الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عفوا ... نحن لسنا استثناءا

حسام أبو ستة

2011 / 2 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


عمدت القيادة السياسية الفلسطينية ما بعد اتفاق أوسلو واستلامها لبعض المناطق في قطاع غزة والضفة الغربية، للنموذج العربي في الحكم القائم بشكل أساسي على قوة أجهزته الأمنية مع ضعف وغياب السلطة الرقابية والقضائية فيه، حيث أسست العديد من الأجهزة الأمنية المختلفة والتي أصبح عددها يفوق عدد الأجهزة الأمنية في أي دولة عربية أخرى، كما عملت على تعزيز نفوذها في الشأن الاجتماعي والاقتصادي وكذلك السياسي، مما دفع بعض تلك الأجهزة للاقتتال فيما بينها لتبسط سيطرتها بشكل أكبر داخل المجتمع الفلسطيني الذي ما زال يقع تحت سطوة قمع وبطش الكيان الإسرائيلي الحاضر دائما في جميع المعادلات على الساحة الفلسطينية.
قد يختلف معي البعض حول ذلك التشبيه، كون الكيان الفلسطيني المنبثق من تلك الاتفاقية ليس بدولة وإنما هو سلطة وطنية في إطار الحكم الذاتي المتفق عليه، إلا إن هذه الخصوصية لا تخدم وجهة النظر هذه، فإذا كان هذا الحال ضمن إدارة مؤقتة ناقصة السيادة، فكيف إذا سوف يكون الحال بعد قيام دولة مستقلة ذات سيادة وقد أمعنت في ثقافتها ما أمعنت تلك السياسة الأمنية السائدة في الوضع القائم؟ واترك الجواب هنا لأصحاب وجهة النظر المختلفة.
أنتقل من هذا التوصيف البسيط للواقع الأمني في إدارة الحكم فلسطينياً، للواقع السياسي الفلسطيني وخاصة المشهد الأهم على الساحة الفلسطينية وهو حالة الانقسام، والتي لا يمكن فصلها على الإطلاق عن المشهد الأمني للحالة الفلسطينية، وإن كان الواقع السياسي بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة وصعود حركة حماس لسدة الحكم، تسبب في رفع وتيرة الاقتتال الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس، فإن صراع الحركتين على فرض سيطرتها على الأجهزة الأمنية كان أهم أشكال ذلك الصراع الذي أفرز الانقسام.
فكما كان الانقسام الفلسطيني نتيجة بشكل أو بآخر لذلك الواقع المرير، فإن الانقسام أيضا سبباً في تعزيز وترسيخ الحكم القائم بشكل رئيسي على الأسلوب الأمني، فزاد انتهاك حقوق المواطن وسلبت معظم الحريات، وتعددت و تمادت أشكال التعذيب في السجون، وزاد التخوين بين أبناء الشعب الواحد تبريرا للاعتقالات السياسية، فمما لا شك فيه بأن الانقسام خلق مناخاً خصباً لانتهاك أبسط الحقوق وتقييد معظم الحريات، والشواهد كثر فلا تعد ولا تحصى، فقد عرفت السجون الفلسطينية أسوء أساليب التعذيب وأشد أنواع التحقيق والتي في بعض الأحيان انتهت بوفاة من تعرض لمثل تلك الأشكال من التعذيب، ومنعت وسائل الإعلام من حقها في العمل في كل من قطاع غزة والضفة الغربية، فعلى سبيل المثال يمنع التلفزيون الفلسطيني من العمل في قطاع غزة، وكذلك الحال مع تلفزيون الأقصى الممنوع من مزاولة عمله في الضفة الغربية، واعتقل الصحفيون وصودرت أدواتهم ومقراتهم، وأغلقت الكثير من المنظمات الأهلية ونهبت ممتلكاتها، بل وفي بعض الأحيان فرضت عليها مجالس إدارية جديدة وبشكل مخالف للقانون ودون وجه حق، ......ألخ.
إن الحديث عن الانقسام كنتيجة أو كسبب يطول الحديث عنه، لكن ما دفعني لكتابة هذا المقال هو الطرح السياسي الذي يتداول هذه الأيام على الساحة السياسية الفلسطينية، واقصد هنا المقاربة التي طرحها السيد سلام فياض لإنهاء الانقسام عن طريق تشكيل حكومة وطنية تشمل فيما تشمل وزراء من حركة حماس، وتمارس عملها في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة على حد سواء، وأهم ما جاء مختلفاً في هذه المبادرة هو ما سمي بتنازل أو هدية لحركة حماس في قطاع غزة من خلال أبقائها على مؤسساتها العاملة في القطاع لا سيما الأمنية منها، وبالتالي احتفاظ حركة حماس بقوة أمنية كبيرة تخضع لرؤية الحركة لا لسياسة الحكومة المقترحة، لأنها ببساطة كما اعتبرتها المبادرة هي مكسب لحركة حماس، وبالتأكيد يبقى الحال على ما هو عليه في الضفة الغربية فيما يتعلق بالجانب الأمني.
تلك المقاربة تكاد تكون الأولى التي خرجت من مأزق التعثر في مفاوضات المصالحة السابقة خاصة تلك التي عقدت في العاصمة السورية مؤخراً، من خلال قفزها عن الملف الأمني، إلا إنها من وجهة نظري لا ترقى بأي شكل من الأشكال لمستوى التحديات التي تعصف بالمجتمع الفلسطيني منذ الانتخابات التشريعية الأخيرة، فعلى الرغم من كونها قد تنهي حالة الإدارة المنفصلة لشؤون الحياة اليومية في قطاع غزة والضفة الغربية، ويمكن من خلالها تجاوز حالة الحصار المفروض على قطاع غزة منذ خمس سنوات، إلا إنها تتجاهل الكثير من القضايا التي أفرزتها حالة الانقسام، بل الأهم من ذلك هو عدم معالجتها للانقسام كنتيجة لأسباب لم يفرضها الاختلاف على برنامج حكومي ولا اختلاف سياسي بين أطياف العمل السياسي الفلسطيني خاصة حركتي فتح وحماس، بقدر ما أفرزتها المصالح الضيقة لطرفي الصراع، وغياب المهنية والعمل المؤسسي خاصة في الأجهزة الأمنية.
قيام حكومة وحدة وطنية على هذا النحو، دون أن تكون ضمن مشروع وطني شامل لإنهاء حالة الانقسام، لن يغير على أرض الواقع الشيء الكثير، فعلى الرغم من وجود وزارتين في كل من قطاع غزة والضفة الغربية، إلا إن من الخطأ في مكان، القول بأنه لا يوجد نوع من التعاون بين تلك الوزارات المستنسخة، فعلى سبيل المثال التعاون بين وزارة الصحة، والشؤون الاجتماعية والتعليم وكذلك وزارة المالية، إذا ما هو الجديد سوى عنوان ومسمى تلك الحكومة المقترحة، والذي يبقى عنوانا سياسيا فقط طالما لم يترجم ذلك العنوان لواقع يلمسه المواطن الفلسطيني.
وعودة لما سبق الحديث عنه، وخاصة حالة عدم الاختلاف كثيراً بين طبيعة الحكم السائد في السلطة الفلسطينية، ونظيراتها العربية خاصة تلك التي عصفت بها رياح التغيير مثل تونس ومصر وليبيا، وإدراك القيادة السياسية الفلسطينية بأن تلك الرياح لن تقف عند تلك الدول فقط، أرى بتلك المبادرة محاولة للتعامل بشكل غير كافي لا يتناسب مع حجم المعطيات على الساحة العربية، ولا ترقى للحد الذي يتوافق مع حالة التأهب الذي يشهدها الشعب الفلسطيني من أجل إنهاء الانقسام، والذي اتهمه البعض بأنه يسعى للتقليد فقط وأن ذلك التقليد ليس بمحله ولا ينطبق على الحالة الفلسطينية، لكن الشباب الفلسطيني يدرك جيداً بأن الثورات والتجارب لا يمكن تعميمها، إلا إنه أيضاً يرى نفسه بأنه جزء من المزاج العربي، بل إنه على مدار عدة عقود مضت كان له السبق كونه النموذج الوحيد على الساحة النضالية للشعوب العربية، وها هو الآن يرد على تلك الاتهامات برفعه شعار "إنهاء الانقسام لإقامة الدولة وإنهاء الاحتلال"، والذي إن لم تعمل القيادة السياسية بشكل جدي وبنية صادقة لإنهاء الانقسام، لن يستطيع أحد أن يمنع الشعب من رغبته في التغيير وإنهاء الانقسام، و سيأخذ الشباب حينها على عاتقه تحقيق ذلك المطلب الذي خرج من رحم معاناتهم ومن سلامة وصدق وطنيتهم التي لا يمكن لأحد أن يشكك فيها، وفق ما يرى من آليات مناسبة لذلك، فمعاناتنا جميعاً ليست فقط شكل هذه الحكومة أو تلك ولا حتى برنامجها، بقدر ما هي معاناة طالت جميع مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية منها، مترافقة مع عدم وضوح الأفق أمامه في تحقيق هدفه في حياة كريمة و إنهاء الاحتلال، والذي لا يمكن الحشد له في ظل هذا الانقسام الذي يستشري بالكيان الفلسطيني بجميع أنساقه وليس النسق السياسي أو الاقتصادي فقط.

أخيراً يجب التأكيد على أن الساحة الفلسطينية متخمة بجميع العوامل والأسباب التي دفعت بعضها، بل القليل منها أحياناً، لقيام الثورات في الساحة العربية، فلسنا على صعيد الحريات أو الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي بأفضل حال من تلك الدول التي خرجت شعوبها معلنة كسر حاجز الخوف مطالبة بالإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل و-حزب الله- يستعدان للحرب| #الظهيرة


.. فلسطين وعضوية أممية كاملة!.. ماذا يعني ذلك؟| #الظهيرة




.. بعد الهجوم الروسي.. المئات يفرّون من القتال في منطقة خاركيف|


.. ناشطون في بلجيكا يحتجون على مشاركة فريق إسرائيلي في طواف بال




.. اغتيال شيرين أبو عاقلة.. محاولة لإسكات صوت الحقيقة