الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قهوة الروح الجديدة

رحمن خضير عباس

2011 / 2 / 26
الادب والفن


صدرت للقاص والفنان المغربي عبد القهار الحجازي, عن مؤسسة التنوخي للطباعة والنشر , مجموعة قصصية بعنوان ( قهوة الروح الجديدة ) . وهي المجموعة الثانية بعد مجموعته الأولى ( خنازير الظلام ). والكاتب لمن لايعرفه من الفنانين المغاربة في الحقل الموسيقي . عازف على العود وباحث في الموسيقى , وله كتابان في هذا المضمار : ( ابحاث في التربية الموسيقية ) و (مدخل الى التربية الموسيقية ) . كما اصدر بمعية بعض الفنانين والكتاب المغاربة ( مجلة نغم ) التي تستعد لأصدار عددها الرابع . مكرسة جهدها عن الموسيقى كتربية وتذوّق وثقافة .
ومجموعته (قهوة الروح الجديدة ) تضم 13 قصة قصيرة . ذات مناخات مختلفة , ولكنها تمثل حزمة من الأفكار طُرحت يشكل قصصي . ولللأقصوصة موقع في الذاكرة الجمعية المغربية . حيث برز الكثير من ادباء الفطرة , واغلبهم اميّون , يتلون القصص في حلقات السوق والساحات العامة . وتستقي هذه القصص منابعها من الملاحم التأريخية , وحكايات السلف والقصص الدينية , كما تستقي ذلك من ابداعات هؤلاء الرواة الذين يستقطبون المستمعين بفيض اخيلتهم الزاخرة با العطاء . وبقدرتهم المسرحية على تجسيد المواقف , باساليب فنية وقابليات لغوية . وقد ألهم هذا القص وطرائقه الفنان الصدّيقي للتألق بما يسمى مسرح الفرجة . ومن كتّاب القصة الذين بلغوا العالمية محمد المرابط وعبد السلام بلعيش , وذلك بفضل الأديب الأمريكي ( بول باولز ) المقيم في طنجة انذاك , والذي ترجم قصصهم وقدمها الى الغرب . ولا ادّعي بأن الأتجاهات الحديثة في القصة المغربية قد خرجت من عباءة القص العامي ولكنها تأثرت به . اضافةالى انها . كانت نتاجا للتلاقح بينها وبين الأدب الفرنسي الثري في عطائه والموغل في اصالته . حيث أن هيمنة الثقافة واللغة الفرنسية في المغرب , جعل المغاربة يستفيدون منها في بناء حركتهم الأدبية , في اطار محليتهم .
وقد تكون القصة القصيرة اكثر التصاقا بالقاريء .لأنها قوية التأثير فيه, وتكمن قوتها في الشحنات التي تكتنزها , حتى كأنها كاميرا تقوم بلقطات لتأطير المشهد , فهي تحرره من حالة الأستلاب والخضوع لما هو محضور من قيوداجتماعية او سياسية , مما يجعل الكاتب منفلتا من ضغط عناصر التحريم والمنع , منقذفا في مرمى الأبداع الذي يشترط المسؤولية والألمام بحرفة الكتابة .
تعكس هذه المجموعة تجربة فنية على صعيد الوعي الفكري لفنان ومثقف يحاول استشعار ما يحيط به من عوالم , بعضها يرتبط بالواقع بشكل وثيق وبعضها مُتخيل ينأى عن الواقع او يطفوا عليه وذلك تبعا للمضامين المختلفة التي ضمتها المجموعة . حيث انها تعتمد على احداث وقعت فعلا او بالأمكان وقوعها . فتتسرب الأحداث بشكل بسيط وسلس , محاولا من خلالها ان يبني جسرا من التفاهم مع المتلقي .
والقصة عند عبد القهار الحجازي مجال واسع للفكرة , دون الأهتمام باللغة . حيث تبرز الفكرة دون ان تتأطر بالزخارف الفنية كالوصف والتشبيه والأستعارة , فقد يعتقد ان ذلك يرهق النص . لذالك فقد حرر نفسه من ترف اللغة . ولم يكترث لوضع خلفية مناسبة لقصصه . فهو يقدم مضامينه بشكل حاد ومباشر دون مساحيق اللغة وجمالياتها , لذالك جاءت اغلب قصصه على هيئة ومضات سريعة ولقطات عابرة تعبّر عن دهشة الكاتب ازاء غرائبية المشهد الذي يحيط به . والذي يستدرجه من خلال هذه النصوص . ورغم انه لم يكترث للفضاء الزمني فجعله سائبا , بينما الأحداث تسبح فيه بشكل يتناقض احيانا مع المكان .
والمكان له ملامحه – القرية او المدينة او الشارع او المقهى – كل هذا المكان جاء حافلا بالحدث محتضنا ابطاله .تنساب قصص المجموعة بتلقائية وتتمخض عن عدة اسئلة , ربما تظهر الأجابة عنها في ثنايا المضمون . وفي احيان اخرى تبقى الأجابة سائبة . وفي اطار جولته هذه يعكس تجربة واعية لشريحة اجتماعية , يسكنها هاجس الأنفلات من المسلمات الكبرى والطابوهات التي يُمنع تداولها او حتى مناقشتها . كاالمعتقدات والأعراف العامة وحقائق الموت والحياة . انها اسئلة متأزمة وخانقة . لاتستطيع المجموعة هذه الأجابة عليها , فليس من مهمة النص ان يكون بهذه الكيفية , ولكنها تحفز الوعي لمناقشتها بمحاولة استفزاز الركود والقناعة . وفي قصة ( جاليلي ) يُطرح سؤال : ( هل الأرض كروية الشكل ؟ وهل تدور حقا ؟ ) وحينما تأتيه الأجابة بنعم , يُعلن معرفته مُسبقا ولكن ( اريد أن أتأكد ) . وفي هذه القصة يحاول الكاتب ان يرمي حجرا في ماء راكد , من اجل تحريكه فقط , تاركا الأجابات مبهمة وسائبة بمواجهة اسئلة شرسة .
وفي قصة اخرى يتناول حادثة خطف من قبل مجهولين , يتخللها استنطاق الضحية بشكل وحشي وتعذيبي ولكن المجهولين يريدون معرفة لون الضحية وعاطفتها . ورغم أن الخطف مُتـخيل ولكنه يشير الى عجز الأنسان ازاء القوة المحيطة به والتي تفرغه من انسانيته , وتريد التحكم في مقاساته , وتحاول ان تفرض عليه ما تشاء , مستغلة عجزه عن مواجهتها . وفي قصة ( افكار ) يطرح مضمونا مفاده أن ثمة برزخا ما بين الفكرة كنتاج انساني راق وبين صاحب الفكرة الذي ينبغي ان يتجرد من انانيته . ورغم ان الصياغة كانت رمزية , ولكنه لم يوفق في طرحها فنيا , فجاء النص هابطا وغير مقنع . على عكس قصته ( حمامة ) والتي تناول فيها معنى الموت والحياة لبشر مختلفين في كل شيء , ولا يجمعهم الاّ الأسم , والذي ينطبق على التأنيث والتذكير . وحينما يُعلن خبر موت حمامة , تسري التكهنات التي تنمّ عن موت كل من يحمل هذا الأسم , وكأن لعنة اصابت الجميع . ولكن اشاعة مضادة تنفي موت الجميع . وكأن الموت وهم , والحياة هي الحقيقة المتجذرة .
وفي قصة ( معتوه ) يدين الكاتب هذا العالم وعوامله المدمرة للفرد . المتجرد من كل قوّة , والأعزل في مواجهة غير متعادلة . حتى أنّ جنونه ماهو الا محاولة لإقتحام مصيره . والأحتجاج على الجنون غير المرئي للعالم (كائن هارب من الأضواء والأنواء واشباح الموت ) . وما هروبه سوى محاولة لحماية الوعي وعدم القدرة على التوازن . وقد استخدم الكاتب ادواته اللغوية من اجل شحن الموقف بدفقات عاطفية تجعل القاريء متعاطفا مع حالة الجنون ومبررا سلوكها غير السوّي .
وقد تناول في ( سيزيف ) معاناة المواطنين وهم يصارعون الفساد في الجهاز الأداري . وبفضح مظاهر الخلل والتحلل الذي ينخر مثل هذا الجهاز ,والذي لايأبه للمشقة التي تُثقل كاهل المواطن . هذا المواطن الذي يرفع صخرة الألم والبؤس والخيبة الى القمة , علّه يصل الى قمة الأمل , ولكن فداحة الألم تتجسد بسقوط الصخرة من جديد , ليستمر المواطن بمواصلة الألم . لقد ادان الكاتب مثل هذا التعسف , بعد أن شخّصه ورفضه . واعتقد انه لم يفتعل الحدث , وانما التقطه من واقع حيّ ومُعاش . وهنا تكمن مهمة الأديب في كونه يصبح عينا على الظواهر الشاذة والناشذة من اجال رفضها وتغييرها .
لقد برهن الكاتب عبد القهار الحجازي على التزامه الأدبي والأخلاقي لهموم الطبقات المعدمة في المجتمع , والتي تعيش حياة مشحونة بالهم اليومي . ينخرها الخوف من المجهول , وتفشي الخرافة . وقد ربط بين هذه الآفات الأجتماعية القائمة وبين اسبابها . وقد التقط ابطاله من القاع الأجتماعي , ومن رحم الحياة اليومية , ليؤسس منهم وبهم بهاء المستقبل القادم , والذي يتأسس على فكرة العدالة والمساوات . وفي غمرة الفكرة التي شغلت الكاتب , فانه لم يتجاوز الأطر الفنية . كما انه استخدم لغة قصصية سلسة وواقعية , ولم يتردد في استخدام اللهجة المحكية في محاولة للوصول الى القاريء بيسر وسهولة .
اوناوة في 17 /02 /2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القبض على الفنان عباس أبو الحسن بسبب دهس سيدتين


.. كرنفال الثقافات في برلين ينبض بالحياة والألوان والموسيقى وال




.. هنا صدم الفنان عباس ا?بو الحسن سيدتين بسيارته في الشيخ زايد


.. إيران تجري تحقيقا في تحطم المروحية.. وتركيا تتحدث عن رواية ج




.. ضبط الفنان عباس أبو الحسن بعد اصطدام سيارته بسيدتين في الشيخ