الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماهية كل من المادة والوعي والطاقة والروح (8 - 8)

مجيد البلوشي

2011 / 2 / 28
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


ماهيـة "الـروح"

إن مفهوم "الرُّوح" (وتسمّى أيضاً "النّفْس")، هو مفهوم ديني أساساً، حيث تـُعتبر الروح، في جميع الأديان، مبدأ الحياة في جسد الكائن الحي، وتوجد متحدة به طول حياته وتنفصل عنه عند موته، وهي تُعتبر وجوداً خالداً يوجد في عالمنا هذا الذي نعيش فيه، وكذلك في عالم آخر يوجود ما بعد موت الكائن الحي، كما تقول به بعض الديانات، كالديانات "السماوية" الثلاث: اليهودية والمسيحية والإسلام؛ أو أنها تنتقل من كائن حي إلى كائن حي آخر، سواء أكان هذا الكائن إنساناً أو حيواناً أو حشرة ... ، وفي عالمنا الحاضر نفسه، وهذا ما يُسمّى تناسخ الأرواح، وهو ما تقول به الديانة الهندوسية، مثلاً.



ومعظم هذه الديانات تَعتبر الإنسان والحيوانات الأخرى كالثدييات والبرمائيات والزواحف، وكذلك الأسماك والطيور والحشرات، كائنات حية ذات أرواح، وتستثني من ذلك النبات ولا تعتبره كائناً حياً ذا روح بمعناها الديني. كما أن كل هذه الديانات تركـّز إهتمامها فقط بروح الإنسان ومصيرها ما بعد الموت من حيث الثواب أو العقاب، ودخولها الجنة أو النار؛ أما مصير أرواح الكائنات الحية الأخرى فليس معروفاً لديها البتة، اللهم إلاّ إذا اعتبرنا – كما يدّعي البعض - بأن هذه الكائنات الحية قد خـُلِقت لخدمة الإنسان واستفادته منها في هذا العالم الأرضي الذي نعيش فيه فقط، ومن ثم لا حاجة إليها كـ"أرواح" في العالم السماوي الآخر حيث كل شيء متوفـّر لروح الإنسان، وبصورة لا يوجد مثلها على كوكبنا الأرضي إطلاقاً، ولا يتصورها العقل الإنساني، كما جاء في الكثير من الآيات القرآنية، ومنها مثلاً:

- الحُور العِـين: حيث تقول الآيات القرآنية مثل: "وَحُوْرُ عِينٌ" (سورة الواقعة، الآية رقم 22)، و "حُورٌ مَقصُوراتُ فِي الخِيَامِ" (سورة الرحمن، الآية رقم 72)، و "زَوّجْنَاهُـمْ بِحُوْرٍ عِينْنٍ" (سورة الطور، الآية رقم 20)، و "كَذلِكَ وَزَوّجْناهُمْ بِحُوْرٍ عِيْنٍ" (سورة الدخان، الآية رقم 54).

- الغِلمان: حيث تقول الآية القرآنية "وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْـمَانٌ لَهُـمْ كَأنـَّهُـمْ لُـؤْلُـؤٌ مَكْنـُوْنٌ" (سورة الطور، الآية رقم 24).

- أنهار اللبن وأنهار الخَمْر وأنهار العَسل: حيث تقول الآية القرآنية: "مَثَلُ الْجَنّـَةِ الّتِي وُعِدَ الْمُتّـَقونَ ، فِيْهَا أنْهَارُ مِنْ مَاءٍ غَيـْرِ آسِنٍ، وَأنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتـَغـيّرْ طَعْمُـهُ، وَأنهارٌ مِنْ خـَمْـرٍ لَذّةٍ لِلْشارِبِيْنَ، وَأنـْهارُ مِنْ عَسَلٍ مُصـَفـّىً ... ".



تلك هي وجهة النظر الدينية، الإسلامية أساساً، بالنسبة لـ"الروح" البشرية وما تتلقـّاه في العالَم الآخر. وذلك بالرغم من أن جميع الكائنات الحية، الحيوانية والنباتية، تكوّنت في كوكبنا الأرضي قبل الإنسان بملايين السنين، ولذا ينتفي القول بأنها خُلقت لخدمة الإنسان واستفادته منها في حياته الدُنيوية.

