطهدتها طويلا.. في مصر هناك مجلس شعب وفي تونس برلمان وفي ليبيا مجلس الشعب العام وفي العراق المجلس الوطني وفي اليمن وغيرها كلها اشكال من الديمقراطية ولكنها ديمقراطيات النفايات والسموم العرقية والقومية والدينية والطائفية وتحقير المرأة وفلسفة التجاور والتنوع الثقافي وزرع الخنادق بين البشر بدلا من فلسفة الانسانية والفحوى الانسانية الواحدة.

نحو الاشتراكية:
هل هناك أية علاقة تذكر بين سقوط النظام البعثي في العراق وبروز نظام سياسي جديد في العراق ومشروع الشرق الأوسط الأمريكي الكبير بالأحداث الثورية في العالم العربي؟

 عصام شكــري:
النظام البعثي اسقط بالحرب. اسقط من الاعلى ودون ارادة الجماهير ومن خلف ظهورها. ان ما جرى في العراق هو عكس ما جرى في مصر وتونس وما يجري في اليمن وليبيا. الواقع اني بينت بان نهاية الدور الامريكي في المنطقة ووصوله الى طريق مسدود وتغيير التاكتيك الامريكي باحتواء قوى الاسلام السياسي ومحاولة ادامته بتنصيبه ومنحه الشرعية قد فتحت الافاق لدخول الجماهير الميدان وابراز جبهتهم العريضة. هانحن نرى ذلك بكل وضوح. انا لا ارى ان ذلك يصب في مصلحة اسرائيل او امريكا او الغرب وان هناك قلق كبير لدى تلك القوى من انهيار الانظمة واحتمال مجئ الاشتراكيين والعمال الى السلطة مع ما يحمله هذ الاحتمال من خطر عليهم. ان الثورات الحالية ترسم افاقا جديدة للمنطقة تماما.
 
نحو الاشتراكية:
بعد اندلاع الأعمال الجماهيرية الثورية في الكثير من البلدان العربية، اعلن الكثير من الحكام والأنظمة الرجعية العربية عن تصميمهم للقيام بالاصلاحات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في بلدانهم. باعتقادكم ما هو سر كل هذا الحنين لدى الحكام والأنظمة العربية للقيام بالاصلاحات في ظل مثل هذه الأوضاع بالذات؟ وهل هم جادون فعلا" للتوجه نحو الاصلاحات؟
 
عصام شكــري:
ان الاكاذيب اليوم تطلق من قبل افواه الحكام القتلة والدكتاتوريين بشكل هزلي ومنها بالطبع نوري المالكي ورغبته في "التكرم" بنصف راتبه الخرافي (30 الف دولار شهريا) على الجماهير البائسة والجائعة والتي بلا عمل في العراق. بالطبع الناس تعرف كيف اتى المالكي وكيف نصب على رأس الجماهير ومن يمثل وكيف ان النهب والسلب والجرائم والتفتيت الاجتماعي وانهيار مكانة المرأة والقتل الجماعي والارهاب الاسلامي بكل اصنافه وقتل الاف المواطنين على اساس الاسم والهوية الطائفية والدينية لم تكن دون وجوده ودون وجود حزبه وبقية المجاميع والفرق الدينية في حكومته. ولكن القضية ليست مرتبطة بحاكم او شخصية معينة مهما كانت تافهة. ان الثورات التي تجتاح المنطقة وكما بينت هي ثورات ورفض للطبقة الحاكمة ونظامها برمته. ثورات ضد الرأسمالية. ثورات انسانية وتحررية وتقدمية. كرم المالكي و"حاتميته" لن تسعفه في اغلب الظن وان المسألة هي مسألة وقت وان مجرد قوله هذا سيزيد من غضب جماهير العراق لانها ستعرف كيف انه يقبض الف دولار في اليوم الواحد لمجرد جلوسه في صالات مبردة يعطي الاوامر لقواته بشن الغارات على خصومه في حين ان اكثرية الناس جوعى ومحرومين وعاطلين تمزقهم الميليشيات الدينية في كل انحاء العراق.

نحو الاشتراكية:
كما هو معروف إن بعض القوى والأحزاب السياسية الإسلامية في بعض البلدان العربية وخصوصا" في مصر وسوريا وتونس لها تجارب عريقة في الصراع على السلطة ولهم تقاليد سياسية وايديولوجية جاهزة ومتوارثة من جيل الى جيل اضافة" الى كونهم قوى منظمة بشكل جيد. كيف تقيم دور مثل هذه القوى والأحزاب في الأحداث الثورية الجارية في العالم العربي؟ وهل هناك أية فرصة لصعودهم الى السلطة؟
 
عصام شكــري:
لاعلاقة مطلقا للثورات المصرية والتونسية بالاسلام السياسي بل هي ضده تماما. لقد شاهدت الشابات في مقدمة صفوف الثورة تشتبك اياديهن مع ايادي الشباب ويقمن بقيادة الحركة الثورية بكل جرأة. كما استمعت الى حوار مع فتاة شاركت في الاحداث الثورية بميدان التحرير بالقاهرة في مقابلة باحد الفضائيات تقول انها لم تكن تستطيع ان تسير في اي شارع بالقاهرة (قبل الثورة) دون ان تتعرض للتحرش الجنسي. وفي ميدان التحرير وطيلة ايام التظاهرات والاعتصام فانها لم تتعرض لاي تحرش او كلمة مسيئة من اي رجل!!. لقد كان الشباب يعطون الميكروفونات للشابات من اجل ترديد الهتافات وقراءة البيانات وكانت الفتيات يرمين بالحجارة على قوات الامن في الصفوف الاولى كما ان العديد منهن كن يبتن في الميدان طيلة ايام الاعتصامات. ان التظاهرات الثورية تظهر بوضوح انها متمدنة وحديثة وانسانية وليست اسلامية او دينية باي شكل من الاشكال. لقد كان مبارك ونظامه متحالف مع الاسلاميين وعقد معهم الصفقات. كما ان الاخوان المسلمين لم يكن لديهم اي توهم بامتلاكهم لشعبية مزعومة حاول الغرب تضخيمها لكي يحولهم الى بعبع يساعد حسني مبارك على القضاء على الثورة. ان نتائج هذه الثورات الانسانية لم تستخلص بعد ولم تتفتح كل افاقها ولكنها ازالت سدا مهولا كان يقف حائلا امام الملايين من الاحرار.

ان عزم الشابات الثائرات في مصر على فرض قوانين المساواة الكاملة بين المرأة والرجل في الدستور وانني لانتهز الفرصة لاعلن عن مساندتي لهن في كفاحهن الانساني هذا واقول نحن معهن في مطلب المساواة الكاملة وعدم السماح للاسلاميين بفرض اي قوانين مجحفة ضد تلك المساواة. كما اود ان اقول ان المسألة لا تحل بالكوتا او نسبة عدد النساء. يجب ترسيخ المساواة بين المرأة والرجل وجعله ذلك قانونا مثبتا. كما اشدد على الغاء المادة الثانية من الدستور المصري الحالي واقصد ان الاسلام مصدر التشريع.

تتمة المقابلة في العدد القادم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليبيا: ماذا وراء لقاء رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني


.. صفاقس التونسية: ما المسكوت عنه في أزمة الهجرة غير النظامية؟




.. تونس: ما رد فعل الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي بعد فتح تحقيق


.. تبون: -لاتنازل ولا مساومة- في ملف الذاكرة مع فرنسا




.. ما حقيقة فيديو لنزوح هائل من رفح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24