الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجامعة العربية و روح و عقل الشعوب

بودريس درهمان

2011 / 2 / 26
السياسة والعلاقات الدولية


ليس هنالك حاليا عقل شعوبي عميق يحاول احتواء ما يحدث بمنطقة شمال إفريقيا و الشرق الأوسط، الشعوب تثور و الدول تتهاوى كحبات القمح في حنجرة التاريخ و ما يسمى ب"الجامعة العربية" تستكين إلى منجزات و قوانين الدول المنهارة و كأن التاريخ الذي يجري حولها و أمامها لا يعني لها شيئا. الشعوب تصيح بأعلى صوتها نحن عرب و أمازيغ، أكراد و أقباط، درزيين و مارونيين، مسلمين و مسيحيين نريد الديمقراطية و حقوق الإنسان و لكن لا نفرط أبدا في الوحدة الوطنية؛ من العراق إلى ليبيا و من ليبيا إلى مصر ومن مصر إلى المغرب... الوضع الحالي أكد بالملموس، بأن الشعوب التي لم تحقق ثورتها على ذاتها تفقد وحدتها الوطنية. السودان فقدت جنوبها لهذا السبب و من الممكن أن يفقد العراق شماله و جنوبه، و نفس الشيء بالنسبة للمملكة المغربية و الجمهورية الشعبية الجزائرية. الشعوب هي من تصنع تاريخها و ليس تاريخها من يصنعها. الثورات هي بعث و إحياء للروح الجماعية التي هي روح الشعوب.
روح الشعوب حينما افتقدت إلى عقل الشعوب خلقت الفظائع كما حصل للشعوب التي اختارت أنظمتها السياسية الانضواء تحت تنظيم "الجامعة العربية"؛ و كما يعلم الجميع، اختارت دول هذه الشعوب الانضواء تحت ظل هذه الجامعة من اجل ضرب بعرض الحائط كل اختيارات و مكونات هذه الشعوب، و النتيجة حاليا هي أن هذه الدول إذا لم تحدث ثورتها على ذاتها سيحصل لها تماما ما حصل للجامعة اليوغوسلافية...
الجامعة العربية الحالية هي جامعة للأنظمة المنهارة، لقد انهار النظام التونسي و انهار النظام المصري و انهار النظام الليبي و باقي الأنظمة الأخرى هي في طريق الانهيار. دول ما كان يسمى سابقا بدول الصمود و التصدي تقريبا كلها انهارت، لم تبقى منها غير سوريا التي لازالت إلى حد الساعة لم تصلها شرارة الثورة بنفس الحدة التي وصلت فيها إلى جمهوريتي العقيدين الممثلين بداخل الجامعة العربية: اليمن و ليبيا.
النظام العراقي تم تدميره بواسطة تحالف دولي لأن المنتظم الدولي آنذاك لم يكن يثق في روح الشعوب و في قوة هذه الشعوب في الثورة على ذاتها. المنتظم الدولي المتعجرف المجسد في الدول الغربية القوية كان يؤمن بأنه مصدر الثورات و ملهم فلسفة التغيير؛ في حين الثورات الحالية التي اندلعت في منطقة شمال إفريقيا و الشرق الأوسط اندلعت بسبب التخلص من هيمنة هذه القوى و ليس لشيء آخر. لقد كانت الأنظمة الغربية و لازالت إلى حد اليوم أحد أهم القوى التي تكبح إرادة الشعوب و اليوم بعد أن بدأت هذه القوى تظهر نوعا من الحياد ابتدأت الشعوب في الثورة على ذاتها و بدأت في إعادة بناء أنظمتها السياسية و الحقوقية بمساهمة جيوشها و مساهمة طليعتها الشبابية التي استلهمت قيم و روح العصر المجسدة في الديمقراطية و حقوق الإنسان.
الدول المنضوية تحت لافتة الجامعة العربية تتهاوى يوما عن يوم و متطلبات و أطماع الدول الكبرى القوية اكبر مما يتصور و المنطقة في حاجة إلى نظام إقليمي جديد تحتل فيه حريات الشعوب و هوياتهم المختلفة، بالإضافة إلى الاستثمار المفتوح في الطاقات الخلاقة و المبدعة...
برتكول الإسكندرية الذي تمت مداولته و المصادقة عليه بين يومي الاثنين 25 شتنبر 1944و يوم السبت 7 أكتوبر من نفس السنة اعتمد مؤسسة "الجامعة العربية" كمؤسسة إقليمية ممثلة لما يسمى البلاد العربية، في حين التحولات السياسية الحالية التي حصلت تحتم ظهور تنظيم إقليمي جديد يحتوي هذه المنطقة و يعيد تحديد أولوياتها و القيم الإنسانية التي توازي القيم التي من أجلها حصلت الثورات و الاضطرابات. ففي الثورة الليبية و الثورة التونسية و الثورة المصرية لا فرق بين أمازيغي و عربي أو مسيحي و مسلم أو كردي و غير كردي إلا بالتمسك بقيم التعايش السلمي المؤسس على قيم الديمقراطية و احترام حقوق الإنسان...
في كل الدول الديمقراطية يتم اعتماد القاعدة الديمغرافية كقاعدة أساسية لتحديد السياسات و تحديد قوة التصويت و قوة و طبيعة اتخاذ القرارات في حين في دول "الجامعة العربية" القاعدة الأساس لاتخاذ هذه القرارات هي قاعدة هلامية تستجيب لخصوصية هلامية مفترضة اسمها "البلاد العربية". شعوب المنطقة في حاجة ماسة إلى من يحدد هويتها الحقيقية التي هي هوية متعددة و مختلفة و ليست هوية واحدة و موحدة...
كيفية تحديد إلزامية القرارات هي الأخرى جد متجاوزة. قرارات مجلس الجامعة العربية كما هي محددة في ميثاقها تكون "ملزمة لمن يقبلها، فيما عدا الأحوال التي يقع فيها خلاف بين دولتين من أعضاء الجامعة، و يلجأ فيها الطرفان إلى المجلس لفض هذا الخلاف، ففي هذه الأحوال تكون قرارات مجلس الجامعة نافذة ملزمة ". الدول ليست أشخاص حتى يتم تحديد كيفية تدبير الخلافات بينها بهذا الشكل الشخصاني المبسط، مع العلم أن دول شمال إفريقيا من تونس، المغرب، الجزائر و ليبيا و دول أخرى ليسوا من الدول المساهمة في صياغة برتوكول الإسكندرية.
عقد اتفاق "ميثاق الجامعة العربية" لسنة 1944 تم بين خمس ملكيات هي المملكة المصرية، المملكة العراقية، المملكة العربية السعودية، المملكة اليمنية و المملكة الأردنية الغير مكتملة الاستقلال المسماة آنذاك "إمارة شرق الأردن"، و جمهوريتين هي الجمهورية السورية و الجمهورية اللبنانية وحتى بعد انضمام باقي الدول التي حصلت على استقلالها(المملكة الليبية المتحدة يوم 28/3/1953، جمهورية السودان 19/01/1956، الجمهورية التونسية 01/10/1958، المملكة المغربية 01/10/1958، دولة الكويت20/07/1961، الجمهورية الجزائرية الشعبية 16/08/1962...)فهذه الجامعة هي جامعة لبلاد يقولون عنها عربية و لكنها غير محددة المعالم و المكونات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - التحليل غير مكتمل
محمد يوسف الربابعه ( 2011 / 2 / 26 - 10:17 )
انت اعطيت التصور عن الجامعه العربيه...لكنك لم تعطي الحل؟؟؟؟يا اخي الوضع العربي لا هلا ولا بعد الثورات سيفعل الجامعه؟؟؟ولن يكون هناك اتحاد؟؟ولن يكون هناك تكامل ...لان هذه الثورات ليست من صنع الشعوب بل من صنع الخارج...مع خالص تحياتي لك


