الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المصالحة مناورات مفتوحة و أبواب مغلقة

فاطمه قاسم

2011 / 2 / 23
مواضيع وابحاث سياسية



في موسم الغضب الذي يجتاح المنطقة العربية من أقصاها إلى أقصاها، و هو غضب مكبوت يتراكم منذ عقود، يختلط فيه الطائفي مع السياسي مع الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي في مرجل واحد، يفور و يغلي و يعيد إنتاج نفسه في تجليات عجيبة، بعضها يصل إلى أرقى موروث حضاري و بعضها يصل إلى أخطر المنحدرات خطورة، حيث الدماء تخلق ثارات لا يشفى غليلها إلا بمزيد من الدماء، و حيث الفوضى تثير شهية كل ما هو غير مشروع، و حيث الغضب يجتاح منطقة واسعة بكل خصوصياتها فيختلط الأمر من هو الظالم و المظلوم، و من هو المحق و من المخطأ، فإن اليقين يصبح الغائب الأكبر، و قد يحترق وقت طويل، و تحترق مقدرات و إمكانيات كثيرة، و تسقط علاقات و جدران و أنظمة و أنسجة كثيرة قبل أن يهتدي الغاضبون إلى طريق يوصلهم إلى برّ الأمان.
على نحو ما:
يستطيع الشعب الفلسطيني الغاضب أيضاً، أن يفرغ شحنات الغضب ضد الاحتلال الإسرائيلي، بحكم أن الاحتلال هو سبب كل مصيبة، و هو وراء كل مأساة، و هو مصدر كل ألم و وجع و عذاب.
كما يستطيع الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية و القدس و قطاع غزة، أن يرسل جزءاً من شحنة الغضب ضد أميركا التي لا تحتاج إلى عناء كبير لإثبات أنها رمز النفاق، و الازدواجية في المعايير، و الاستهانة بالحقوق، و الانحياز الخارق لمصالح إسرائيل و احتلالها البغيض و ممارساتها الشاذة.
و لكن هناك إشكالية كبيرة تواجه شحنات هذا الغضب الفلسطيني حين يصل الأمر إلى الوضع الداخلي نفسه، فالغضب العربي السائد في المنطقة يسير فوق عجلات معروفة، الديمقراطية، الانتخابات النزيهة، إنهاء الممارسات السلبية، و تحسين ظروف المعيشة...إلخ
و كل هذه المنطلقات للغضب العربي لها عوائق في الحالة الفلسطينية، فالانقسام قائم رغم انفضاحه بأنه خسارة فلسطينية فادحة، و الانتخابات ليس عليها إجماع وطني، فهناك من يريدها و هناك من يحرمها، و المصالحة الفلسطينية حاضرة بقوة في الشعارات و المناورات و لكنها منذ أربع سنوات تقف عاجزة و ذليلة أمام الأبواب المغلقة، بل إن تفريغ شحنات الغضب الداخلي ضد أميركا و ضد إسرائيل قد يكلف المزيد من الأعباء على صعيد الاقتصاد و المعيشة و سريان الحياة اليومية.
ما هو المخرج من ذلك كله؟
لا يمكن للفلسطينيين أن يسقطوا جدران هياكلهم، لأنهم إن فعلوا ذلك سيكونون مباشرة وجهاً لوجه مع جدران و حواجز الاحتلال، و يصبح الوضع تراجيدياً كمن يذبح نفسه بيده لصالح عدوه بينما هو يصرخ قي وجه هذا العدو!
ما هو المخرج؟
في موسم الغضب يجب أن نفعل شيئاً، لأن الرياح قوية، و العواصف هوجاء، و لا بد أن نتغير، أن نغادر الأمر الواقع العالقين فيه منذ أربع سنوات، لأنه حتى لو اتخذ قرار صائب و شجاع بتغيير نمط السلوك السياسي على صعيد المفاوضات، و على صعيد إدارة الصراع اليومي مع الاحتلال، فإن هذا التغيير في النمط السياسي يلتزم تغييراً موازياً في معطيات و عناصر الوضع القائم، كيف سنخلق فهماً جديداً في إدارة الصراع مع إسرائيل إذا كنا تحت سقف الانقسام؟ هذا غير ممكن، و كيف سننتقل إلى مرحلة جديدة بينما إطاراتنا المتآكلة هي إنتاج مرحلة الانقسام؟ هذا مستحيل، فنحن بحاجة إلى تجديد شرعية إطاراتنا القائمة، و حقنها بحيوية جديدة من خلال الانتخابات، و لكن الانتخابات بدون قطاع غزة تجعلنا كمن يتنفس برئة واحدة بدلاً من رئتين، فهل هذا ممكن؟
