الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما تأثير الراسمالية والطبقة الوسطى في انجاح الانتقال للديمقراطية في العراق؟

ثائر كريم

2004 / 10 / 11
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


ثمة بلا شك علاقة تلازم ايجابية مباشرة- رغم انها غير مطلقة- بين الراسمالية والديمقراطية. لكن العلاقة بين التنمية الراسمالية وتطور الدولة ديمقراطيا ليست علاقة سببية بسيطة او ميكانيكية. فمجرد القول على ان التطور الراسمالي يفتح طريق الانتقال للديمقراطية او يوسعها، عفويا وحتميا، هو قول يشوبه قدر كبير من السذاجة. ليس ثمة سند تاريخي او حتى منطقي لهذا الترابط الحتمي الميكانيكي. ان تجربة الغرب، بما فيها اوربا وامريكا واليابان تؤكد، عموما، على صحة الاستنتاج الرئيسي لا طروحات مارتين ليبست والمدرسة التحديثية الغربية. ولكن الارتباط بين تطور الراسمالية وانبثاق النظام الديمقراطي لم يكن ميكانيكيا. بل كان حافلا بتناقضات اجتماعية معقدة. وكان لكل من الراسمالية والديمقراطية تاريخه الخاص به، وعيا وفكرا وممارسة سياسية. وتوسط الانتقال للديمقراطية في كل مكان في الغرب نضال وتضحيات اجيال من افراد وكتاب ومفكرين واحزاب وجمعيات.
وفي كل الاحول فقد تعارضت استنتاجات المدرسة التحديثية مع معطيات بلدان اخرى، على مستويات مختلفة. فقد استطاعت بلدان فقيرة مثل الهند في اسيا وبوتسوانا في افريقيا ان تنمّى وتحافظ على نظام سياسي ديمقراطي لسنوات ممتدة بدون ان تبلغ مستويات دخل الفرد فيها شأوا عاليا. وبالعكس، انطلق النمو الاقتصادي ودخل الفرد عاليا في بلدان عديدة مثل سنغافورة والسعودية ونيجريا والصين ومع هذا لبثت انظمتها سلطوية وغير ديمقراطية. وفي الحقيقة، وحتى لا تلام مدرسة التحديث بلا حق، فمن الضروري عدم تناسي ان مدرسة التحديث انطلقت في تحليلاتها من ان الاهالي والراسمال والقطاع الخاص هم من يشكل محركات النمو الاقتصادي والرخاء المادي. وان للدولة دور ووظيفة هامة للغاية ولكن بالتوافق مع دور الراسمالية وليس عرقلة او بديلا لها. اذ ان العلاقات الراسمالية- ايا كان مستوى نضج تطورها يمكن ان تتندرج وتعمل عملها في في اطار انظمة سياسية مختلفة تتراوح في مستويات شموليتها وتسلطها ودرجات بعدها عن الديمقراطية. ومن المفيد التذكير، ايضا، ان الديمقراطية كنظام سياسي وقيمي مستقر عمرها اقل من عمر الراسمالية والدولة الوطنية. اما الديمقراطية بمعنى المشاركة السياسية الفاعلة للمجتمع المدني وبمعنى المرجعية القيمية حضاريا واجتماعيا في البيت والشارع والمصنع والمدرسة، في المدينة والريف فولادتها متأخرة للغاية رغم قدم اسسها الاقتصادية والفكرية السياسية.
بيد ان تجربة نمو الدولة الوطنية، تاريخيا، وفي كل مكان تقريبا، تؤشر على تطورات اقتصادية سياسية لها معانى عميقة على اشكالات الاندماج السياسي في العراق ونشوء مركزية الدولة. تتلخص هذه التطورات بان وجود ونمو قوى اقتصادية مستقلة عن السلطة السياسية المركزية يمهد التطور الاجتماعي للحصول على تنازلات لبرالية خطيرة الاهمية من المركزية السياسية تتصل بعدم احتكار الثروة والتمثيل السياسي الدستوري ونشوء قوى سياسية نابعة من المجتمع المدني وتنتهي بالحصول على حقوق سياسية وحريات مدنية. وفي بعض بلدان التي ترعرت فيها الدولة الوطنية- وليس كلها- فان نمو الراسمالية كان يفضى تدريجيا الى نمو طبقة وسطى عريضة تتبنى مشروع تعميق التمثيل السياسي وصولا الى الديمقراطية السياسية.
ولكن، ليس هناك ما يدلل على او يلزم، بالضرورة القاطعة، ان ترتيبات اقتصادية بحتة نابعة من منطق أقتصاد السوق الحر تخلق، ميكانيكيا وبصورة مباشرة، الاساس لتطور سياسي ديمقراطي او لبرالي عام. فمن الممكن، نظريا، وتجربة الكثير من البلدان، مثل الصين وتايوان وكوريا وغيرها تؤكد ان هذه الاسواق الراسمالية يمكن ان تعمل بلا عرقلة في ظل انظمة سلطوية مختلفة. أي انها تعمل بحرية بدون ان تؤثر، ديمقراطيا، في تفكيك سلطوية الانظمة او شموليتها.
بمعنى آخر، ان الطبقة الوسطى الصينينة، بما فيها تلك التي تنشط في قطاع الصناعات التصديرية- وهي عادة الشريحة التي تملك اقوى المصلحة في اقتصاد السوق الحر والسياسات الاقتصادية اللبرالية- لا تقدم شيئا يذكر في تحويل النظام السياسي ديمقراطيا. ان شرائح معينة من الطلبة والمثقفين والكتاب والمحامين وسواهم هم من يحاول، بهذا القدر او ذاك، كبح شمولية النظام السياسي ومحاولة التاثير فيه باتجاه اقامة انتخابات حرة والقبول بتعددية حزبية وفكرية. ولكن، على الجانب الاخر، تشير تجربة النظام السياسي الصيني، انه رغم شموليته و لا ديمقراطيته قد هيأ الاقتصاد الصيني- منذ السنوات الاولى لتفعيل اقتصاديات السوق واطلاق اليد للاستثمارات الخاصة، المحلية والاجنبية - لانتاج وتائر نمو اقتصادي عالية للغاية على مدى العقدين الاخيرين. ويبدو ان الصينيين- مثل كوريا وتايوان وسنغافورة وغيرها من الدول- قلدوا بوعي واتقان تجربة اليابان في توسيع اقتصاديات السوق والانتاج الصناعي المنوع للتصدير تحت اشراف ودفع الاجهزة الادراية الحكومية. ولكن النظام السياسي في اليابان اتسم بالتعددية الفكرية والحزبية السياسية واستند على دستور ديمقراطي متين منذ نهاية الحرب العالمية الاولى. اما كوريا وغيرها من الانظمة الاسيوية فان الدولة فيها- بفعل الضغط الهادف والمستمر للقوى السياسية والاجتماعية الداعية للديمقراطية وخصوصا الطلبة والاساتذة والمحامون وغيرهم من الفئات الوسطى- قد تخلت عن مركزيتها المفرطة واحتكارها للسلطة السياسية تدريجيا منذ اواسط الثمانينيات. ولاحقا تبنت هذه البلدان قواعد الديمقراطية السياسية. وانطلقت حركة المجتمع المدني فيها خطوات كبيرة للامام.
أن التحول السياسي صوب الديمقراطية قد انطلق في هذه البلدان، اذن، بعد سنوات طويلة من بدء الاصلاح الاقتصادي ولم يكن نتيجة مباشرو او ميكانيكية لهذا الاصلاح. بلا شك، عمل النمو الاقتصادي المتحقق هناك على رفع الدخل الاجمالي للفرد. وقلل من الفوارق الطبقية الصارخة بين الناس. واشاع حداثة مهمة في التعليم والصحة والموصلات والاتصلات والخدمات العامة. ولكن لم يكن بالامكان توقع ربط نتائج النمو الاقتصادي والاصلاح الراسمالي بالانتقال للديمقراطية لولا عمل وكفاح القوى الاجتماعية والسياسية. القوى الداعية لتطبيق الديمقراطية بما فيها الانتخابات التعددية وحرية الصحافة والتجمع والرأي وتاسيس الاحزاب والنقابات الخ. اما في الصين، فانه رغم نمو الاقتصاد الصيني شيئا فشيئا ليصبح، ربما، واحداً من اخطر اركان العولمة الاقتصادية الجديدة، فان الصينيين لا يزالون يرزحون تحت نظام سياسي شمولي لا يحتمل التعددية الفكرية والسياسية ولايطيق رؤية مجتمع مدني مستقل. وتجربة الصينين ليست فريدة في تبيان ان انظمة سلطوية وشمولية، في ظل ظروف مؤاتية وقبل كل شيء سياسات اقتصادية حكيمة، تدفع وتائر النمو الاقتصادي عاليا . في امريكا اللاتينية ثمة امثلة مهمة على ذلك، ليس اقلها نمو اقتصادات السوق وازدهار الراسمالية في تشيلي بعد انقلاب بينوشيت . فبدون نمو وترعرع قوى اجتماعية وسياسية في الصين داعية بوعي وقوة الى تطبيق الديمقراطية فان من الصعوبة، تماما، توقع تحول النمو الاقتصادي الهائل فيها، عفويا او بطريقة ميكانيكية الى الى عتلة رافعة للديمقراطية. بالرغم من انطلاق اقتصادات السوق في الصين وغيرها يستند على الطبقة الوسطى ويوسعها، ايضا.
الخلاصة ان "الضغوطات باتجاه تحويل الانظمة الديكتاتورية الى ديمقراطية عادة ما تكون مستقلة عن مدى اخفاق او نجاح الانظمة في تنمية الاقتصاد وتطبيق اصلاحات الاقتصاد الحر. هناك علاقة بين السوق والانفتاح والانتخابات الحرة، فكلاهما ينبع، نظريا، من مبدأ الحرية، ومستمد، عمليا، من معطيات محافظة الانظمة على نفسها. بيد ان هذ العلاقة ليست سببية، من زاوية نظر التحول نحو الديمقراطية" .
فقط عندما تدخل الطبقة الوسطى كمكون اساسي من مكونات مجتمع مدني عراقي مستقل عن الحكومة، مجتمع يطالب بالتغيير السياسي ديمقراطيا ويسعى للاصلاح السياسي سلميا يمكن الحديث عن دور تحويلي للطبقة الوسطى في الانتقال للديمقراطية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا وراء تقارب السودان وروسيا؟


.. الاحتجاجات الداعمة لغزة: رئيسة جامعة كولومبيا تهدد بفصل طلاب




.. بلينكن: أمام حماس عرض -سخي- من قبل إسرائيل.. ماذا قال مصدر ل


.. الانتخابات الأميركية.. شعبية بايدن | #الظهيرة




.. ملك بريطانيا تشارلز يستأنف مهامه العامة | #عاجل