2 - تحرر فكر المثقفين
صباح محمد أمين ( 2011 / 2 / 26 - 11:17 )
الأستاذ بودريس درهمان المحترم
تعريفك لجامعة العربية ومكامن أخطاء في تشكيلهاأبديتها بصورة واقعية فمقالتك هذه تبين تحرر عقول المثقفين بأبداهم النقد العلمي لواقع تشكيلات الدول العربية من منظماتها ومؤسساتها الشوفينية التي تلغي الاخر وتعطي القوة لحكامها الديكتاتورين الذين فرضوا على رقاب شعوبهم وغلق أفواهم ....بوركت ودمتمت من المفكرين النيرين


3 - الشماعة
سعيد دلمن ( 2011 / 2 / 26 - 19:47 )
جامعة الدول العربية أصبحت منذ تأسيسها شماعة لمشاكل وأزمات الدول العربية ، في حين أن الجميع يعرف أنها تمثل الشكل أو الجانب الرسمي للدول العربية التي لم تسعى العديد منها إلى العمل بشكل جدي - حتى الآن – إلى إكمال مؤسساتها المدنية (المؤسسات المدنية والتشريعية والبرلمانية المنتخبة) وكذلك تطوير وتنشيط المؤسسات المكملة للإطار الهياكل الاتحادية التي تؤهلها اتخاذ القرارات التي ترتقي إلى المستوى الاتحادي ، خاصة في ظروف الأزمات و ضعف التسيير أو الخلل الإداري والمؤسساتي ، لذا فأن ضعف هياكل ومؤسسات جامعة الدول العربية يأتي في الأساس من تخلف وضعف تطور الدول الأعضاء وعدم الإسراع أو الاستجابة من قبل العديد من الدول العربية لمتطلبات الإصلاح السياسي والاقتصادي ، متمنياً أن تكون الأحداث والتطورات التي تمر الدول العربية حالياً عامل إيجابي في إرساء الأسس المكملة لهياكل الاتحاد ، ولن تكون عوامل سلبية بالنسبة لخلق وتجسيد الديمقراطية و المؤسسات الشعبية واحترام حقوق الإنسان....مع التحية

اخر الافلام

.. الأردن يحذر من تداعيات اقتحام إسرائيل لمدينة رفح


.. أمريكا تفتح تحقيقا مع شركة بوينغ بعد اتهامها بالتزوير




.. النشيد الوطني الفلسطيني مع إقامة أول صف تعليمي منذ بدء الحرب


.. بوتين يؤدي اليمين الدستورية ويؤكد أن الحوار مع الغرب ممكن في




.. لماذا| ما الأهداف العسكرية والسياسية التي يريد نتنياهو تحقيق