الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجرد هلوسة

محمد حسين الأطرش

2011 / 2 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


ربما أكون، على الأقل أنا، لم أسمع مصطلح هلوسة بهذه الكثافة طوال حياتي. شعرت للحظة وكـأنني أصطدم به للمرة الآولى. تفاجئت بالمصطلح وما يحمله من معاني تغييب العقل لدرجة تجعلك تدرك مباشرة مدى ما يصيب العقل من عدم القدرة على الإتزان بحيث يميل بصاحبه نحو الجنوح إلى ارتكاب ممارسات ما كان ليرتكبها في حالته الطبيعية.
خطابات العقيد القذافي وما تضمنته من وصف لملايين المتظاهرين بالهلوسة إلى جانب حال العقيد ذاته وهو يتندر بما تضمنه كتابه الأخضر جعلني أنتبه متسائلا، متآخرا، إلى أننا لعقود طويلة بدا لي أننا كنا مصابين بالهلوسة.
لولا حالة الهلوسة التي عشناها لكنا اكتشفنا مرض العقيد وهلوساته طيلة أكثر من أربعين عاما. كيف يمكن أن نصدق بأن معتوها مريضا استطاع أن يتفوه ويحاضر طيلة عقود طويلة دون أن نكتشف ما فيه من أمراض لو لم نكن مصابين بالهلوسة. كيف يمكن أن ننسى اليوم قصائد شعرائنا المهداة له وكتابات مثقفينا وتظاهرات القذافي الثقافية الثورية التي شاركه فيها نخب عربية مثقفة دون أن ننتبه. كنا في حالة هلوسة أو غيبوبة؟
مثقفون كبار شاركوا في ندوات سنوية لمناقشة الكتاب الأخضر، الكتاب المقدس للعقيد، ولم يكتفوا بالمشاركة بل انضموا لجوقة المطبلين المزمرين للعقيد وكتابه. ترانا لم نكن نقرأ؟ اكتشفنا بالأمس ونحن نخرج من غيبوبتنا أن ما تلاه العقيد من كتابه سخيف مثله، مريض وموبوء مثله.
صحيح أن مبارك، مشكورا، لم يكتب كتابا أخضر إلا أنه وقبل انتهاء كل ولاية من ولاياته كان يقرأ علينا خطبا عصماء عن الإصلاح المنشود وكأن من أفسد شخصا غيره. يقرأ لنا خططا للآتي وكأن ما مضى ارتكبه غيره. هلوسة ما بعدها هلوسة إذا ما أضفت إليها مواقف آلاف المثقفين طيلة عقود ناهيك عن أغاني المطربين ومدح المادحين. هلوسة، غيبوبة، لم نكن فقط مغلوبين على آمرنا؟
لعقود طويلة والأسد، الأب، يرفع شعار "أمة عربية واحدة ، ذات رسالة خالدة" وجنوده يقتلون نزلاء سجن تدمر وقواته تبيد شباب حماة دون محاكمة أو حق في الدفاع عن النفس وفروع المخابرات المزينة بكلماته الخالدة تطحن كل مثقف أو مطالب بحرية تعبير. لم يتغير الأسد، الإبن، عن أبيه رغم محاولاته الآخيرة لصحيفة أجنبية لكن للمصادفة تزامن حديثه مع الحكم بسجن المدونة، طل الملوحي، خمس سنوات لتعاملها مع المخابرات الأميركية. بالمناسبة لا يزيد عمر الملوحي عن سبعة عشر عاما. حبوب الصمود والتصدي أدخلتنا في حالة هلوسة أو غيبوية لأكثر من أربعين عاما.
عقود وعقود وقف فيها الإمام، في المناسابات الرسمية رافعا يديه ومرددين وراءه أن يأخذ بيد القائد ويطيل عمره ويحفظ عهده. أي أئمة وأي مثقفين وأي صحفيين وكتاب كنا طيلة تلك العقود. حبوب الهلوسة،تراها، آثرت فينا أكثر من غيرنا؟
للنظر لكل تلك العقود لنكتشف كم طالت فترة الغيبوبة، كيف أصبحت الهلوسة ديمومة ونحن ندعو للملك وللأمير بطول العمر مشفوعا بسلسلة طويلة من آيات التفخيم والتآليه دون أن يفطن كتابنا واقتصاديوننا وعلماء الإجتماع لدينا بأن أمير المؤمنين وحاشيته يكنزون الذهب والفضة والناس تجوع. هلوسة، غيبوية جعلت كل مثقفينا تعتاش على فتاتهم فصارت تكتب لمجد ملوك الخليج الذين يلهون بأموال الشعب في البلدان الغربية.
هلوسة أو غيبوبة طالت لعقود طويلة لذلك صدمتنا تونس وهي تحاول الخروج منها وأسكرتنا الفرحة وشباب ميدان التحرير يكررون مياه النيل من بقايا حبوب الهلوسة وأننا نكتشف والليبيين ونحن نخرج من الغيبوبة أن المهلوس المزمن القذافي يتحكم بكرامتنا.
الخروج من الغيبوبة والتخلص من إدمان الهلوسة قد بدأ والشفاء التام قريب بالإرادة وحدها.
ما كتبت بقايا هلوسة أحاول الخروج منها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أول مشاهد لثوران بركان كيلاويا في هاواي وقذفه الحمم البركاني


.. ترمب ينضم إلى تطبيق تيك توك الذي حاول حظره عندما كان رئيسا..




.. نزوح متكرر ومعاناة إنسانية.. إعلان مخيم جباليا كـ-منطقة منكو


.. مشاهد لاعتراض مسيرة هجومية فوق صفد شمالي إسرائيل




.. توقعات بانعطاف البرلمان الأوروبي نحو -أقصى اليمين- للمرة الأ