الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سنة الله في سقوط أنظمة الاستبداد

ياسين الورزادي

2011 / 2 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


هل الأنظمة العربية ركن من أركان القضاء والقدر ؟ هل تستمد شرعيتها من السماء أم من الأرض ؟ هل هي لعنة الرب على شعوب العرب ؟ هل هي عقاب الآجلة في دنيا العاجلة ؟ هل لها قانون يحكمها وينظم حركتها ويضبط مساراتها ؟ أم أنها أنظمة قد خرجت على كل قانون ولا يمكن أن يضبطها ناموس أو سنة لأن حركتها عشوائية وسيرها فوضوي ؟ فكيف يمكن ضبطها إذن ؟ أي سنة يمكن أن تساعدنا على فهمها ومن تمة التنبؤ بمستقبلها ؟ هذا ما سنحاول أن نجيب عليه في هذا المقال .

صحيح أن التنبؤ بالمستقبل أمر صعب المنال والبحث في سنن التاريخ أمر صعب كذلك ولكن إذا تأملنا قليلا ما يجري من أحداث في العالم العربي نسيتطيع أن ندرك أن هناك سنن تجري عليها الحياة وإن حاولت الأنظمة العربية الخروج عنها و التشبث بمنطق الاستبداد والفوضى الخلاقة إلا أن التاريخ لا يرحم ولا منطق له إلا منطق الضرورة الحتمية التي تعني الحرية للشعوب لأن الحرية هي أن تعرف الضرورة ومعرفتها تمكن من إدراك سننها وقوانينها وبالتالي توظيفها في الصراع الاجتماعي بكل أبعاده ومستوياته الأيديولوجية والسياسية والثقافية.

ولعل هذه السنن التي نسعى إلى إكتشافها قد سبقنا إليها العالم المغربي ابن خلدون الذي كتب مقدمته المشهورة عن فقه العمران و الذي كان أول من أرسى قواعد علم الاجتماع والتاريخ الحديث وأول من ألف فيهما ووضع قواعدهما . لكن مهمة ابن خلدون قد انتهت بإنتهاء الظروف والأوضاع التي أنتجت تصوراته وتحليلاته وبالتالي فتجاوزه هو تجاوز للأوضاع والملابسات التاريخية التي حكمت أفقه المعرفي و شرطت مواقفه بشروط الواقع المعاش بكل تجلياته.

وفي الحقيقة فإن البحث في الماضي القريب أو البعيد يلقي الضوء على فهم الواقع ويفتح الأفق نحو تجاوزه . هذا التاريخ الذي ساهمت في بلورته وإعادة إنتاج معالمه ظروف إقتصادية واجتماعية وثقافية وفكرية لا يمكن بدونها أن نفهم الوضع الراهن وهي ظروف تتعلق بالاستبداد وبالعالم الغربي وبمواقف العلماء وبالنخبة وبالمجتمع أيضا . هذه كلها عناصر قامت بدور سلبي أو إيجابي في صناعة الواقع المعاصر .

والحديث عن السنن والقوانين لا يعني القول بالضرورة العمياء فالضرورة ليست عمياء إلا مادامت غير مفهومة , وإنما يعني فهم هذه السنن و إستغلاها وتوظيفها في صالح المجتمع ومن أجل المجتمع فقط ومن ثم من أجل الإنسانية جميعها.

ألم يفعل ماركس ذلك أيضا حين درس االنظام الرأسمالي وكشف عن قوانينه ومن تمة عن عيوبه ومستتقبله لكن ماركس بالرغم من تنبؤه بسقوط النظام الرأسمالي وهذا ما لم يحدث إلا أنه قال ذلك بدافع أيديولوجي لتحريك الجماهير وبث العزيمة والحماس والوعي الطبقي في نفوسها فهو لم يفشل في تحليله ولم يفشل في قرائته للواقع لأن الأمر معلق بإرادة الانسان الحرة في تحقيق التغيير وتجاوز النظام الرأسمالي. ولكن الذي جائوا من بعده من االمتمركسين لم يفهموا ماركسيته وجمدوا على مقولاتها وجعلوا منها وحيا منزلا ومن ثمة عجزوا عن تجاوز الواقع وعجزوا عن تقديم البدائل وفهم ما يجري ولم يعرفوا أن الماركسية منهج متطور ورؤية متحولة للأوضاع المتغيرة.

والذي يهمنا هنا ليس دراسة أحوال الأنظمة وما يعرض لها من طوارئ وحالات وتغيرات وإنما دور الشعوب في تعجيل تلك الحالات وتسريع تلك التغيرات حتى تعي دورها الحقيقي وتعي مهمتها الإصلاحية في صنع التاريخ والمستقبل.

