الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثّورة طريق خطيرة فيها مزالق كثيرة فحذار يا شعب ليبيا....؟!

باهي صالح

2011 / 2 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


كنت جالسا أمام شاشة الكمبيوتر أعزف على لوحة مفاتيحه لحن الأمل و الاشتياق في زمن الغضب العربي...عدد من الدّول العربيّة تُقرّر فجأة صنع مصيرها...تُقرّر فجأة حرف مسيرة تاريخها...فجأة تتخلّص من صمتها و تتحدّى ميراث الخنوع و الخوف والا نبطاح لحكّامها و تثور كالبركان من تحت جبال يأسها وحزنها الأسود ضدّ حكّام تفرعنوا و تجبّروا و طغوا و ملكوا هم و عائلاتهم البلاد و العباد و امتدّ زمن حكمهم لعقود كاملة حتّى ظنّوا و ظننّا أنّهم مصيرنا المحتوم الأوحد و أنّهم قدرنا الّذي لا بديل عنه و لا مناص و لا مهرب منه...حكّام أمهلهم اللّه و سكت عنهم (لحكمة لا يعلمها إلاّ هو) و نسيهم عزرائيل أو ربّما أصبح يخاف منهم، و قعدوا على قلوبنا و صدورنا لعشرات السّنين حتّى كتموا أنفاسنا و حجبوا الهواء و أشعّة الشّمس عنّا...حكّام أنهكونا و أيأسونا و أمرضونا حتّى أماتوا منّا الشّهامة و قتلوا فينا الكرامة، و حتّى دمّروا بكلّ ألم كلّ مقدّراتنا الفكريّة و التّنمويّة و الثّقافيّة و الاقتصاديّة، و الأسوأ أنّهم أصابوا العقل العربي بإعاقة مستدامة و كرّسوا الحُمق و الغباء في مجتمعاتنا و استطاعوا عبر سنوات حكمهم الطّويلة أن "يُبََهّّمُوا" شعوبا بأكملها مثل ما فعل القذّافي هذا المريض المتوحّش الأهوج بشعبه خلال أكثر من أربعين سنة، و مثل ما فعل عبد اللّه صالح بشعب اليمن، و مثل ما فعل الجنرالات عندنا في الجزائر...و مع ذلك ظلّوا بكلّ وقاحة ملتصقون متسمّرون بكراسيهم منذ العصر الحجري...!

كانت أصابعي تنقر على لوحة المفاتيح و كان رأسي مرجل يغلي من كثرة ما كان يعتمل داخله من هواجس و أفكار و تساؤلات مبرّرة و غير مبرّرة، و كنت أستمع في نفس الوقت لصوت الفنان المتألّق مارسيل خليفة وهو يؤدّي أغنيته الرّائعة "إنّي اخترتك يا وطني"، فجأة اهتزّت نفسي و جاشت بمشاعر فيّاضة من البهجة و الأحاسيس و الانفعالات المختلفة و أنا استعرض في ذهني شريط الأحداث الّتي تابعتها على مختلف وسائل الإعلام المختلفة خلال الشّهرين الماضيين منذ إحراق الشّاب البوعزيزي لنفسه، و كانت توليفة (بين الأغنية و الأحداث) جعلت الدّموع تنزل من عيني ثمّ أدّت بي إلى أن أفقد رغما عنّي سيطرتي على نفسي و أجهش بالبكاء...من تأثّري ودهشتي ومن فرحي و خوفي في آن واحد...!

عادة أوّل ما تأكله الثّورة هم أبنائها، و الثّورة منحدر زلق لذا يجب على مفجّريها و شعوبهم على حدّ سواء أن يتوخّوا الحذر بأقصى ما يستطيعون...عليهم أن يستفيدوا من التّاريخ و من تجارب ثوريّة أخرى بيضاء و سوداء و حتّى دمويّة، فكم من ثورة شعبيّة هلّل و مجّد لها العالم كلّه ثمّ إنحرفت عن أهدافها إلى ماهو أشرّ و أسوأ، و تحوّلت مع الزّمن و زخم الأحداث و التّفاعلات المتسارعة المهتاجة إلى فوضى عارمة أو حروبا أهليّة طاحنة أتت في بلدانها على الأخضر و اليابس، كما أنّ الثّورات في الغالب إن عجز أصحابها عن صونها و حمايتها و مواكبتها و الحفاظ على مسارها و على أهدافها المسطّرة فإنّها سرعان ما يخطفها أو يسرقها أو يركب موجتها أشخاص أو جماعات أخرى من السّاسة و أصحاب المال و المتنفّذين و اللّصوص و الحراميّة...إلخ

الثّورة الجزائريّة مثلا نجحت في طرد فرنسا و صنعت لها صيتا ثوريّا عالميّا ذائع الصّيت، و لكنّها مع ذلك و بعد مرور ما يقارب نصف قرن منذ الاستقلال فشل مجاهدوها و ثوّارها و صانعوها في ثورة التّنمية البشريّة و المادّية فشلا ذريعا و حوّلوا البلد إلى زريبة تكدّس فيها الرّوث و العطن، و حوّلوا الشّعب إلى قطيع متهالك أوهنته و أوغرت فيه عذابات السّنين المختلفة...؟!

و كذلك الثّورة الفيتناميّة الّتي أدهشت أمريكا و العالم و مع ذلك فالفيتناميّون اليوم هم اليوم من أكثر دول جنوبي شرق آسيا تخلّفا في كلّ المجالات...؟!
ألا يدعو هذا إلى التأمّل و التعلّم و الاتّعاض....؟!

إنّ ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا سنة 1940 كان له دور بارز و معروف في حرب بلاده و الحلفاء ضدّ جيوش ألمانيا النّازية، و مع ذلك خسر في الانتخابات الّتي أقيمت سنة 1945 بعد نهاية الحرب العالميّة لأنّ الشّعب آن ذاك لم يكن يراه مؤهّلا لثورة البناء و التّنمية، و رغم خسارته فإنّه لم يستغلّ نجاحه العسكري و لم يعتنبر ذلك منّة على وطنه و لم يُقدم على إرسال الطّائرات و الدّبابات و المرتزقة لقصف و قتل أبناء شعبه، و لم ينتفض و لم يغضب و لم يقل أنّني أنا قائد الثّورة و أنا من حرّرتكم و أنا من فعلت لكم كيت و كيت كما فعل قائد الثّورة معمّر القذّافي....!

و هو صاحب المقولة الشّهيرة (ونستون تشرشل) "من الأفضل أن تخسربريطانيا الحرب على أن يقال إنها لا تنفّذ أحكام القضاء"

و القذّافي ماهي أشهر مقولاته...؟!

جرذان...قطط..مقمّلين...و عبارات كثيرة أخرى نابية خارجة عن حدود الأدب و اللّياقة في خطابه لشعبه...؟!

إذا ليس كلّ ثورة هي بالضّرورة طريق معبّد إلى الجنّة تحفّه الورود و تحلّق في سماءه الملائكة ، و أيّ ثورة إن لم نحافظ على أهدافها المعلنة و لم تكن نتيجتها إطلاق نهضة مادّية و إنسانيّة حقّة نلمس ملامحها على حياة مجتمعاتنا و نرى خطّ تصاعدها و ازدهارها و نمائها بالأرقام و الحقائق العلميّة على سلّم مختلف المجالات الإقتصاديّة و العلميّة و الإنتاجيّة و الفكريّة و الإبداعيّة فهي ثورة صنعنا بها طريقا ليس إلى الأمل أو الحلم و إنّما إلى الجحيم نفسه....!

و عليه فليس من المستبعد أن تدخل ليبيا حربا أهليّة ضروس سواء أهَرب القذّافي هو و عائلته أو بقي كأحد أمراء أو قادة الحرب في بلاده...!

و مع ذلك يسطّر الّتاريخ القديم و الحديث أمجاد شعوب قامت و تشكّلت على دماء و أشلاء و ويلات يعجز العقل عن تحمّلها و تبريرها، مثل ما فعلته الثّورة البلشفيّة سنة 1917 و الثّورة الصّينيّة سنة 1925...ثورات فجّرها طغاة و جبابرة و قادتها أنظمة فرديّة و شموليّة متوحّشة، و مع ذلك حقّقت على الأقلّ أهدافها في القوّة و التوسّع على مستوى العالم...الخوف و المحزن أن تقوم الثّورة في البلد العربي أو ذاك و يموت النّاس و تضيع الملايير و يضيّع الشّعب سنوات طويلة من وقته في الفوضى ثمّ لا شيء...أو ربّما انحدارا و اندحارا أكثر ممّا كان عليه الشّعب قبل الثّورة...!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كفكف دموعك
سالم الحر ( 2011 / 2 / 25 - 19:24 )
مع اني اشاركك كل مخاوفك وهواجسك من مستغلي الثورات والمتسلقين غير اني متفائل بالمناسبة ارى انك غيرت موقفك من الثورات العربية فالحمد لله

اخر الافلام

.. تركيا تعلق كل المبادلات التجارية مع إسرائيل وتل أبيب تتهم أر


.. ماكرون يجدد استعداد فرنسا لإرسال قوات برية إلى أوكرانيا




.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين: جامعة -سيانس بو- تغلق ليوم الجمعة


.. وول ستريت جورنال: مصير محادثات وقف الحرب في غزة بيدي السنوار




.. ما فرص التطبيع الإسرائيلي السعودي في ظل الحرب الدائرة في غزة