على صعيد المناورات الشكلية، فالكل يتحدث الآن عن المصالحة، و لكن هذه عادة سيئة تعودنا عليها منذ وثيقة الوفاق الوطني وصولاً إلى الورقة المصرية، في كل مرة نناور بعضنا، و نقول أن المصالحة حان وقتها، ثم لا نلبث أن ندفن المبادرة في قبرها، و لا يبقى سوى الانقسام، ثم يتحول الانقسام إلى باب مغلق في وجه المصالحة، و تتحول المصالحة إلى باب مغلق في وجه الانتخابات، و هكذا في دائرة مفرغة شيطانية، تحرق فيها الآمال و الأمنيات و المبادرات بدون رحمة أو شفقة.
في هذا المجال:
فإن حرية الإرادة السياسية ليست كلمة سهلة أو عابرة، إنها المحك، إنها اختبار الكفاءة، هل نحن نستحق هدفنا الذي نطالب به و هو الاستقلال أم لا؟
دعونا نتصارح بشكل شجاع عن حقائق هذا الانقسام، هل هو يتعلق بتقاسم السلطة و النفوذ؟ هل هو صراع بين برنامجيين متناقضين لا يلتقيان أبداً؟ هل هو صناعة إقليمية دولية و نحن فقط أداة التنفيذ التي لا حول لها و لا قوة؟ هل الاحتلال الإسرائيلي الذي يتحكم في حياتنا هو الذي يتحكم في هذا الانقسام؟
في موسم الغضب العربي، في المرجل الذي مازال يغلي، و قد يستمر طويلاً، حدثت مصارحات لا بأس بها، و قيلت أشياء لم تكن تقال، و كشفت الستار عما يحدث على خشبة المسرح،فلماذا في الحالة الفلسطينية العالقة ما بين الانقسام و التآكل لا تقال الحقيقة؟
خلال الأربع أو الخمس سنوات الأخيرة، شرّعنا كل وسائل التدخل العربي و الإقليمي في حياتنا، في اختلافاتنا و انقساماتنا و مصالحاتنا، و أصبحنا ننتقل علانية من أجل حل مشاكلنا بين العواصم من القاهرة إلى دمشق، و من الدوحة إلى طهران، و من الخرطوم إلى صنعاء، و من مكة إلى دكار عاصمة السنغال، الآن، كل مشغول بنفسه، كل يبحث عن مصالحه داخل بيته، الكل يسعى لجهة تحميه من الطوفان، الآن جاء دورنا رغماً عنا، لا مهرب لنا إلا أنفسنا، إذا لم نتصالح فلن يصالحنا أحد، الآن، كل من يستنجد بمن يعتقد أنه حليفه لن يجد سوى صدى يرتد إليه خائبا، الآن في موسم الغضب، في طوفان العرب، كل يقول "اللهم أسألك نفسي"، و قد كنا نعد العدة للذهاب إلى قمة نشكو لها وضعنا، و قد نفاجأ بأننا لن نجد من نشكو إليه! ليس لنا إلا وطنا فلسطيني نأوي إليه، إلى إرادة فلسطينية، إلى انبثاق فلسطيني، المناورات المكررة على الطريقة القديمة لا تنفع، فهل نفتح الأبواب المغلقة أم نستمر ننتظر دون فعل ننتظر الوهم الاتي ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هم المتظاهرون في الجامعات الأمريكية دعما للفلسطينيين وما


.. شاهد ما حدث مع عارضة أزياء مشهورة بعد إيقافها من ضابط دورية




.. اجتماع تشاوري في الرياض لبحث جهود وقف الحرب في غزة| #الظهيرة


.. كيف سترد حماس على مقترح الهدنة الذي قدمته إسرائيل؟| #الظهيرة




.. إسرائيل منفتحة على مناقشة هدنة مستدامة في غزة.. هل توافق على