الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسرحية (camp ) : محنة الرفض والقبول في الثقافة العراقية

صميم حسب الله
(Samem Hassaballa)

2011 / 2 / 24
الادب والفن


تعد القطيعة مع الآخر .. غياب لثقافتنا الحاضرة ،ذلك أنها أصبحت سمة من أبرز السمات السلبية التي تشكل هوية الثقافة العراقية الراهنة ، والتي ظهر من خلالها ما يعرف بأدباء الداخل والخارج ، ومثقفو المهجر ، وغيرها من المسميات ، واليوم نحن أمام ظاهرة من هذا النوع ، إلا أنها تحيلنا إلى قطيعة مع الداخل والخارج في الوقت نفسه ، حتى صار لزاماً علينا أن نقاطع أنفسنا ومثقفينا ، بناءا على رغبات القائمين على المؤسسات الثقافية والمسرحية في داخل العراق الجديد ؛ وأن نرضخ لما تقدمه لنا تلك المؤسسات من خطاب ثقافي بشكل عام ومسرحي على وجه الخصوص ، وعلينا أن نتقبل عروضاً مسرحية لا شكل لها ولا معنى سوى أنها من إنتاج دائرة السينما والمسرح بوصفها الجهة الوحيدة المسؤولة عن إنتاج ثقافة المسرح الموجهة إلى المجتمع وكل ما سواها .. مجرد خربشات على حائط الإبداع لا يغني ولا ينفع ، حتى باتت هذه الدائرة تشاكس نفسها بنفسها ، وإذا بها تتحول إلى (محاصصة) وتكتلات كما هو حال العراق بأسره ، فلم يعد للمبدعين الحقيقيين فيها من موطئ قدم ، على الرغم من أن فعل التمرد الحقيقي ينبع من قدرة الفنان المسرحي على كسر جدران الرتابة والتقليد ، حيث عرف المسرحيون في العراق كيف يخترقون تلك الجدران الصماء في زمان الرقابة والرقيب ، وأنجزوا إبداعاتهم بشتى الوسائل وأكثرها جمالا ، وكان لكل مبدع منهم أسلوبه الخاص في تعاطي المسرح ، ليبرز منهم : إبراهيم جلال و سامي عبد الحميد وقاسم محمد وصلاح القصب وعوني كرومي وفاضل خليل وعقيل مهدي وناجي عبد الأمير وغيرهم من المسرحيين الذين تنافسوا في صناعة الجمال ، أما اليوم فإن خشبة المسرح العراقي يبدو عليها الوهن ، حتى باتت دائرة السينما والمسرح تتمسك بالبناء الشامخ لمسرح لا ينتج مسرحاً ، وإنما يسعى بكل طاقاته المادية والدعائية إلى إبعاد المسرحيين وطردهم إلى الخارج ؛ كما هو الحال مع المخرج العراقي (مهند هادي) الذي كتب وأخرج العديد من المسرحيات كان آخرها مسرحية (camp) والتي عرضت في أكثر من مكان خارج البلاد؛ التي يحمل هذا العرض مضمونه من رحمها !
(camp ) عرض مسرحي يشير إلى مشروع مسرحي متواصل ، ذلك أن المخرج (مهند هادي ) كان قد بدأ رحلته الإخراجية مع مسرحية (حظر تجوال ) ثم عاد وقدم مسرحية (قلب الحدث) واليوم يطلع علينا بمسرحية (camp ) وقد طرحنا تسمية مشروع على هذه الثلاثية لأسباب عدة ، تتمحور في الاشتغال الإخراجي على مفردات معينة من جهة وكذلك الاستعانة بشكل سينوغرافي يتحول بحسب الوظيفية من عرض إلى آخر .
العرض المسرحي الأخير الذي لم يتسنى لنا مشاهدته على خشبة المسرح العراقي بسبب ظروف خارجة عن رغباتنا وعن طموحات المخرج المثابر ؛ ذلك أن المعلومات التي سمعناها عن عدم موافقة دائرة السينما والمسرح على تقديم هذا العرض المسرحي بداعي انه لا ينتمي إليها على الرغم من أن المخرج يعد واحداً من أبرز كوادرها الفنية ، الأمر الذي دفعنا إلى الطلب من المخرج تزويدنا بنسخة مصورة من العرض في محاولة للتواصل مع الآخر الذي هو نصفنا المرفوض في المؤسسة الفنية العراقية التي تدور حول نفسها حسب.
وقد سبق أن ذكرنا أن هذا العرض المسرحي هو استكمال لمشروع إخراجي له رؤيته الخاصة في المسرح، وسوف نسعى إلى قراءته (نصا وعرضاً).
وإبتداءا لابد من الإشارة إلى أن موقف المخرج من النص لم يتغير عن التجربة السابقة (قلب الحدث ) حيث أستمر في استعمال اللغة المحلية متخلياً عن جماليات اللغة وتعبيراتها التي كان من الممكن أن تمنح العرض بعداً آخر، ويبدو أن لديه وجه نظر في ذلك ، حيث أستمر المؤلف في استثمار الحياة العراقية اليومية وتوظيف أفراحها وأحزانها في مسرحه ، إلا انه في هذا النص يضيف محنة جديدة إلى الهم العراقي ألا وهي محنة المهجرين واللاجئين وما أكثرهم داخل العراق وخارجه ، حيث يبرز لنا نوعان من المهجرين فهناك من يريد الهجرة إلى جهنم ليبتعد عن العراق كما في شخصية (المرأة ) وهناك من يعشق تراب العراق ويتمنى أن يستقر حاله ليعود إليه كما هو الحال مع شخصية (الرجل) ؛ وهذه لوحدها محنة حقيقية يعيشها الفرد العراقي حتى بات سماعها يتردد علينا من خلال أصوات العراقيين في الداخل والخارج .
من خلال هذه الفكرة يتطرق المؤلف إلى حياة هذه الشخصيات التي تسعى إلى الرحيل أو البقاء ، ليكشف لنا عن معاناة كل منها ويغوص في تفاصيلها ، حتى باتت عملية الكتابة تمتزج بعملية الإخراج المسرحي فما عادت الكلمات تحمل معانيها من دون ارتباطها بالتقنية الإخراجية التي اتبعها المخرج الذي استعان بعدد من الممثلين في مساعدة الشخصيات الأساسية للعرض في لعبة مسرحية ليست جديدة إلا أن أسلوب استخدام هذه التقنية يحسب للمخرج وقد ساعده في ذلك وجود الممثل ( حسن هادي ) الذي أمتاز بمهارات أدائية متنوعة كشفت لنا عن طاقة تمثيلية غابت عن خشبات المسرح العراقي منذ عقد التسعينات ، وكان للممثلة السورية (نغم ناعسة) التي ساهمت في هذا العرض حضور جميل في كثير من الأحيان إلا أن عدم معرفتها باللهجة العراقية كان يخونها في الكثير من الحالات ، ولا بد من الإشادة المتميزة للممثلين الصامتين في العرض فقد كان سلوكهم على خشبة المسرح يعبر عن حالات الشخصية بشكل واضح بوصفهم شخصيات منشطرة عن البطل و البطلة ، ولم يستطع المخرج التخلي عن مفردته الأساسية في العرض السابق (قلب الحدث ) ليعود ويستحضرها في هذا العرض أيضا ولكنها هذه المرة كانت تمثل شكلها الايقوني بوصفها (حقيبة السفر) التي لم يسع المخرج إلى زجها بتحولات مختلفة كما حصل مع حقيبة السفر في العرض السابق .
أما عن الوظيفة الجمالية الأبرز في هذا العرض والتي يمكن لنا أن نقسمها إلى قسمين: الأول يعود إلى الديكور المكثف حيث استطاع المخرج من خلاله توضيح فكرته بشكل يعبر من خلاله عن كل الأحداث التي سعى النص المسرحي إلى طرحها، وهذا من الأمور التي أعادت إلينا الإحساس بأن المسرح لا يزال بمقدوره استقبال الديكور المسرحي الضخم شرط أن يوظف بشكل فكري وجمالي ، وكان الفضل الأول والأخير في هذا التوظيف يعود إلى الدقة في أداء الممثلين من خلال تعاملهم مع البوابات الخشبية و التي كان المخرج يلعب عليها لتكون مجتمعا كاملا وليؤكد مرة أخرى على مفاهيم (الداخل – الخارج) فمن هو داخل الباب فإنه في مأمن عن ما يحصل في الخارج في لحظة معينة سرعان ما يتغير المنظور ليكون الخارج أكثر أمانا من الداخل الذي تقتحم أصوات الطائرات منزله ويضع الجنود المدججين بالأسلحة أكياساً سوداء في رأسه ، ولا يبقى الحال كما هو إذ أن الخارج يرضخ لجماعات المتطرفين ليتحول إلى قاتل يوزع الرصاص في ظروف فارغة على جيرانه لأسباب يجهلها هو نفسه .
أن هذه التحولات في المنظر منحت العرض المسرحي ديناميكية عالية في صناعة إيقاع خاص يمنح المتلقي القدرة على التواصل معه .
وكان لمنظومة الإضاءة البارعة التي قام بتصميمها (بسام حميدي) أهميتها في دعم الديكور وتحولاته لتكون عنصراً فاعلا في العرض ذلك أن استخدامات الظل والضوء وعدم كشف المكان واقتصار الإضاءة على الشخصيات حسب وبدرجة قليلة يعزز من حالات الانشطار التي سعى مخرج العرض إلى تأكيدها في عرضه هذا .
لا يسعنا في نهاية هذه القراءة إلا أن نمني أنفسنا بأن تعيد دائرة السينما والمسرح والقائمين عليها النظر في منح المتلقي العراقي فرصة لمشاهدة هذا العرض المسرحي على خشبة مسرحنا الوحيد ، وتترك له خيار قبوله أو رفضه وتبتعد قليلا عن (المحاصصة) الفنية وتترك المجال للآخر لكي يعبر عن تجربته الفنية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا