الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سينما وكنيسة وقصائد رسول حمزاتوف

قاسم محمد مجيد الساعدي
(Qassim M.mjeed Alsaady)

2011 / 2 / 28
الادب والفن


ليس توقا إلى ماضي يصعب استرداده ُ وترك فجواته الكبيرة بين ثنايا الروح ... وظل أسير رغبه سرد غير متخفية برداء خاص متوافقا مع ماقاله هيجو من ان ليس لأحدنا حياة خاصة
ففي ستينيات القرن الماضي كنا نسكن في خان الحاج فليح في منطقه الباب الشرقي و يضم بيوتا كثيرة لاتحتفظ لنفسها بسياج خارجي أو حديقة أنها مجرد غرف بنيت من الطين وسقفت من جذوع النخيل كما هو حال غرفتنا التي تكدسنا فيها واحتلت وسطها صوره للعائلة معلقه على الجدار الطيني .... بيتنا الذي نحلو دائما ان نصفه هكذا يقع مقابل الباب الخشبي الكبير للخان وعندما نخرج منه يقابلنا الشارع المؤدي إلى ساحة الطيران والذي نصب علية طوق حديدي مقوس احتل علم الجمهورية وصوره الزعيم المبتسم في وسطه وزين بالنشرات الضوئية الملونة هذا الشارع أحتضن عشرات المسيرات والتظاهرات كما سارت عليه مسيرات المقاومة الشعبية ومن بعده جموع الحرس القومي
يجاور الخان من الجانب الأيسر بيوتا ضخمه تلاصق كنيسة الأرمن الاثورزكس ومن الجانب الأيمن تلتصق سطح بيوته بسينما النصر الصيفي...بقايا من صور الماضي استعيد فيها دقائق لاتمحى فالسينما عبارة عن قاعة كبيره بلا سقوف ننظر من فوق سياج الخان إلى ذلك الضياء القوي الأتي من خلف شباك طالما رأيناه كئيبا لايملك الإبهار نفسه حين تصطدم تلك الأشعة الخارجة منه بالجدار المغطى بالقماش الأبيض في مقدمه السينما فيجعله ينبض بالحياة فشاهدنا على مدى أيام الصيفية كما تقول فيروز أفلام لعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش وأفلام هندية لكن أفلام المطرب التركي الشهير زكي موران (1931-1996) تركت في الذاكرة رنينها الخاص فلأسابيع متواصلة سهرت العوائل على إيقاع صوته الرخيم الساحر وحفظ الصغار أغانية فكنا نسمع أنين رواد السينما تحت مختلطة بدموعنا نحن المتفرجين من فوق ولازلت اذكر عبارة ( فلم رديء ) التي لأول مره اسمعها من طفل يكبرنا بسنوات قلائل فأردنا ان نعاكسه قلنا( لا) ارتبك وهز كتفيه وقال أمي قالت ذلك! وتابع ألمشاهده غير مكترث بنظرات السخرية التي أحطناه به
سكان الدور ألمقابله للخان يحسدوننا على جورتنا للسينما وأحيانا تتم دعوتهم مشاطريننا متعه المشاهدة كان صديقي كمال الذي قايضناه بالصعود على سطح الخان مقابل حضورنا انأ وابن خالتي حسن ( قداس الكنيسة ) والذي حضرناه وكأننا جئنا من كوكب بعيد فقد ذهلنا لهذا الفناء الواسع ودخلنا نحن الوكحين مرتبكين للقاعة وزاد من حيرتنا جلوسنا مع الجميع على مصاطبها الخشبية
احد ألقسسه كان منتبها للضيوف الجدد ربما ميز ملامحنا أو كانت ملابسنا الباليه علامة تميزنا طردنا بهدوء لكنه لم يستطع ان يمنع مرحنا المتفجر ونحن نتجول في فناء الكنيسة وازداد عنادنا لمشاكسته فاخترنا المقبرة خلف بنايه الكنيسة مقرا"لاحتفالنا الجديد فكنا نهرب من المأوى الصاخب في الخان لنجلس قرب القبور المشيدة والمصطفة بإتقان ننظر للوجوه ألجميله المشرقة التي جاءت لزيارة موتاها تبكي بلا صراخ ! سيقان الرغبة في الوصول للأبواب الخفية توقفها دروس الحذر التي كان يسديها ألينا كمال لكن ما يصنع مغامرتنا هو المجهول لنقع في شرك المواجهة وجها لوجه مع القس ثانية حين وجدنا في إحدى الغرف لنطرد شر طرده وليصبح المشهد النهائي الذي ظل محافظا على صفائه مع مشهد الأيادي التي لوحت بالوداع ذات يوم قائض عندما غادرنا الخان للمرة الاخيره وانفرط عقد الخرز الملون لكن وجه كمال ظل متأرجحا بين الحلم والحقيقة اخبره دوما ان الفقر هو اللاعب الضاحك من بين اللاعبين
وتمر السنين ..وتقف عند السنة الرابعة للحرب كنت بين الجموع في قطار لايصل إلا وجه الصبح ومصابيح عرباته اقرب إلى العتمة لكنه منحني قدرا ضئيلا من الضوء مستمتعا بقراءة ترجمه ديوان طالما الأرض تدور (1)
رفعت راسي كي أرى أصدقائي من الجنود الذين تفرقوا بين العربات لمحته يمر من إمامي ضابطا" بنجمتين تلمعان وبصوت اقرب إلى الماناجاه صحت كمال ...لم يلتفت ركضت خلفه إلى مؤخرة العربة والتقيتة مذكرا بطفولتنا ومشاكساتنا والسينما والمقبرة في زمان لايبدع سوى السراب
كان ساهما يجول بنظراته بعيدا لم أرى رقته وعذوبة صوته كان إنسانا أخر يبدو حزينا كأني ألان عرفته وقبل ان القي عليه التحية العسكرية مودعا قرأت له

( إنا إميل إلى الظن ان في البدء(1)
كان البشر وبعدها
أصبح الكثير منهم نسورا
وتحول الآخرون إلى ثعابين )


قال لي قاسم اقرأ لي فالليل طويل هنا

(في هذه الحياة
كثيرا مانمنح أرزاقا بلا عدالة
هاهم يدسون اللحم في فمي دسا وقد
فقدت أسناني
وكنت اقتات بلعصيده وانأ بكامل أسناني )(2)

(1) ديوان طالما الأرض تدور للشاعر الروسي رسول حمزاتوف ترجمه الشاعر حسب الشيخ جعفر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ايام رائعة تزهو بها وتزهو بك
محمد نوري قادر ( 2011 / 2 / 28 - 15:51 )
اخي العزيز قاسم
لتلك الذكريات عبق ملأ روحك فأصبحت كما انت جميل
لتلك الايام وهي تعيش في روحك صدى تحمله اينما تكون , فكم هي رائعة في كل فصولها وما يملىء النفس غبطة عندما تقفز امامنا مرات ومرات , فما اعذبها .... سلمت اخي العزيز


2 - اطلالة رائعة
المهندس كاظم الساعدي ( 2011 / 3 / 1 - 02:47 )
افتقدنا هذه الاطلالة الرائعة على روائع الادب العالمي والتداخل برؤية ثاقبة بين العام والخاص لك وللاديب العالمي حمزاتوف
لاتغيب ونحمد الله على اطلالتك وسلامتك اخي قاسم


3 - عبير الذكريات للرائع قاسم محمد مجيد الساعدى
احمد دردير احمد ( 2011 / 3 / 1 - 08:49 )
اخى الرائع العزيز الكاتب المبدع والشاعر الرقيق قاسم محمد مجيد الساعدى ان قوة الذكريات فى قصتك الرائعه تجعلنى انظر فى مرآة روحى كى ارى نسخه من الذكريات التى تأتينى كل ليله لتدون لى جزء من التاريخ الذى نعيشه ..وانت كما عرفناك كاتب لك رؤيا مميزه فى عالم الادب والشعر والدليل على ذلك اختيارك لابيات للشاعر الروسى حمزاتوف وبرغم قلتها الا انها تحمل معنى تريد ان توصله الينا وقد وصل بالفعل ..ان لعبير الذكريات فى قلبك اوتار تعزف عليها لحنا للخلود كى تتذكر مامضى وتذكرك للماضى يجعلك تكتب وكتابتك تعتبر تأريخ لما كان موجودا ذات يوم وهذا يجعلك تكتب للتاريخ وليس للذكرى وانا واحد من الناس اعرف انك ذو قلم حر وجرئ وتكتب ليس للتتباهى بما تكتبه ولكنك تكتب ليسجل التاريخ لك انك اول من اجاد العزف على الاوتار المتقطعه لتوصلها بعبقريه وتعزف لنا مقطوعه موسيقيه رائعه بقلمك حتى تمتعنا بها وتدخل الى قلوبنا ..انك ياصديقى اجدت بأقتدار سرد احداث قصتك التى سجلها التاريخ لك ولقلمك الرائع ..دمت بكل خير رائعا جميلا معبرا عن تاريخك بجدارة ..دمت رائعا ايها الوطنى العربى الشجاع ولك تحياتى وحبى


4 - اكيد...اكيد
محمد مجيد الساعدي ( 2011 / 3 / 1 - 19:43 )
قد ترى الأحرف متناثرات في صحف باليات لكن خلودها رغم العبق مدوي في أذان الصم مكلماتكم تريح النفس


5 - شكرا لكم احبتي
قاسم محمد مجيد الساعدي ( 2011 / 3 / 17 - 19:58 )
الاستاذ محمد نوري قادر
الاستاذكاظم الساعدي
الاستاذ احمد دردير
الاسناذ محمد مجيد
احبتي الغاليين كم انا محرج في تاخري في الرد على تعليقاتكم الجميله والمعبره عن صدق محبتكم
اعذروني فانا ممتن لكم جميعا تقبلوا ارق التحايا
وود لاينقطع

اخر الافلام

.. وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبد المحسن عن عمر ناهز الـ 75 عام


.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد




.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش


.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??




.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??