الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القدافي - الثائر - والقدافي المتسلط

محمد بودواهي

2011 / 2 / 27
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


.
بعد نجاح ثورتي تونس ومصر في الإطاحة بنظامي بن علي ومبارك الفاشيين هاهو الشعب الليبي يصنع ملحمته التاريخية البطولية في مواجهة ماكينة التقتيل والتصفية التي تنهجها مؤسساته البوليسية والعسكرية العدوانية والتي فاقت في همجيتها وبربريتها كل تصورات العقل
فالقدافي المريض بجنون العظمة لم يكن يتصور أن علاقته بالشعب يمكن أن تخرج عن إطار التفخيم والتقديس ، فهو في نظر نفسه رمز وطني تاريخي ومقدس لا يمكن أن يطاله النقد أو المساءلة أو التغيير ، وهو الشيئ الذي رسخته في ذهنه وذهن الجماهير حاشية متسلطة و إعلام مأجور ونخبة مثقفة انتفاعية عن طريق الدعاية لنظريتة السياسوية والشعبوية التي اتي بها في كتابه الاخضروالمليئة بكل أنواع الدجل والسفسطة
فبعد انقلابه علي النطام الملكي في ليبيا سنة 1969 استطاع القدافي أن يصنع من نفسه بطلا أسطوريا في مخيلة الشعب وذلك نظرا لتلك المميزات التي استطاع أن يطبع بها نظام حكمه . فالرجل خرج عن المألوف في تناول اسلوب الحكم بطرحه للعديد من التصورات التي اختلطت فيها الديماغوجية بالشعبوية والثوربة الزائفة بالحماسة المفرطة فابتدع لذلك نظرية متكاملة انطلقت منها بتسمية الانقلاب بثورة الفاتح ، ونعت دولته الجديدة بالجماهيرية الشعبية الديموقراطية حتى يصفها بدولة الجماهير التي لا مكان فيها للرئيس أو الحاكم أو القائد ، وعمل على تكوين ما سماه باللجان الثورية ومجموعة من الأجهزة الأخرى ذات الصبغة المحلية والوطنية حتى تمارس الدعاية لإيديولوجية شعبوية تضليلية مغلوطة ما فتئت تصور نظام الحكم على أنه من الشعب وإلى الشعب وأن وضع القدافي فيه لا يعدو أن يكون رمزيا وشرفيا وأن عموم الجماهير لها كامل الحرية في تدبير شؤونها بنفسها ، ووزع بعد ذلك كتائب الشرطة على أولاده ليترأسوها حتى تكون درعه الواقي من أية مفاجآت محتملة وسمى كل واحدة باسمها ، كما عمل على تقسيم الجيش إلى وحدات متفرقة لا تجمعها أية صلة و لا تخضع لجهاز رئاسي واحد حتى لا تستطيع اتخاد أي قرار موحد، وقام باغتيال معارضيه السياسيين كالمناضل الأمازيغي سعيد سيفاو وآخرين كثيرين ، وانتهج سياسة خارجية اندفاعية وعدوانية اتجاه العديد من الدول والأنظمة العربية وغير العربية وقام بتسليح معارضيها لزعزعة الاستقرار فيها ، وناصر العديد من الحركات الانفصالية ذات التوجهات السياسية المختلفة ، كما عمل على تأسيس أجهزة خاصة لتكوين وتدريب الانتحاريين للقيام باعمال ذات صبغة ارهابية كاختطاف الطائرات وتفجيرها ، وعمل على خلق بؤر للتمرد والعصيان في بلدان إفريقية عدة ذات الأوضاع السياسية الهشة ، وهو الأمر الذي جعل أمريكا والدول الغربية تصنف ليبيا ضمن الدول المارقة التي يجب معاقبتها
غير أن المستجدات التي عرفتها الساحة الليبية على إثر خروج المتظاهرين إلى الشارع بعد أن ألهمتهم ثورتا تونس ومصر الشعبيتين لم تكن أبدا في حسبان القدافي . فهو كان يعتقد بكل نرجسية أن ليبيا بعيدة كل البعد عما يدور في محيطها الإقليمي وأنها مصونة من أي مد ثوري لأن ليبيا هي أصلا ثورية وبالتالي فهي لا تحتاج لأي ثورة . هذه الأحلام التي كانت تراود القدافي هي التي جعلته يسقط في حالة هستيرية قاتلة عندما خرج المتظاهرون في مدينة بنغازي والبيضاء وغيرها من المدن الشرقية للاحتجاج بشكل سلمي وحضاري فواجههم بإطلاق الرصاص الحي بشكل عشوائي وجنوني مما أدى إلى سقوط المئات من القتلى والجرحى في صفوف النساء والرجال والشباب والأطفال على حد سواء ، وهو الأمر الذي استهجنه واستنكره كل العالم وأدى إلى استقالة مجموعة من الوزراء والسفراء ومندوب ليبيا في الأمم المتحدة وقياديي الجيش وانضمام الكثير من الكتائب العسكرية إلى صفوف المتظاهرين وهروب العديد من الطيارين ورفضهم القصف بالطائرات
لقد ظهر القدافي على حقيقته الاجرامية والعدائية امام شعبه وأمام الرأي العام الدولي بعد أول امتحان حقيقي صادفه . فالرجل الذي كان يدعي التقدمية والوطنية وكان يملأ الدنيا بشعارات ثورية رنانة واصفا نفسه بابن الشعب وخادم الشعب سرعان ما انقلب إلى هتلر شعبه . هتلر اشتهر بالإبادة والقتل الجماعي لكن ليس لأبناء جلدته بل لأقوام أخرى ، أما القدافي فقد مارس الإبادة الجماعية في حق أبناء وطنه مما يجعل الثاني أكثر إجرامية من الأول وبكل المقاييس
إن الصورة التي ظهر فيها القدافي في خطابه الأخير ليعبر حقيقة على ما هو عليه الرجل من حالة نفسية وعقلية مهزوزة . فهو لا يتصور أن ليبيا يمكن أن تعيش بدونه ، كما لا يتصور أن ليبيا يمكن أن يحكمها رجل آخر غيره . غير أن ما لا يمكن فهمه على الإطلاق هو ان يقوم بجلب المرتزقة من بلدان إفريقية مجاورة كتشاد ومالي والنيجر ويمدهم بالسلاح ويأمرهم بقتل أبناء وطنه وشعبه مقابل 2000 دينارليبي في اليوم ، وأن يأمر الطيارين بقصف المواطنين بالطائرات في طرابلس والمدن المجاورة ويبث الرعب في نفوسهم بتوظيف ما يسمى باللجان الثورية الإجرامية لممارسة الدبح والتقتيل لمجرد أنهم خرجوا في تظاهرات سلمية للمطالبة بحياة كريمة ويأتي بعد ذلك ليسمي الشعب بشعبي والوطن بوطني ؟؟
إنه إنسان مهووس إلى حد كبير بجنون العظمة ، ولعل ما جعله على هذا الحال السيئ هو إحساسه الخاطئ بأن الشعب الليبي الذي قبل به لمدة تفوق 40 سنة لا بد من أن يجعل منه رمزا تاريخيا ينصب له التذكار في كل المدن الليبية
إنه نيرون ليبيا بامتياز








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشييع شهيد سقط برصاص الاحتلال الإسرائيلي في بيت فوريك بالضفة


.. رغم سيطرة الاحتلال على المنطقة.. القسام تنجح في تنفيذ كمين ض




.. موكب دراجات نارية بمسيرة لدعم غزة في النرويج


.. نازحون في غزة يستغيثون: -تحملنا فوق طاقتنا وكل يوم ناكل رمل-




.. وزارة الصحة السعودية تؤكد للعربية عدم تسجيل أي أمراض معدية ب