الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ايام الغضب في الوطن العربي

رضا الشوك

2011 / 2 / 25
مواضيع وابحاث سياسية



في نهاية القرن الثامن عشر وتحديدا مع انفجار الثورة الفرنسية كان واضحا ان عالما جديدا قد ظهر الى الوجود ، وما كانت الثورة الفرنسية إلا عنوانا واعلانا عن بداية هذا العالم الجديد ، وعند الحديث عن اورپا يعني الحديث عن العالم أجمع ، فقد كانت اورپا في تحولاتها تمثل العالم آنذاك زمانا ومكانا ، ولم تكن الثورة الفرنسية مجرد حدث سياسي واجتماعي خاص بفرنسا وانما كانت نموذجا لتحولات اقتصادية واجتماعية بالنسبة لاورپا طوال القرون الماضية ، واليوم وبفضل الكم الهائل من الأختزالات في مختلف الميادين أصبح العالم مدينة صغيرة واحدة لأنها اشبه ماتكون بمدينة اورپية ايام الثورة الصناعية ، فهناك احياء المترفين وأحياء البؤساء والمحتاجين . لقد أفرزت الصراعات الاجتماعية على امتداد القرون هذا التناقض الكبير بين شرائح المجتمع الواحد ، كذلك بين الدول . لقد نشأت أُمتان في بلد واحد كما ورد على لسان احد كبار المفكرين الاورپيين وظهرت دول الشمال ودول الجنوب جراء الاصطفاف الجديد الذي تحددت معالمه خلال الفترة الزمنية التي اعقبت الثورة الفرنسية وحتى يومنا هذا الذي تحولت فيه العديد من شعوب العالم الى شاهد عيان لتحولات تاريخية فريدة من نوعها تُنبئ عن تشكيلة جديدة لعالم جديد يتلمس خطاه المستقبل المتطور الذي تزداد فيه وتشتد المنافسه والمسابقة بين الشعوب في ارتقائها سلم التقدم والتحضر وقد أظهرت الاحداث التاريخية الهامة التي عاشتها البشرية على امتداد الزمن ، أن الاعتماد على منجزات العلم على اوسع نطاق بأعتباره يمثل احد الاركان الاساسية لمقومات الحضارة الانسانية ، واتخاذ النظام الديمقراطي كآلية للحكم يمثل ضمانة أكيدة لحياة افضل ومستقبل مستقر يخلو من العنف ، العدو اللدود لكل ماهو صالح للانسان ، فالديمقراطية كآلية للحكم ليست العصا السحرية القادرة على حل كافة مشاكل المجتمع بصورة تلقائية ،لأن حل مشاكل التنمية الاقتصادية ورفع مستوى المعيشة للناس يتطلب صياغة وتطبيق سياسات فاعلة وقيادات سياسية وادارية ذات قدرة وكفاءة عالية مع توفر موارد مالية وبشرية كافية ومثل هذه الشروط تتوفر في ظل نظام ديمقراطي ، كما ان وجود اوضاع اقتصادية جيدة يشكل بدوره ضمانة واساسا ماديا هاما لنجاح التحولات الديمقراطية علما ان العامل الاقتصادي لم يكن العامل الوحيد لنشوء الديمقراطية وانتصارها ويؤكد صحة هذا الرأي ، وجود الترابط بين الحريات السياسية والاقتصادية كدليل على ذلك .
ان السير بما يتوازى وينسجم مع القرن الذي نحن فيه يتطلب رؤىً ومفاهيم جديدة تختلف عن تلك التي سادت خلال العقود الاولى من القرن الماضي ، وان الاحداث الاخيرة التي يمر بها العالم العربي دليل واضح على صحة مقولة (كل شئ يتغير)على هذه الارض التي يعيش عليها سكان المعمورة وحولتهم الى شهود عيان لتحولات تاريخية في غاية الاهمية ، يشابه تقريبا لما حصل في اورپا خلال عصرالنهضة ، حيث ظهر على السطح صراعا فكريا اخذت تتوضح رؤاه لدى الناس وتترسخ تقاليد وعادات في صالح تيار الاصلاح والتقدم كما ان إعادة النظر للعديد من القضايا التي تهم حياة الشعب اصبحت تمثل هاجسا فكريا وثقافيا لدى عقل ووجدان المواطن العربي ، وان مسألة الانتقال الى النظام الديمقراطي كصيغة للحكم هي من المسائل الهامة في مجتمعات حكمتها عبر قرون العلاقات القبلية والعائلية والتفاسير الفقهية المنحازة للاستبداد في الحكم .
من المعروف ان الشرعية التاريخية لاي حكم تحتاج لان تصبح شرعية دستورية وسلطة الحكم بمرجعيتها واشخاصها يجب ان تخضع لمنطق تبادل السلطة السلمي واذا توجه العرب على اتساع رقعة تواجدهم نحو تجربة الحكم الديمقراطي فأن ذلك يشكل نقلة نوعية لم يشهدها التاريخ من قبل واذا تحقق ذلك ولم لا ؟ فأن المنطقة ذات الموقع الجغرافي الحيوي ستسلك طريقا باتجاه مصافي العالم المتحضر الذي ينشد حضارة متقدمة تكون في صالح الانسان العربي .
بديهي ان الصراع بين القديم والجديد يواجه عقبات جمة ولكن مواصلة النضال باتجاه الاصلاح الحقيقي في كافة الميادين هو الذي سيفوز تاركا ورائه مخلفات القرون البالية التي عفى عليها الزمن ورماها في وادي النسيان ، والعملية برمتها تعتبر تطورا ناجحا ورابحا في مختلف المجالات ودعما لتجديد البنى الاقتصادية كاملة التي تعكس نتائجها مباشرة في حياة الناس والمجتمع عموما .
احيانا تطرح المسألة بطريقة بائسة بمعنى انه لا توجد تقاليد ديمقراطية في هذا البلد العربي او ذاك اذن من الميئوس منه ان تنشأ حالة او اجواء صالحة للديمقراطية ولعملية التغيير والتجديد ولكن لايوجد بلد وتقاليد ديمقراطية معه ، هذه عملية تاريخية ولا اعتقد ان هناك أناسا يولدون بجينات ديمقراطية وآخرون لا يملكون هذه الجينات انها تصورات فنطازية حقا لا يقبلها العقل السليم ، والحقيقة فان المعركة من اجل نظام ديمقراطي يضمن حقوق الانسان ومنظمات المجتمع المدني وما يرافق ذلك من مجموعة القيم ليست فقط صراعا بين الشمال والجنوب او بين الاسلام واورپا والولايات المتحدة الامريكية وانما هي معركة داخلية في كل بلد حيث يشهد مستوى معين من هذا الصراع وقد بدأت بارقة أمل للخروج من هذا المأزق حتى بالنسبة لبعض البلدان العربية . وقد شهدت الفترة المنصرمة احداث تغيير في غاية الاهمية وايام الغضب شملت شعوب العالم العربي دليل واضح على ذلك لان المنطقه برمتها خاضعة حاليا الى تفكك واعادت ترتيب وفق اسس جديدة لان رياح التجديد والتبديل اخذت تطرق ابواب التاريخ بعنف ونحن في بداية القرن الواحد والعشرين فأوجدت ركائز متينة يمكن الاعتماد عليها في بناء نظام ديمقراطي يوفر العيش الكريم للسواد الاعظم من شعوب العالم العربي .
ان مسيرة تطور البشرية تؤكد بما لا يدع أدنى شك بأن هناك ترابطا وثيقا ومحكما بين ارتقاء الانسان وتطوره الثقافي والعلمي والحضاري وبين حجم وكم حقوقه الانسانية واجواء الديمقراطية التي يتمتع بها ، كما تؤكد ايضا ان مستقبل انظمة العالم وبالتحديد الانظمة الشمولية من بقايا القرن الماضي لا يمكنها مصارعة وتحدي رياح التغيير نحو مستقبل افضل لأن القرن الذي نعيش فيه يتطلب رؤى ومفاهيم جديدة تختلف كليا عن تلك التي سادت خلال العقود الاولى من القرن الماضي .
على قادة البلدان العربية المتربعين على السلطة منذ عقود خلت الاخذ بمنتهى الجدية والقناعة التامة بأن رياح التغيير باتجاه نظام جديد في جميع تفاصيل الحياة اصبحت حقائق تاريخية لا رجعة فيها وان تصميم شعوبها على بناء مجتمع جديد أصبح امرا ثابتا لايمكن لاي قوة تصمد امامها . لقد ولى عهد العلاقات الاقطاعية في حكم الشعوب واخذت البشرية تتطلع الى نظام عالمي جديد خال من الاضطهاد والاستغلال ومن اجل عيش كريم في ظل حكم ديمقراطي راسخ .
رضا الشوك
بخارست – رومانيا – 24/01/2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
سيمون خوري ( 2011 / 2 / 25 - 05:25 )
الأخ الكاتب المحترم تحية لك مقال رصين وجيد ووجهة نظر تستحق القراءة . مع التحية


