الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المشي على الحبل : قراءة في اللحظة التاريخية الراهنة

جمال علي الحلاق

2011 / 2 / 23
حقوق الانسان


لسنا في سيرك ، الا أنّ اللحظة التاريخية الراهنة تبدو كما لو أنّها تحدث داخل سيرك عالمي ، فما يحدث في البلدان العربية سينتقل كالعدوى الى بلدان وشعوب أخرى في أفريقيا وآسيا وأمريكيا الجنوبية ، إنّها لحظة تاريخية حاسمة ، بداية نهاية سلطة الفرد في الشرق ، بعد أن حدث ذلك في أوربا مع الثورة الفرنسية .

***

حبل يمتدّ بين قمّتين متابعدتين جداً ، يفصلهما وادٍ عميقٍ الى درجة أن لا قرار له ، وبالتأكيد فإنّ الوصف الرمزي هذا يكشف عن عمق الفجوة الطبقية بين الشعوب وحكوماتها في الوطن العربي ، بين السلطة وشرعيّتها .

***

الوادي هو نقطة الحسم ، وعليه فإنّ المشي غير المستقر على الحبل سيقود بأحد الطرفين المتقابلين الى السقوط قرار الوادي السحيق ، أي أنّ المراهنة هنا على البقاء أو الإنمحاء ، إمّا الدخول الى التاريخ البشري من بوّابة لحظته الراهنة وإمّا الخروج من التاريخ الى أجل غير مسمّى .

***

السقوط الى وادٍ بلا قرار يشبه تماماً آلية الحذف من الذاكرة ، إنّه سقوط محاط بطردٍ أخلاقي ، أو بنبذٍ إجتماعي ، ونفيٍّ إنساني . السقوط لحظة تعادل وجود الحاكم ووجود الشعب ، لحظة تعادل الوجود بأكمله ، وعليه فإنّ السقوط يبدو كما لو ليس هناك إنوجاد بعده .

***

أريد أن أستثمر هنا إحدى أساطير الموروث الديني ، وأقصد تحديداً الصراط المستقيم ، فأقول : إنّ اللحظة الراهنة للشعوب العربية ولحكوماتها ، يشبه تماماً عملية المشي على الصراط ، وعليه فإنّ الجنّة هي حصّة العابر الى ضفة الآخر ، ولا مكان للعاجز عن تكملة العبور سوى الجحيم ، سيّان في ذلك الشعب أم الحكومة .

***

وبالتأكيد فإنّه كلّما اتّسعت مسافة البعد كلّما توتّر الحبل الممتدّ بين القمّتين . وتوتّر الحبل حافز للشعوب ، ودافع لها للمشي ، ولو على قلقٍ وحذرٍ كبيرين .

***

وحتى لا تكون كلمة ( قمّة ) مجرّدة وخالية من أيّ دلالة ، أقول يمكن إتّخاذ بيت رئيس الحكومة – أيّ رئيس - المجهّز والمكيّف بكلّ وسائل الراحة والطمأنينة كدالة لإحدى القمّتين ، وهنا سيقف قبالتها بيت أفقر عائلة بين صفوف الشعب ، سواء أكان بيتاً من طين أو بيتاً من صفيح ، سيقف كدلالة للقمّة على الجهة الأخرى ، وبالتأكيد ، كلّما كان الفارق هائلاً كلّما انفصلت الحكومة عن الشعب ، وكلّما فقدت شرعيّتها .

***

وهنا ، حين تكون المسافة الفاصلة بين القمّتين بحيث لا يمكن قياسها أو حتى المقارنة بينهما ، سيخطو الشعب - مُرغماً تحت ضغط أعباء الحياة اليومية - خطواته الأولى على الحبل صعوداً الى مشاعية السلطة ومشاعية المال العام من أجل استرداد حقّه في الحياة ، وحقّه في الإنسانيّة ، وستكون البداية مؤثّثة بالشرعية ، وكون البداية تمتلك شرعيتها فإنّ المبادرة على الخطو تجعل الحكومة تصحو من غفوتها ، أو من عنجهيّتها ، وتدفعها الى أن تخطو هي الأخرى خطوات تنازلها الأولى بحثاً عن الشرعية المنزوعة .