وإن كنا نعتقد أن الدور على القوى الحية لتفهم السنن التي تحرك أنظمتها لتعرف عوامل السقوط والخلود التي تحكم مسيرتها وهي عديدة في إعتقادي الشخصي وكما تبين لي من خلال متابعتي للأحداث ولا تخرج عن أربعة سنن كما أعتقد :
السنة الأولى : سنة التغيير
السنة الثانية : سنة الشرط الموضوعي
السنة الثالثة : سنة الارادة الانسانية
السنة الرابعة : سنة التضحية

هذه السنن كلها مجتمعة تعتبر سنن لا بد منها للتغيير والاصلاح وبدونها لايمكن أن تصل القوى الحية الى منعطف التقدم المنشود وربما لايمكن أن تصل إلى رسم معالم المستقبل القريب .

وهذه السنن التي ذكرناه آنفا ليست منفصلة عن بعضها البعض بل هي مترابطة ومتفاعلة فيما بينها وبعضها يؤثر في البعض الآخر لذلك فإن فهمها لا يتأتى تحقيقه إلا في إطار جدليتها وحركيتها وتجلياتها في الواقع.أي في إطار الممارسة العملية .

فالتغيير أمر حاصل لا محالة وهو سنة ثابتة في الحياة والوجود فهو موجود في الطبيعة كما في التاريخ ولكنه في التاريخ مرتبط بإرادة الانسان الحرة فالإنسان يتميز بحرية الاختيار وإن كانت هذه الحرية نسبية لأنها مرتبطة بشروط ومتعلقة بظروف سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وبالتالي فإنها تظل مشروطة بسنة الاطار الموضوعي الايجابي المساعد على تحقيق التغيير هذه السنة الموضوعية هي التي تفضي بنا الى السنة الموالية وهي سنة التضحية حين يكون الشرط الموضوعي غير مساعد على التغيير وتكون ضرورة التجاوز والتحدي تتطلب التضحية والاصرار والاستمرار في الثبات على الطريق .

هكذا إذن نجد أن البحث في السنن لابد أن يرتبط بمشروع ورؤية إيديولوجية تدفع بإتجاه تحقيق التغيير وتساهم في بلورة ملامح المرحلة القادمة التي لا شك أنه ستكون حبلى بالأحداث والمتغيرات خاصة في عالمنا العربي الذي يشهد تحولات عميقة في بنية الحكم وتحولا جذريا في وعي الشعوب وتداعيا لأنظمة الحكم يكرر نفسه بإستمرار وبشكل دراماتيكي في المنطقة العربية .

والحقيقة أن هذه التحولات التي تتطور بشكل سريع جدا تفرض ضرورة أن نتعامل معها بنوع من التعاطي الايجابي لا أن نهرب إلى الأمام كما تفعل بعض الأحزاب التي تدرك تماما أن الأحداث قد تجاوزتها وتجاوزت سقفها السياسي المحدود بحدود أنظمة الحكم التقليدية في العالم العربي.ولذلك فإننا نجد كثيرا من هذه الأحزاب يتحرك في الإتجااه المعاكس لإرادة الشعوب لا لشيء إلا لأنها تعرف تمام المعرفة أن لا دور لها في المرحلة المقبلة ولا يمكن أن تقوم بدور أساسي في صنع المستقبل العربي مادامت مرتهنة لتعليمات الحكام ومادامت تدافع عن مصالحه وتبرر إجرائته القمعية في حق الشعوب .

إن التعويل اليوم لا يمكن ان يكون على الأحزاب وإنما على المواطن العادي على الشباب على المهمشين على المقموعين والمحرومين والمعطلين فهذه مرحلتهم لقيادة التغيير وإن جاز لنا الاقتباس من أدبيات الفكر الماركسي يمكن أن نقول أن الطبقة الطليعية بانية المجتمع الديمقراطي الخالي من الاستبداد هي طبقة المعطلين والشباب المحروم عموما .

ومصداق ذلك التجربة العملية التي حصلت في تونس ومصر ولا تزال تنسج معالمها بخطى ثابتة في ليبيا واليمن وهو ما يتطلب وعيا سياسيا قادرا على تعبئة الجماهير الشعبية وقادرا على تحمل المسؤولية الكاملة في صناعة المستقبل وتحقيق التغيير المنشود.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلسطينيون يرحبون بخطة السداسية العربية لإقامة الدولة الفلسطي


.. الخارجية الأميركية: الرياض مستعدة للتطبيع إذا وافقت إسرائيل




.. بعد توقف قلبه.. فريق طبي ينقذ حياة مصاب في العراق


.. الاتحاد الأوروبي.. مليار يورو لدعم لبنان | #غرفة_الأخبار




.. هل تقف أوروبا أمام حقبة جديدة في العلاقات مع الصين؟