الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جوِّع أم شبِّع شعبك، يتبعك؟

علي الأمين السويد

2011 / 2 / 27
كتابات ساخرة


توارثت الطبقات الإقطاعية العلنية في القرون الماضيةِ مقولاتٍ تصف طرق تثبيت سيطرتها على الرعية المُعْدمة، فكان من أهم القواعد المتبعة تلك التي تقول:"جوِّع كلبك، يتبعك." وبالفعل فقد أثبتت هذه القاعدة نجاعة وفعاليةً لا مثيل لها في إرساء سيطرة تلك الطبقة المستأسدة على باقي طبقات الكادحين المسحوقة، فكلما اشتد بخل الإقطاعي أو "ألبيك"، اشتدت حاجة الفلاحين إليه، واشتدت درجة ولائهم، بل وأصبح المقرب من ألبيك، هو، فقط، الذي يتفنن في ابتكار أفكار تزيد من ثروة ألبيك بتفقير من يحكمهم و انتزاع ولائهم بنفس الوقت.
ذهبت الإقطاعيات القديمة وحلت محلها إقطاعيات ثورية حديثة بدءاً من سنوات التحرر الجزئي من الاستعمار المباشر في منتصف القرن الماضي حتى ثار البوعزيزي على نفسه المُجوَّعة فأحرقها ليتخلص من حاجتها للطعام.
أما في البلاد التي صاحبها ظهور فجائي للثروات الطبيعية الطائلة والتي كانت محكومة بطبقة لم يتيسر لها التعليم أو الاطلاع بحكم مداهمة الثروة لها وبحكم أن الاستمتاع بالثروة يستهلك معظم وقتها، صار لزاماً على هذه الطبقة أن تفكر بطريقة تؤصل و تثبِّت وجودها كطبقة حاكمة مطلقة، فصارت تخطط لاستمرار وجودها للأبد، فوضعت الشعار الإقطاعي السابق - :"جوِّع كلبك، يتبعك" على بساط البحث، فخرجوا بنتيجة مفادها يتلخص في معادلةٍ تقول: بما أنهم لا يملكون العلم والمعرفة التي تمكنهم من البقاء في مقدمة مجتمعاتهم أو المقومات التي تكرس النظر إليهم على أنهم مميزون، فقاموا بمقايضة ضعفهم بتغيير نص المقولة الإقطاعية القاسية تلك إلى " شبِّع كلبك، يتبعك." ومن الواضح أن هذه السياسة لاقت نجاحاً مضطرداً بدءاً منذ اكتشاف النفط إلى أن ثار البوعزيزي على نفسه فأحرقها.
و بنظرة سريعة على أنظمة الحكم العربية القائمة من المحيط إلى الخليج، يمكن تصنيف سياساتها اعتماداً على المقولتين السابقتين:"جوِّع كلبك، يتبعك."و " شبِّع كلبك، يتبعك."
ومن تفحص هذين المبدأين يمكن استنتاج الآتي:
أن كلا نظامي الحكم يعتبران الشعوب، مع احترامي الشديد للشعوب، "كلابا"ً تبعاً للمقولتين والأدلة باتت متوفرة للقاصي والداني هو ما يحصل الآن على صعيد المنطقة العربية من كشف لهذا المستور.
فالدول التي "تجوِّع"، كانت تتذرع بالفقر والعوز، والظروف الحساسة من تاريخ الأمة، وبعد البوعزيزي، انتهت طوارئ الأمة، و حُررت فلسطين، وقضي على المؤامرات الصهيونية والامبريالية، و الإرهابية، والشيطانية و صارت الدولارات تسير إلى جيوب الناس من كل فج عميق.

كيف لا وقد توالت اكتشافات الكنوز عند هذا الحاكم أو ذاك، بعد أو قبل سقوطه، وصار البعض الذي لم يحنْ دوره في السقوط ، يرخي قبضته وينثر ماله أقصد "مال أبيه الذي خلّفه" على شعبه، فتبين بالدليل القاطع أن هذه الدول التي كانت تدعي الفقر، ليست فقيرة وإنما حكامها حقيقة هم الطبقة الإقطاعية الذين جربوا "جوِّع كلبك، يتبعك" إلى أن وصلت الحالة بالكلب إلى مرحلة العضَّ أو التخطيط للعض، هم من أفقروها.

أما الأنظمة التي اتبعت النظام السياسي الآخر:"شبِّع كلبك، يتبعك"، وجدت نفسها مضطرة لدفع المزيد من الفواتير وذلك نتيجة للدلال المفرط الذي نتج عنه اعتماد مفرط على سخاء الأنظمة الذي أخذ يقل منسوبه قبل البوعزيزي بسنوات.
وببركات البوعزيزي، هطلت مليارات الدولارات على شعوب المنطقة التي كان يُظن أنها "شبعانة"، لتسد الباب على أي "عضَّات" محتملة، أو مخططٌ لها أو حتى عضات طائشة.
والسؤال الملحّ هنا يوجَّه لهذه الأنظمة التي "جوَّعت" أو التي "شبعَّت" شعبها هو: أين كانت تلك الأموال، ولماذا ظهرت الآن؟

فمن الواضح أن هنالك مليون سبب وسبب يجعل الشعوب المُجوَّعة تثور وتمسك بخنّاق أنظمتها ولا تفلتها حتى تتأكد أنها زهقت روحها، فكل أسباب الفقر والظلم في كفة واعتبارها "كلباً" في كفة، وكفة اعتبار الشعوب كلابا هي التي تزيد في غيظ الشعوب ولا ينفع بعد رجحانها أية محاولات لاستبدالها أو تجميلها كما حاول زين العابدين حين قال "فهمتكم"، فقبلها كان لا يستمع إلى أنين شعبه لأنه كان يعتبر صرخات شعبه نباحاً لا يلبث أن يتلاشى، وكذا الحال في اليمن الآن الذي يعتبر "بيكه" أن مآل الكلب النبّاح إلى صمت أكيد.
أما مبارك فقد دفع ببلطجيته لتأديب الكلاب، وقد ثبت أن وصف الشعب بالكلب عادة متبعة عند الضباط الأحرار السابقين، و لا ننسى أن السادات قد قال عن أحد معارضيه أمام مجلس الـ( ...) "الشعب" بـ "مرمي في السجن زي الكلب" وهذا "الكلب" هو فرد من الشعب، أي أنه واحدٌ من الشعب وهذا الفرد يساوي كلباً، فما يكون برأيكم صفة جمع أمثال ذلك المعارض وفق هذه المعادلة؟
وهذا القذافي يصف شعبه بالمهلوس والشارد والهائج وربما نسي أن يقول ما كان يفكر به لشدة غضبه وفقده للتركيز، فقد كان وصفه يدور في فلك مفردة "كلاب" ولكنه على ما يبدو قد خانته التعابير، فأرسل عليهم مرتزقة أبابيل ترميهم برصاص دون وجل أو تأجيل.

هذا بالنسبة للأنظمة التي تجوِّع، أما بالنسبة للأنظمة التي تشبِّع، فقد دفعت بالأموال، هكذا، فجأة بين يدي شعوبها، فهذا الحاكم أو ذاك صار يفتح محفظته مثل السكران الذي راقته راقصة في إحدى الحانات، لتسقط منها مليارات الدولارات التي حُبست عن شعبه، هذا الشعب المحسود على كل شيء بالرغم من أن هنالك أكثر من ثلثه يرزح تحت فقر شديد إذا ما حسبت تكاليف الحياة في بلدهم.
فتْحُ هذه المحفظة بهذه الطريقة، كان سبباً في فتح باب التساؤلات والتي منها: ماذا لو لم يحرق البوعزيزي نفسه، وهب الشعب الحرُّ في تونس ومصر وليبيا؟ هل ستبقى الشعوب مثلما يعتبرها حكامها (...)؟ أم هل ستبقى ناظرة إلى محافظ إقطاعييها المتخمة بمليارات الدولارات يدعون الله أن يسكر حاملها ساعة؟ ولماذا يبقون هكذا و إلى متى؟
قبل البوعزيزي، رحمة الله عليه، كانت الإجابة على هذه التساؤلات بدهية ومجالاً للسخرية لكونها بسيطة تتلخص في القول إما مستحيل، أو حين يلج الجمل في خرم الإبرة، أو بمعنى المثل "عيش يا كديش... حتى ينبت الحشيش"، ولكن بعد البوعزيزي و انحسار اللثام عن ثروات فهمان تونس، وبلطجي مصر، وعميد المرتزقة القذافي، صار التنبؤ بمواقع الثورات العربية مثل توقع مكامن الألغام الأرضية، فكل بقعة يدعي أصحابها أنها أنظف من غيرها، إنفجر فيها لغم أكبر من الذي انفجر في غيرها. نعم لقد تغيرت الإجابة المحبطة لتصبح : ربما قد آن الآوان، فقد عاش الكديش ونبت الحشيش.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انتظرونا غداً..في كلمة أخيرة والفنانة ياسمين علي والفنان صدق


.. جولة في عاصمة الثقافة الأوروبية لعام 2024 | يوروماكس




.. المخرج كريم السبكي- جمعتني كمياء بالمو?لف وسام صبري في فيلم


.. صباح العربية | بمشاركة نجوم عالميين.. زرقاء اليمامة: أول أوب




.. -صباح العربية- يلتقي فنانة الأوبرا السعودية سوسن البهيتي