ولكن ما هو رأي العلم في الروح والحياة والموت، وهي المعطيات المرتبطة ببعضها البعض إرتباطاّ سبـبياً من الناحية الفلسفية؟



الحق أن العلم لا يعرف شيئاً إسمه "روح" أو "نفس"، بل يعرف، بدلاً من ذلك، شيئاً آخر هو عملية الأيض metabolism (وتسمّى أيضاً عملية الاستقلاب، أو عملية التمثيل الغذائي)، وهي العملية التي تجري في خلايا الكائنات الحية، الحيوانية منها والنباتية، وهي التي تمنحها الحياة عند سريانها وتسلب منها الحياة عند توقفها. وهذه العملية يعرفها طلبة العلم، وخاصةً علم الأحياء (البيولوجيا)، معرفة جيدة. فماهي عملية الأيض هذه؟



عملية الأيض

إنها مجموعة من التفاعلات الكيميائية التي تحدث في خلايا الكائنات الحية على المواد الغذائية المختلفة بواسطة الإنزيمات enzymes للحصول على الطاقة لبناء الانسجة المختلفة. ولكن ماهي هذه الأنزيمات؟



الإنزيمات

إن الإنزيمات – بإختصار شديد - هي عبارة عن جزيئات بروتينية تقوم بتسريع التفاعلات الكيميائية الحادثة في الخلية الحية، وبدونها تحدث هذه التفاعلات ببطءٍ شديد جداً أو قد لا تحدث إطلاقاً، فتصبح حياة الخلية غير ممكنة. بل ويحدث التفاعل الكيميائي في الخلية الحية بوجود الإنزيم بسرعة تفوق سرعة حدوثه بدون الإنزيم بآلاف المرّات أو حتى بملايين المرّات. وتحتوي الخلايا الحية، الحيوانية منها والنباتية، على آلاف الأنواع من الإنزيمات، وهي تلعب دور المواد الحافزة catalyst substances. وقد درس العلماء التركيبة البروتينية للإنزيمات، فأخذوا ينتجون إنزيمات مصنّعة تستخدمها الشركات في صناعة تشكيلة واسعة من المنتجات: فعلى سبيل المثال، تحتوي بعض المنظّفات على إنزيمات تفكّـك البروتينات أو الدهون التي تسبب البقع. كما تستخدم الإنزيمات في صناعة المضادات الحيوية والخبز والجبن والقهوة والسكر والخل والفيتامينات ومنتجات أخرى كثيرة، كما يستخدم الأطباء العقاقير والأدوية التي تحتوي على إنزيمات في المساعدة على تطهير الجروح وتحليل تجلّط الدم وتخفيف أنواع معينة من اللوكيميـا وأمراض القلب ولفحص الحساسية ضد البنسلين ... [1].



وتتكون عملية الأيض من عمليتين أساسيتين هما:

1- عملية التقويض أو الانتقاض catabolism: وهي عملية هدم وتكسير المواد الغذائية المتكونة من البروتينات والكربوهيدرات والدهون ... إلى مواد بسيطة، ويتم خلالها الحصول على الطاقة.

2- عملية الإبتناء anabolism وهي عملية بناء وتمثيل المواد الغذائية وتحويلها إلى أنسجة حيوانية أو نباتية، وذلك باستخدام الطاقة الناجمة عن عملية التقويض أو الابتناء.



علماً بأن هاتين العمليتين المتناقضتين متلازمتان وتحدثان في آن واحد في الخلايا الحيوانية والنباتية بجميع أنواعها وأشكالها، وفقاً للتدرّج في عملية التطوّر، إبتداءً بالكائنات الحية أُحادية الخلية كالأميبا، وبعض البكتيريا، ومروراً بالكائنات الحية عديدة الخلايا كالطحالب والنباتات المختلفة، والأسماك والبرمائيات والزواحف والطيور والثدييات، وإنتهاءً بالإنسان وهو قمة التطور. وهنا يتجلّى "قانون وحدة وتناقض الأضداد" الذي تنادي به الفلسفة المادية الجدلية.



وتبدأ عملية الأيض فورأ عند إتحاد المشيج الذكري male gamete (الموجود في منيّ الذَكر في الحيوانات وحبوب اللقاح في النباتات) والمشيج الأنثويfemale gamete (الموجود في بويضة أنثى الحيوانات ومبيض النباتات) حيث تنولد الخلية الملقّحة zygote، وذلك في الكائنات الحية، الحيوانية والنباتية، ذات التكاثر الثُـنائي diploid reproduction، وهي المنتشرة إنتشاراً واسعاً في كوكبنا الأرضي، وذلك بالإضافة إلى التكاثر الأُحاديhaploid الذي يحدث في بعض الكائنات الحية البسيطة والتي تتسم بالتلاقح الذاتي self-fertilization.



ونودالإشارة هنا إلى نظرية التطور الكيميائي عن أصل الحياة Theory of Chemical Evolution of Origin of Life: وتذهب هذه النظرية بأن الحياة تكونت في كوكبنا الأرضي من خلال سلسلة من التفاعلات الكيميائية الفـُجائية في الغلاف الجوي للأرض والمحيطات، في وقت مبكر من تاريخ الأرض. وقد أوضح عالم الأحياء الفرنسي لويس باستير Louis Pasteur (1822-1895) أن الحياة لا تستطيع أن تظهر فجأة في الظروف الكيميائية والطبيعية السائدة على الأرض في الوقت الحالي، ولكن قبل بلايين السنين كانت الظروف الكيميائية والطبيعية على الأرض مختلفة اختلافاً كبيراً عمّا هي عليه الآن. وأكدت الدراسات العلمية أن الغلاف الجوي للأرض في البداية كان لا يحتوي إلاّ على قليل من الاكسجين الحر غير المتحد. بل قد لم يكُن هناك أكسجين على الاطلاق. ولأن الهيدروجين (آدم الذرّات) هو أكثر العناصر الكيميائية وجوداً في الكون، فإن كثيراً من العلماء يعتقدون أن الغلاف الجوي للأرض في البداية كان يحتوي على كميات كبيرة من الهيدروجين. وفي هذه الظروف، فإن المركـّبات التي تحتوي على الهيدروجين – كالماء والنشادر والميثان – من المحتمل أيضاً وجودها بوفرة. وتنص نظرية التطور الكيميائي هذه على أن الطاقة الصادرة من بعض المصادر الطبيعية كضوء الشمس والبرق والبراكين، مهّدت التفاعل بين هذه المركبات لتكـوّن جُزيئات بيولوجية بسيطة. وهذه الجزيئات، مثل السُكّريات والأحماض الأمينية، اتحدت بعد ذلك وكوّنت جزيئات أكثر تعقيداً. وفي النهاية انتظمت هذه الجزيئات لتكوّن أولى الكائنات الحية". [2].



ولذا تقول نظرية التطور الكيميائي بأن الحياة تكونت من خلال سلسلة من التفاعلات الكيميائية الفـُجائية في الغلاف الجوي والمحيطات في وقت مبكر من تاريخ الأرض.



وعملية الأيض مرتبطة إرتباطاً وثيقاً بمفهوم "الحياة" ومفهوم "الموت". فما هي الحياة، وماهو الموت، وفقاً للمعطيات العلمية؟



ماهية الحياة وماهية الموت

إن الحياة – وفقاً لمعطيات العلم ولوجهة نظر الفلسفة المادية الجدلية المعتمدة على معطيات العلم نفسه - هي عبارة عن شكل من أشكال حركة المادة، وهو أعلى الأشكال الفيزيائية والكيميائية القائمة على عملية الأيض المذكورة آنفاً، والمتكونة من عمليتين أساسيتين متناقضتين ومتلازمتين، كما أسلفنا، وهما: عملية الهدم أو التقويض، وعملية البناء أو الإبتناء. وعملية الأيض موجودة لدى جميع الكائنات الحية، الحيوانية منها والنباتية، كما أسلفنا أيضاً. وتبدأ الحياة مع بداية عملية الأيض، وتنتهي مع إنتهائها، وذلك في جميع الكائنات الحية الموجودة في كوكبنا الأرضي.



فالحياة والموت أمران متلازمان: فلا يمكن أن تكون هناك حياة بلا موت، ولا يمكن أن يكون هناك موت بلا حياة. وتلك هي سُـنـّة الطبيعة. وكلاهما مرتبطان بعملية الأيض القائمة على عناصر مادية بحتة هي العناصر الكيميائية المختلفة وتفاعلها.



وليسمح لنا القارئ أن نذكر هنا قول الشاعر الهندي بِرْج ناراين جَكبست Birj Narayan Chakbast (1882-1926) في إحدى قصائده باللغة الأردو وهو يقدم تعريفاً مختصراً للحياة والموت:

زندﮔـى كيا ﮩﮯ عناصر ميـﮟ ظﮩـورِ ترتيب

موت كيا ﮩﮯ اُنـﮩـى اجزاء كا ﭘـريشان ﮩـونا



ومعناه باللغة العربية:

مـا الحيـاة إلاّ ترتـيب العناصـر (الكيميائية)

وما الموت إلاّ تشـتــّت تلك العناصر وتبدّدها

وتلك هي المسألة. إنتهـى

____________________________________

هامشان:

[1] الموسوعة العربية العالمية ، مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، الرياض، المملكة العربية السعودية الطبعة الثانية، 1999، الجزء 3، ، ص ص 236 - 237.

[2] نفس المصدر السابق، الجزء 9، ص ص 599 – 600.



الدكتور مجيد البلوشي
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحية طيبة
عباس يونس العنزي ( 2011 / 2 / 28 - 07:35 )
الموت ليس من سنن الطبيعة وحتميته مرتبطة بمستوى تطوري معين
وستتم معالجته وهذا هو الحتمي مع كامل احترامي محبتي

اخر الافلام

.. بدر عريش الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي في تصر


.. عبد الحميد أمين ناشط سياسي و نقابي بنقابة الاتحاد المغربي لل




.. ما حقيقة فيديو صراخ روبرت دي نيرو في وجه متظاهرين داعمين للف


.. فيديو يظهر الشرطة الأمريكية تطلق الرصاص المطاطي على المتظاهر




.. لقاء الرفيق رائد فهمي سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي