الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسرح الديالكتيكي ... ج8 من الحوار الافتراضي بين المخرج والمتلقي

سلام الاعرجي

2011 / 2 / 25
الادب والفن


المتلقي : اجدك تحاول التاكيد على الرؤية ألأخراجية كاننا ازاء مفهوم نقدي مثلا , لذا اقترح ان نحدد فهمك للرؤية لكي نواصل الحوار في أشتغال آليات الاخراج المسرحي على الخطاب الادبي .
المخرج : أجد الن الرؤيا والرؤية مفهومان لن يأتي الخلط بينهما دلاليا مصادفة ففي ما يحيلان اليه معجميا وفلسفيا الكثير من الاشتراك في المعنى , ( محمد بن ابي بكر الرازي ) في المنجد كذلك مختار الصحاح يعرف الرؤية على انها من رأى , يرى , رؤيا او رؤية , نظر بالعين والعقل , اما ( جبور عبد النور ) في المعجم الادبي فيعرف ( الرؤيا ) على انها ما هو غير موجود على انه موجود وذلك عن طريق ألأحساس المرهف والخيال المبدع , واجده في رايه هذا منسجما مع ( جورجي غوتشيف ) في مؤلفه الوعي والفن , حيث يقول في الرؤيا لااحد يطالب راوي الرؤيا بأن تكون متفقة مع الواقع فهي تعبير مجازي عن قوة الخيال الفردي ومقياس لقدرته . ان الحد المشترك الاول بين ( الرؤية ) و( الرؤيا ) هو الادراك واذا كان الادراك مجموعة من التصورات وردود الافعال تجاه ما نرى فالادراك من وجهة نظر ( برجستون ) القوة التي نختار من بين تلك المجموعة ما نريد , بالمناسبة ان ( احمد امين في كتابه ) قصة الفلسفة يتفق مع برجستون كذلك ( باشلر ) الا اني ارى ان هذا الفهم قاصر ! لأنه يغيب البصيرة , فالصورة عن العالم في لحظة ما تاكيد للارتباط الذهني بين العقل والمادة ذلك ألأرتباط الذي سينتج مثاليات صورية ألا أنها تغيب دور البصيرة اولا , وهذا الارتباط عاجز كل العجز عن ادراك الامتداد الزمني وما يعرض فيه لتلك المظاهر من تغيرات , ثانيا . ان الادراك رؤية واستقراء والفنان هو ذلك الرائي الذي يرى ويكشف عن بصيرتنا وهنا ثانية اجدني منسجما مع ( جورجي غاتشيف ) في مؤلفه الوعي والفن . اننا ازاء صورة يدركها الوعي وتنشطها المخيلة ويضفي الحدس شيئا من السرية والغموض أزائها ألا انها تخزين فكري - ذاكرة - الم يكن الفنان من وجهة نظر ( كروتشه ) يقدم صورة او خيالا والذي يتذوق الفن يعيد تكوين هذه الصورة في نفسه , الخيال والادراك والاحساس والحدس هي الحدود المشتركة ما بين الرؤيا والرؤية والتي ينشط ابداع الفنان من خلالها وهي المحفز لأنتاج صورة .
المتلقي : وتاسيسا على ما تقدم ؟
المخرج : وتاسيسا على ما تقدم اجد ان مفهوم ( الرؤية ) نسق دلالي تنتظم على وفقه الانساق الدلالية للخطابين الادبي وخطاب العرض المسرحي ويتجه هذا النسق الدلالي أما وظيفيا ( جمالي , آيديولوجي , فني , اجتماعي ) أو فلسفيا او كلاهما , وهذا النسق أما ان يكون قبليا فيخضع خطاب الادب الى انزياح معنوي يستجيب لتلك القراءة او ( آنية ) تتوفر على انساقها الدلالية المنتجة للمعنى تراكميا داخل خطاب العرض .
المتلقي : انت تقارب ( آروين بسكاتور ) في الممارسة والتطبيق اذا جاز التعبير , خطاب الادب لديه نسق دلالي تتماهى فيه وبه كافة الانساق الدلالية الكتابية والمرئية وهو وظائفي فلسفي ولا يكتمل حتى يتوفر على المزيد من الرؤى , المؤلف والمتلقي والمخرج , واجده ديالكتيكيا , وهذا ما تصبو اليه .
المخرج : اتفق معك ان ( بسكاتور ) لايوقع على خاتمة الخطاب الادبي حتى يتوفر على ملاحظات اليوم الاخير للعرض والمتوفر على العديد من القراءات التاويلية , المتلقي والاخراج والمؤلف , الا انه لايمكن ان يكون ديالكتيكيا , انه يغلق الباب بوجه الآتي وذلك ما لايجوز تسميته بالديالكتيك, انه يصور منجزه على انه الحقيقة الاخيرة والنهائية والمطلقة , انا منسجما معه في سياقه التاريخي الا اني اخالفه كثيرا في اهادة قرائته وفهمه للديالكتيك الماركسي , مثلا التفكير قد يكون لدى بسكاتور كما هو الحال عند هيجل عملية تتحول الى ذات مستقلة وتعتبر منتجة للعالم الواقعي فيصبح العالم الواقعي مجرد الشكل الخارجي او الظاهري للفكرة الا ان ماركس يعتقد على العكس من ذلك , المثال ليس سوى العالم المادي منعكسا في الدماغ الانساني ومترجما لأشكال الفكرة .
المتلقي : ابحث عن امثلة لكي اتوفر على شيء من المصداقية او القناعة ؟
المخرج : اذا اتفقنا كلانا على ان الديالكتيك علم القوانين العامة لحركة وتطور الطبيعة والمجتمع الانساني والفكر وهذا ما يؤكده ( ماركس وانجلز ) فسيكون من الحتمية بمكان ان نعيد التفكير ديالكتيكيا بالقوانين ذاتها كي لا نؤكد الجمود الذي غادرته الماركسية , ان بسكاتور مثلا , انظر اقول مثلا , لايستطيع مغادرة مفهوم دكتاتورية البروليتاريا الا ان لينين وماركس وانجلز ديالكتيكيا غادرو منطقة شغيلة اليد ووحدو بين شغيلة اليد والفكر وانطلاقا من ذلك يمكن ان تتصدر الشغيلة القيادة عبر الانتخابات وليس بالثورات , وهذا ما تعنيه الماركسية من التطور الحتمي في المجتمع والعلائق الانسانية والفكر ايضا , فغاليلو البرشاي كان ماركسيا حين يرد عاى طالبه اندريه سارتي الذي يقول لايمكن ان يعبد طريق الحرية الا بالدم بينما يرد غاليلو قائلا لايمكن ان يعبد طريق الحرية بالدم .قمن يعتقد انه قادر على انتاج الحرية وينقصه السلطة فثمة المزيد من الطرق والاساليب المؤدية اليها .
المتلقي : وما هو نوذجك في المسرح ؟
المخرج : اجد ان النص البرشتي و خطاب العرض البرشتي بآلياته ذات الاثر التغريبي هما الاقرب الى مفهوم المسرح الديالكتيكي ان لم يكونا ترجمته الحقيقية .
المتلقي : وما هي الخصوصية التي يتمتع بها النص البرشتي ؟
المخرج : ثمة خصوصية يتمتع بها النص ( البرشتي ) في القراءة وانتاج المعنى , وخصوصية اخرى متمثلة في شكل الخطاب المسرحي المشبعة بالتقنيات ذات الاثر التغريبي , خاصيتان ذاتا أثر عظيم في جعله متفردا بكيفية انتاجية صادرت أمكانية التزاوج القسري بين الفاعل والمدلول وكذلك التزاوج المراوغ بين العلامة ومرجعياتها .
المتلقي : وهذا يعني ان ممارسة فعل الازاحة يمتد من النص المكتوب الى الخطاب المقروء ماديا ؟
المخرج : نعم لقد اسنطاع خلخلة واختراق النظم البنائية المقنن لها عبر منطوقها الحرفي والمرجعي , بل ترك للمنطوق أمكانية ممارسة قصدية مصادرة لمرجعيات المنطوقين وتهشيم بنى اللغة داخل الكيان الواحد بخلخلة ازاحية معنياتية تحاكي المرجع ولا تلبث ان تغادره , أي مصادرة أيقونية الدال بفعل تغريبي يحقق قراءة تفصل بين العلامة وتاثيرها على حد قول ( رولان بارت ) في كتابه مقالات نقدية في المسرح , قراءة تنصب على التاريخ كحتمية مادية لابد من اعادة أنتاجه وفق معطيات ومسببات مغايرة لتسهم في تحرير فكر القارء للخطاب ذاته , ولا تتم تلك العملية الابتهشيم الخطاب ذاته عبر مصادره التسلسلية الحديثة من خلال بنى تتجاور الا انها نسيج متقطع لمصادرة المعنى النهائي للقالب الجامد . ان علامات الخطاب ( البرشتي ) ذات خاصية تؤكد قابلية قرائتها المضاعفة لتفردها -العلامة - في عكس دلالات العلامات المقابلة اي انها تمارس لعبة العاكس العلامي .
المتلقي : وهل يعني ذلك ان برشت كان مارس أضفاء تعددية قصدية على وفق اطلاق قدرة المتلقي على التاويل في القصد الواحد ؟
المخرج : وبمنهج جدلي يتحرر من قصد مفرغ من قصديته الا من الرمز الذي يؤسس دلالاته في وعي المتلقي وليس بما يدل عليه , المتلقي عنصر سلبي تجاه حتمية الخطاب الدلالية المبثوثة أي انه جزء من ذلك الخطاب فهو يمتلك القدرة على تحطيم خرافته الحتمية أي انتاج القرار وبناء على راي (البنوية )
في ان البنية الاساسية للمسرح هي بنية العرض اي زمن الادراك والاستيعاب .
المتلقي : قبل الذهاب الى البنية الدرامية للنص البرشتي كنت اود ان نتوقف عند مفهوم برشت للوعي ؟
المخرج : الوعي احد اهم الخصائص المميزة للنفس البشرية , وهو ادراك للعوالم المحيطة القريبة والمستوعبة حسيا ,وادراك للعلاقة والصلات الشرطية مع الآخرين وكل انواع الموجود المادي خارج الذات , هكذا يفهم برشت الوعي باختصار انه ينطلق من الفهم الماركسي لمفردة الوعي , ان المنطقة التي يشتغل عليها برشت مسرحيا تؤكد ان الوعي انعكاس للانعكاس , بمعنى ان وعي الانسان لايعكس فقط أشكال العلائق القائمة بين الذوات التي تشغل عالمه المعاش , ولا يمكن ان يعكس فقط العلائق القائمة بينه كذات والعالم المحيط كموضوع , بل يعكس كذلك العلاقات القائمة بين مفاهيمه وافكاره ومشاعره واحاسيسه وتصوراته وتاويلاته هو لتلك الاشياء التي تعتبر الاحاسيس والتصورات والمفاهيم نسخا وانعكاسا لها , ان برشت كماركسي يريد ان يقول ان الانسان يربط صور وعيه بمرجعياتها باصولها الواقعية مثلما ترتبط المنسوخات من الاشياء باصولها .
المتلقي : ما زلت ابحث عن الادلة والبراهين المادية !
المخرج : بختصار ان برشت الماركسي هو برشت المسرحي والعكس كذك ! الماركسية تؤكد نسبية القراءة والتحليل رغم موضوعيتها وبرشت يثبت ذلك عمليا , ولكن كيف ؟ عندما اتذكر جملة من الانطباعات التي تركتها في ذاكرتي عاصفة هوجاء وسط صحراءتتلضى اكون افكر في ادراكي لذلك وعندما اناقش ارائي في سيدة قابلتها عند قارعة الطريق اكون افكر في آرائي ولكن يتوجب علي ان افهم ان ادراكي هو انعكاس تقريبي وان العاصفة التي بدت لي شديدة قد لاتكون كذلك بالنسبة للآخر كما يجب ان ادرك ان آرائي حول تلك السيدة مجرد انعكاس تقريبي لما هي عليه في الواقع , بالتالي سيكون الخطاب الموجه للمتلقي خاضعا الى كل تلك الرؤى بمعنى آخر الاشتغال على منطقة وعي المتلقي لابد لها التوفر على تلك المنطلقات او التحرك منها لكي لايصبح سلوك هاملت مطلقا ونهائيا كما يمكن ان يتغير موقفنا من مفهوم الارض لمن يزرعها والابن لمن يربيه , عبر شرطية انجازية او انتاجية , ان تاكيده على محاكاة الوعي غائية تفرضها قرائته الماركسية للظواهر , فهو يحرر وعي التلقي بآلية سنتعرض لها الا انه يحرك الوعي باتجاهين الامتاع والتعليم , ليؤكد حضوره كقيمة انسانية معرفية تراكمية .
المتلقي : أذا اننا ازاء بنية درامية ليست تقليدية , ويصعب نوعما قرائتها ؟
المخرج : ان قراءة خطاب برشت لابد ان تتوقف على تقاليدية ذلك النص متمثلة في بنيته الكيفية اولا , والكشف عن التقنيات ذات الاثر التغريبي المشتغلة على عموم الخطاب البرشتي كمنجز تانيا , بمعنى اننا يجب ان نتوقف عند حدود الاختلاف والتطابق بين برشت وارسطو ذلك اننا في حدود البنية الدرامية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص


.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض




.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة