الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق : فرصة العودة للوطنية

عبد الرحمن دارا سليمان

2011 / 2 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


إذا كانت النخبة السياسية الحاكمة في العراق هذا اليوم، تسعى الى تجنّب مخاطر الإنفجار الشامل التي يمكن أن تدخل البلاد في حالة من الفوضى التي لا يمكن السيطرة عليها وتسعى حقيقة، الى قطع الطريق على أية محاولة من محاولات الإرتداد السياسي، فليس أمامها من سبيل سوى المراجعة الجذرية العميقة، لجميع خياراتها السياسية السابقة والعودة الى بلورة خيارات جديدة تتفق مع المصالح العامّة للشعب العراقي بكافّة فئاته وشرائحه الإجتماعية المختلفة، والعمل الجدّي وفقا للدستور، على البدء بالتأسيس لدولة مدنية وديمقراطية وتعددية تقوم على مبدأ المواطنة فعليا، لا بمجرّد التصريحات الإعلامية والخطابات الكاذبة والوعود المملّة التي أدّت من الناحية العملية الى التهميش المتواصل للمجتمع وقواه الديمقراطية الحقيقية، وحرمانها من التعبير عن رأيها بإستخدام الوسائل والأساليب الملتوية، ومن ممارسة حقّها الطبيعي في المشاركة السياسية في الشأن العام، وأفضت بالتالي، الى التأجيل والمماطلة والمناورة والتشويش والتشويه المتعّمد، للتوجّهات المنصوصة عليها دستوريا، وتخريب برنامج الإصلاحات الديمقراطية الموعودة وإعادة بناء المجتمع على هذا الأساس، والتي ستفرض نفسها عاجلا أم آجلا، كما نشهد اليوم موجتها العارمة في بلدان المنطقة العربية، وتجتاحها الواحدة تلو الأخرى، بعد أن ظلّت عقودا طوال، هي المنطقة الوحيدة المستثناة من دخول العصر وتقبّل مفاهيمه الحديثة وقيمه السائدة عالميا، في العدالة والمساواة والحرّية وإحترام حقوق الإنسان .

وبدون أدنى شكّ، فقد نجحت النخبة السياسية المتنفذة الى حدّ كبير منذ عام 2003، على التعيّش والإرتزاق على حالة التفكّك والتّجزؤ وتغذية العصبيات الفرعية والإنقسامات الداخلية التي طرأت على الهوية الوطنية الجامعة والتمديد والتجديد المتواصل لها، حتى أوصلت الأوضاع القائمة على المحاصصة والصراعات الضيّقة حول تقاسم السلطة والثروة والنفوذ، الى الإنقسام داخل الدين والمذهب الواحد نفسه، بعد تفكيك القوى الوطنية، وتحويل السياسة من ميدان يسمح بالتوصّل الى التفاهم وحلّ النزاعات بين القوى الإجتماعية، الى مجرد مناورات ومشاورات وردود أفعال بائسة ومؤقتة، تدور في الغرف المغلقة، والى ساحة مفتوحة ومغرية لرجال المال والأعمال وأمراء الطوائف والمليشيات والتّجار والوسطاء والطفيليين ومن يلتحق بهم، وإنعكست مظاهرها السلبية الكبرى، في العجز والفشل الذريع عن بناء أغلبية سياسية ثابتة ومتجانسة، وفي إنعدام وجود إجماع سياسي، يمكن له أن ينتشل البلاد من أزماتها العديدة .

وكادت تجربتها، طوال ثمان سنوات عجاف، أن تكون بمثابة التعبير الأصفى عن إخفاق الخيار الديمقراطي، والنموذج الأكثر إساءة ونفورا أمام الرأي العام العراقي والعربي، للفكرة الأساسية للديمقراطية، طالما هي تجسّدت في تطبيقاتها العراقية المشوّهة، كفكرة مرادفة للفوضى الداخلية والفساد الإداري والمالي والنهب المستمرّ للمال العام والإنقسام والتشظي وفقدان الرؤى والتصورّات المتوازنة، لكيفية إدارة الدولة والمجتمع، لولا أنّ الأحداث العاصفة في المنطقة العربية مؤخرا، وتزايد الطلب الجماهيري على الحلول الديمقراطية بإعتبارها المخرج الوحيد لأزماتها الدائمة والمزمنة، ستعيد الإعتبار الى الفكرة وستدفع مرّة أخرى، بالوضع العراقي، الى ذيل الأحداث السياسية الإقليمية التي ستتجاوزها حتما، بعد أن كان بإمكانها أن تكون في وضع أفضل لو أحسنت إدارتها سياسيا وإستطاعت أن تقدّم المثال العادل والنموذج الصحيح لتجاوز الأنماط التقليدية السائدة، وتعزيز مبدأ التداول السلمي للسلطة النابعة بالفعل من الإرادة الشعبية، بعيدا عن أساليب التزوير والتلاعب والإحتكار والأنانية السياسية التي كرّستها المحاصصة الطائفية والأثنية وجعلت الجميع في سباق عبثي مع الجميع، ودفعت في الوقت نفسه جميع الأطراف الى التحلّل تدريجيا، من المسؤوليات العامّة والإلتزامات الجماعية والوطنية الكبرى تجاه المجتمع، وأدارت ظهورها حتى لبرامجها الإنتخابية التي أوصلتها الى سدّة الحكم .

لا يمكن المراهنة إذن، الى ما لا نهاية على تعطيل الروح الوطنية لصالح الطائفية السياسية الراهنة عمليا، والموصوفة بالوضع الديمقراطي والتعددي من الناحية النظرية والدستورية ، وهي تعمل دون توقّف على تنشيط الولاءات الفرعية والثانوية بإسم الدين والقومية، وتزيد من مشاعر التشكيك والخوف والإحباط بين القوى الإجتماعية والتيارات السياسية المختلفة، وتقضي في الوقت نفسه، على أيّة محاولة لنشوء توازنات سياسية جديدة على أساس مدني راسخ يمكن أن يقود البلاد الى الإستقرار السياسي . ذلك أنّ توليد الشعور بالوطنية وبناء الجماعة السياسية الوطنية التي يمكن أن تعمل بصورة منظمّة ومتسقة من أجل إدارة شؤون الدولة والمجتمع، يستدعي إنحلال العلاقات التقليدية والعمل بالعكس ممّا يجري الآن، على إضعافها وتفكيكها لصالح علاقة أرقى وأسمى، الا وهي علاقة المواطنة كإطار يستجيب ويستوعب حاجات الأفراد والجماعات وتقدّم لهم وضعية يرضون عنها وقيّما ومعاييرا ووسائل، تتيح لهم تحقيق الذات الذي لا يمكن أن يكون الاّ جماعيا .

إذ أنّ ما يسمى بالبنيان السياسي للمجتمع، يهدف الى جعل الدولة، مركزا للولاء العام ومقرّا يتّم في إطاره تجاوز علاقات التضامن الطبيعية، الدينية والأثنية والمذهبية، وبديلا لها، لا أن تكون الدولة ذاتها هي الأصل في توليد مشاعر الإنتماء الخاصة وتحمل مسؤولية إدارتها وتوظيفها في إستراتيجيتها السياسية، كما جرى الحال منذ عام 2003 ، وأدّت الى إستمرار غياب السيادة الفعلية للدولة وإرتباط وجودها بالخضوع للإستراتيجيات الإقليمية والدولية لدرجة أنّ مسؤول كبير في الدولة قد وصف بنفسه الإنتخابات الأخيرة ، بإنتخابات إقليمية تجري في العراق على سبيل المثال لا الحصر .

وبقدر ما تفقد الدولة، طابعها التمثيلي للقوى الإجتماعية المتعددة، يستمر الصراع الإجتماعي في شكله العصبوي الحالي، ويتحوّل كما شهدنا، الى صراع بين طوائف وعشائر ومناطق وأقاليم مختلفة على حساب الأغلبية العامّة من المكوّنات والأفراد ذوي الإنتماءات الدينية والقومية المهمّشة والمستبعدة، مثل المسيحيين والصابئة واليزيدين والكرد الفيلية وغيرهم ممّن يتعرضون دوريا للإنتهاكات اللإ إنسانية بإعتبارهم الحلقات الأضعف داخل غابة الصراع السياسي الدائر، ولا يستطيعون أن يجدوا التعبير عن أنفسهم في دولة طائفية شبه مغلقة، ولا أن يشعروا بالأمان والسلم الأهلي في ظلّ أوضاع سياسية متأزمة لا تعيد الاّ إنتاج نفسها . وقد توفرّ الأحداث العاصفة في المنطقة العربية، فرصة نادرة للنخبة الحاكمة، لتصحيح المسار السياسي في البلاد، والعودة الى إحياء الروح الوطنية وتجاوز المصالح الجزئية المختلفة وأن تقبل بالقيام بتضحيات فعلية لا شكلية تمسّ الميادين المادّية والمعنوية كافة وتتخلّى في المضمون، عن العصبيات الطائفية والمناطقية والعشائرية المدمّرة للمدنية والتي تتناقض تماما دولة المواطنة والقانون والمؤسسات والحقوق السياسية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أحلام عموري: نوجهولها تحية في نار جهنم .. عن من تتحدث؟ ????


.. الانتخابات الأوروبية: قيمة استطلاعات الرأي • فرانس 24 / FRAN




.. السودان.. الحركات المسلحة تخسر أعنف المعارك في الفاشر، وبحري


.. الرئاسة الفلسطينية : تصريحات المرشد الإيراني لا تخدم القضية 




.. مراسل الجزيرة: 4 شهداء بينهم طفلان إثر استهداف الاحتلال شقة