2 - بوخارست
مازن شريف ( 2011 / 2 / 25 - 07:25 )
مقال يستحق التقدير لانه من كاتب متنور التغيير قادم لامحالة وكل قديم يجب ان يزول هو ولحيته وشواربه ولك كل المودة.


3 - لماذا تريد الشعوب المعربة الاطاحة بزعمائها؟
حكيم المغربي ( 2011 / 2 / 25 - 19:07 )
ثارت شعوب اوروبا الغربية ضد الملوك و الكنائس فنجحت.
اوروبا الشرقية كانت تعاني من الشيوعية والماركسية, فانتفضت كلها من اجل الحرية.
شعوب ما يسمى بالعالم العربي تثور الان كما ثارت شعوب اوروبا الغربة والشرقية. لكن ماذا تريد شعوب الامبراطورية العربية؟ نعم تريد كذلك الحرية. الحرية لن تحصل عليها بتبديل شخص باخر. التجارب علمتنا ان الحرية تحصل عليها فقط اذا سقط اديلوجيات وافكار معينة. في اروبا الغربية سقطت الكنائس وافكارها المتخلفة. في اوروبا الشرقية سقطت الشيوعية. شعوب العالم المعرب ليس لديها نفس الاصل, التاريخ, الثقافة والعرق. رغم هذا فهي تثور ضد شيئ يجمعهما. من هو هذا الشئ؟ الاسلام لن يسقط لان شعار الثوار هو -لا الاه الا الله-. العروبة اذن؟ .

اخر الافلام

.. سباق بين مفاوضات الهدنة ومعركة رفح| #غرفة_الأخبار


.. حرب غزة.. مفاوضات الهدنة بين إسرائيل وحماس| #غرفة_الأخبار




.. قراءة عسكرية.. معارك ضارية في شمال القطاع ووسطه


.. جماعة أنصار الله تبث مشاهد توثق لحظة استهداف طائرة مسيرة للس




.. أمريكا.. الشرطة تنزع حجاب فتاة مناصرة لفلسطين بعد اعتقالها