***

مع أوّل خطوة للشعب تفقد الحكومة شرعيّتها ، وكلّما تقدّم الشعب كلّما ابتعدت الشرعية أكثر وأكثر عن الحكومة .

***

ولكي يكون الحديث واضحاً ، أقول : أنّ الشعوب وحكوماتها معاً يمشيان على حبل واحد في وقت واحد معاً ، وكلاهما يريد العبور الى الجهة المعاكسة قبل الآخر ، الشعب يريد العبور الى استرداد السلطة والمال العام ، والحكومة تريد العبور الى استرداد الشرعية المنزوعة .

***

وكما تتعاكس جهات المشي تتعاكس أسبابها ، فالشعب يريد العبور الى السلطة من أجل تأميم الخدمات الإجتماعية ، تأميم فرص العمل من الحسّ الفئوي ، وتأميم رأس المال العام ، جعل البلد ، أيّ بلد ، للجميع وليس لعائلة أو طائفة أو حزب أو قومية .

بينما تحاول الحكومات بمشيها على الحبل العبور الى جهة الشعب من أجل تمتين أسس بقائها كعائلة أو طائفة أو محاصصة . الحكومة تبحث عن شرعية بقائها ، وتعلم جيّداً أن لا شرعية لها سوى العبور الى الشعب ، وأن ينزل الرئيس وحكومته الى الشارع وأن تّتسخ أحذيتهم بالطين والنجاسة أسوة باتّساخ أقدام الشعب .


***

وبالتأكيد حين يبدأ الطرفان مشيهما على الحبل في وقت واحد معا ، فإنّ على أحدهما أن يتحرّك بسرعة أكثر ، لأنّهما بعكس ذلك سيلتقيان على الحبل عند المنتصف ، وهو مكان لا يصلح للتحاور ، ولا يحقّق هدنة أو حتى مهادنة ، لأنّ على أحدهما أن يتنحّى جانباً من أجل أن يعبر الآخر .

من هنا تلجأ الحكومة الى كلّ أساليب الدسّ والتلفيق والإتّهام ، بثّ الخوف بين صفوف الشعب ، وقد تستخدم بعض أو كلّ آليات العنف والقمع من أجل أن يتحقّق لها العبور الى جهة استرداد الشرعية ، وفي المقابل ، يحاول الشعب أن يكشف عن أقصى حسّه المدني الإنساني المتحضّر ، عبر تظاهرات سلميّة راقية ، من أجل أن يكشف للمتخلّفين عن اللحاق به من أبناء الشعب ، أو من الموالين للطرف الآخر ، زور وكذب إدّعاءات الحكومة في كلّ خطواتها .

***

السؤال الذي ينمو الآن كالفطر ، هل يمكن أن يقود صعود الشعب ونزول الحكومة الى خلق الطبقة الوسطى ؟

لكن ألا يعني ذلك وجود طبقة فقراء أيضاً ، المطلوب إذن إلغاء الطبقة الفقيرة ، إلغاء كلّ مقوّمات الفقر ، سواء أكانت مقوّمات إقتصادية ، عبر العمل على هدم الفوارق الإجتماعية ، أو مقوّمات ثقافية ، وهنا لا بدّ من العمل على إلغاء الثقافة التي تقول : " الجنّة للفقراء " ، أو " الفقراء يدخلون الجنّة أوّلا " ، لأنّها ثقافة تعمل على تدجين طبقة الفقراء عبر استغفالهم ومواصلة سرقة قوتهم وقوت أبنائهم .

***

الفقراء أناس أحياء على الأرض ، ولهم الحقّ في أن يمتلكوا كرامة الحي ، لا أن نملأ رؤوسهم بهلوسة ما بعد الموت ، ولا أن نتجاهل وجودهم .

***

الحكومة تسقط عندما يسقط الفقير من ذاكرتها .

***

لا جنّة للفقير على الأرض إلا بإلغاء الفارق الطبقي ، وفتح نوافذ الحياة بالتساوي ، أو على الأقل جعل الفقراء أكثر قرباً الى الحياة من الموت ، ولا يكون ذلك إلا بتجاوز خط الفقر وضمان حياة كريمة لا يشعر فيها الفرد بالعوز أيّاً كان شكل العوز أو مستواه .

***

الفقراء هم أسرع أفراد الشعب مشياً على الحبل حين تُقرع أجراس الثورة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - فنطازيا
عبد الكريم الموسوي ( 2011 / 2 / 23 - 16:06 )
عزيزي جمال
ما حدث في اوربا ( وانت سيد العارفين ) كان تراكم من ملحدي فلاسفة الاغريق ثمّ جاء من يتوجها في الجانب الفلكي كوبرنيكوس وغاليلو ثم جاء القرن السابع عشر ابيقور وبعده نيتشه وماديي اوربا ثم توّجت في فولتير وجان لوك وغيرهم ، لا تسعفني الخمرة في تَذكّرهم بعد هذا التراكم المعرفي جاءت الثورة الفرنسية وأعلنت مبادء الجمهورية الاولى ، أتجد هنا في هذا الخروج الجماهيري الجميل يحمل هذا التراكم في عقليه الواعي واللاواعي ؟ تحياتي ايها الجميل


2 - هل فكرت ان الحبل يمكنه ان ينقطع في اي لحظة؟
ريم عبد الرحمن ( 2011 / 2 / 25 - 14:49 )
السلام عليكم
أود التعليق على الموضوع اولا كإنسانة عادية وثانيا كمواطنة عربية ,حيث ارى انه لامجال للتشابه ولا للمقارنة ايضا بين الثورة الفرنسية فيما مضى ومايحدث الان من احتجاجات تشهدها المنطقة العربية إذ يكمن الاختلاف في الاسباب والاهداف والنتائج على حد سواء ,ثانيا وكعربية ارى ان هذه الثورات قد تبنتها جهات مختلفة من الشعب واحتضنتها بعضها وهي لاتعي شيء منها, فالتقليد قد اخذ حيزا وفيرا هنا لأننا نحن العرب نتقن فنون الكلام لا القتال للأسف ,حكوماتنا وانظمتنا نحن من خلقناها ونحن من اعطيناها فرصة كي تمارس ماتريد انها منا والينا ,الشعب والعربي خاصة باستطاعته فعل مايريد لن تقف في وجهه هذه الانظمة طالما اراد فلماذا الكذب على انفسنا ,وبالنسبة للفقر والفقير اجزم ان الفقير في بيته يفكر في ما سيقتات المساء والصباح جاهلا بالسياسة ومايحدث وربما لايقوى عالكلام من علة صحته لنقص اساسيات الحياة فمن يقود هذه الاحتجاجات اغلبهم من شبعت بطنه وبعض قليل اصحاب فكرة وقد تؤدي هذه الثورات الى مالايحمد عقباه وينقطع الحبل ولن تبقى لاحكومة ولاشعب وسنناضل وقتها من اجل حرية لم ندرك قيمتها الا بعد فوات الاوان
عذرا

اخر الافلام

.. آلاف الإسرائيليين يتظاهرون في تل أبيب للمطالبة بعقد صفقة تبا


.. مجلس الحرب الإسرائيلي يجتمع لدراسة رد حماس على مقترح صفقة تب




.. حرب غزة: لا تقدّم في مفاوضات الهدنة.. حماس تتمسك بشروطها ونت


.. مظاهرات في تونس لإجلاء الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين




.. مصدر مصري رفيع المستوى: أحد بنود مقترح الاتفاق يتضمن عودة ال