الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطتان للثورة الديمقراطية !!

عماد عطية

2011 / 2 / 28
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان



خطاب الرئيس مبارك الذي ألقاه مساء الثلاثاء الموافق 1 فبراير 2011 يحدد بوضوح شديد ملامح الخطة الأولى، وعنوانها "الانتقال السلس للسلطة"، وهو التعبير الذي استخدمه أوباما وكلينتون لحث مبارك على التنحي، وهذه هي أركان الخطة:
- مبارك يتنازل لنائبه عمر سليمان عن سلطاته لحين موعد انتخابات الرئاسة في نوفمبر 2011
- يتم تعديل بعض مواد الدستور التي تتعلق بشروط الترشح للرئاسة ومدتها وضمانات العملية الانتخابية
- خلال هذه الفترة يتم تلميع السيد عمر سليمان باعتباره الرئيس القادم، وتدريجيا تستعيد الشرطة ورجال الحزب الوطني برجال أعماله وبلطجيته سطوتهم، ويقدم بعض رجال الأعمال للقضاء ككباش فداء تحت شعار محاربة الفساد
- بالطبع سيتوقف حجم التنازلات فيما يتعلق ب "محاربة الفساد" والإصلاحات الديمقراطية والمطالبات الاجتماعية بمدى القدرة على تصفية الحركة الثورية أو استيعابها أو أي مزيج بين الاثنين (التصفية أو الاستيعاب)
- تعتمد الخطة في تنفيذها على كل قوى النظام من وزارة الداخلية والحزب الوطني ورجال الأعمال وبيروقراطية الدولة والإعلام والمؤسسات الدينية في الأزهر والكنيسة والسلفيين والجماعات الإسلامية وكلهم سبق وأن أثبتوا إخلاصهم التام للنظام واستعدادهم لتنفيذ جميع تعليماته، وقبل كل هؤلاء على الجيش والمخابرات
- لضمان نجاح الخطة يجب إثارة الرعب من الانفلات الأمني وعدم الاستقرار، ولا بأس من افتعال بعض العمليات الإرهابية وأحداث العنف الطائفي هنا وهناك
- الخطة ستتمتع أيضا وبدون أي شك بدعم إقليمي وعالمي واسع، من الدول العربية التي ترتعد من آثار الثورة المصرية وفي مقدمتها النظام السعودي، ومن الولايات المتحدة والدول الغربية، وقبل ومع كل هؤلاء إسرائيل.
الصمود الأسطوري للثوار في موقعة الجمل مساء الأربعاء 2 فبراير في ميدان التحرير، وما أعقبه من تصاعد غير مسبوق للاحتجاجات العمالية في الأسبوع التالي والذي أدى إلى الإطاحة بمبارك ونائبه عمر سليمان، أدى إلى إدخال بعض التعديلات على الخطة السابقة ولكنها بعيدة عن أن تكون جوهرية.
انتقلت قيادة تنفيذ الخطة من مبارك وعمر سليمان إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والذي بادر باتخاذ خطوات التنفيذ بتشكيل لجنة لتعديل مواد الدستور المتفق عليها، وتقيم كباش الفداء من رموز الفساد للمحاكمة ومعهم حبيب العادلي ورئيس مباحث أمن الدولة، ويستعد الآن للخطوة التالية بعد موافقته على التعديلات الدستورية المقترحة وهي إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية بعد الاستفتاء على تعديل الدستور، ليتم الانتقال السلس للسلطة خلال نفس المدة التي حددها مبارك وهي الشهور الستة القادمة. رحيل مبارك ونائبه استدعى تعديلا آخر على الخطة يتعلق بمرشح النظام لانتخابات الرئاسة، ويبدو أن الاختيار قد وقع على السيد عمرو موسى وزير خارجية مبارك الأسبق ومرشحه لأمانة جامعة الدول العربية. باقي بنود الخطة بقيت كما هي.

المؤسف حقا أن هذه الخطة الواضحة والمحكمة، والتي أؤكد على وصفها بخطة للثورة المضادة، لا يقابلها من الطرف الآخر – معسكر الثورة – خطة أخرى واضحة المعالم للتحول الديمقراطي ولا آليات لحشد القوى ووسائل الضغط لفرضها، وهو ما يمثل تهديدا حقيقيا بأن تسفر ثورة عظيمة بمثل هذا الاتساع وبما شهدته من بطولات وما قدمته من ضحايا، إلى نظام لا يعدو أن يكون هو نفسه النظام القديم بعد تجميله.
يجب أن أتحفظ هنا قليلا كي لا تفهم العبارة السابقة على غير ما أريد، فأنا أؤمن إيمانا قاطعا بأن مصر بعد الثورة لن تعود أبدا كما كانت، وأؤمن أيضا أن الانتقال الديمقراطي الجذري لن يتحقق في جولة واحدة، حتى لو كانت هذه الجولة بعظمة واتساع ثورة 25 يناير. عملية التحول الديمقراطي بدأت بالفعل، ولن يمكن إيقافها، الممكن فقط هو تعطيلها وعرقلتها، والذي سيؤدي لمزيد من الآلام والصعوبات. الحديث إذا يدور حول كيفية تعظيم نتائج هذه الجولة بشكل يؤمن أقصر الطرق للتحول المنشود ويحد قدر الإمكان من آلام ولادة النظام الجديد.
لدينا مشكلات قديمة جديدة، ضعف وتشتت قوى المعارضة، وليس لدي هنا جديدا لأضيفه غير أن المحاولات الجديدة لبث الحياة في المجال السياسي المصري الذي تمت محاصرته على مدى ستة عقود تبدو أصعب كثيرا مما كان يبدو على السطح أو محاولة إحالتها إلى سبب رئيس هو الدولة البوليسية، وينطبق هذا على القوى والحركات والأحزاب الجديدة بقدر ما ينطبق على الأحزاب القديمة، أحزاب صفوت الشريف.
قبل أن نتقدم لتحديد ما نراه ضروريا للسير قدما في طريق التحول الديمقراطي الناجز، لابد من التوقف عند بعض الأوهام والخزعبلات التي لا يمكن التقدم دون طرحها جانبا. وأول هذه الأوهام عنوانه "الثقة في الجيش الوطني". ولا أعرف ما هو المقصود بالجيش الوطني، فلم يزعم أحد فيما أعلم أن الجيش هو جيش مرتزقة قادم من أدغال إفريقيا أو آسيا الوسطى !! نعم هو جيش وطني أي مصري، ولقد كان هذا الجيش على مدى ستة عقود الدرع الحامي لنظام الاستبداد، ومنذ ما سمي بحرب تحرير الكويت المزعومة منذ ثلاثين عاما تحول هذا الجيش ليصبح أحد أدوات السياسة الأمريكية فيما سمي بالحرب ضد الإرهاب وقدم خدمات جليلة للأمريكيين والصهاينة، بتقديم العون للأمريكيين في كل غزواتهم الاستعمارية من أفغانستان إلى العراق، وبالصمت الايجابي إزاء الاعتداءات الإسرائيلية على فلسطين ولبنان والعراق وسوريا، وأصبح معتمدا تماما على المعونة الأميركية تدريبا وتسليحا. ومع انتهاء حرب أكتوبر 1973 وبدء سياسة "الانفتاح الاقتصادي" وتحول الجيش لبناء شركات اقتصادية تعمل في كافة المجالات حتى أصبح يدير أكثر من ربع الاقتصاد الوطني، تداخلت مصالح كبار الضباط برجال الأعمال، وأصبحوا ركنا أساسيا في تحالف السلطة والثروة الذي حكم البلاد بالفساد والاستبداد طوال هذه السنوات.
بطرح المفهوم المضلل حول الثقة في الجيش الوطني، يجب أن نطرح جانبا أيضا وهم انحياز الجيش للثورة. مبارك سلم للجيش السلطة بمباركة أمريكية لأنه الأمل الأخير في الحفاظ على النظام، ولم يكن أمام الثوار بديلا غير القبول، ولا بأس من ذلك لفترة انتقالية لا نمنح الجيش فيها ثقتنا كما يزعمون، ولكن لنلتقط الأنفاس ونحاصره بالضغوط لاستعادة السلطة وإعادته إلى الثكنات. ونحن في ذلك نحتاج إلى خطة نواجه بها خطة الثورة المضادة التي يقودها المجلس الأعلى. وخطتنا يجب أن تعتمد على:
- الضغط من أجل إطلاق جميع الحريات فورا، تأسيس الأحزاب والنقابات وإصدار الصحف والدعاية السياسية، وحل جميع المجالس المنتخبة بالتزوير وفي مقدمتها الاتحاد العام للعمال والمجالس المحلية وإلغاء حالة الطوارئ والإفراج الفوري عن جميع المشاركين في الثورة وإعادة بناء وزارة الداخلية على أسس جديدة
- دمج المطالب الاجتماعية الملحة مع برنامج التحول الديمقراطي ونبذ كل الدعايات المسمومة التي تصم التحركات العمالية بتشويه الثورة !
- رفض التعديلات الدستورية، والمطالبة بإعلان دستوري مؤقت يحكم فترة انتقالية مدة تتراوح بين 12 و 18 شهر
- عدم انفراد المجلس العسكري بالحكم خلال الفترة الانتقالية وعدم الاكتفاء بالمطالبة بلجنة رئاسية وحكومة مؤقتة من شخصيات مستقلة، بل والشروع فورا في تأسيس مؤتمر وطني من كل النقابات المستقلة وممثلي الحركات الاجتماعية والتجمعات الشبابية والقوى السياسية المناصرة للثورة يكون رقيبا على كل القرارات
- لا انتخابات برلمانية دون تعديل القانون لتجري على أساس القوائم الحزبية، وإلغاء مجلس الشورى، والبرلمان المنتخب يشرف على إعداد دستور جديد للبلاد
- لجنة مستقلة للتحقيق في جرائم القتل والتعذيب والفساد، تشمل التحقيق في مسئولية الجيش عن مذبحة الأربعاء 2 فبراير والتعذيب في المخابرات والسجن الحربي
- مطالبة جميع من يتحملون أي مسئولية خلال الفترة الانتقالية وما بعدها وفي مقدمتهم أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإعلان ذمتهم المالية
نعم، يجب أن نطالب بإقالة حكومة شفيق ونصر على محاكمة الفاسدين ومصادرة أموالهم، ولكن يجب ألا ننجر وراء وهم أن هذه المطالب وحدها تحقق أهداف الثورة، فأهداف الثورة لا تتحقق إلا بتحول ديمقراطي حقيقي يتطلب البنود السابقة، ولا تتحقق إلا بتحقيق المطالب الملحة للجماهير الشعبية وإطلاق حقها في انتخاب ممثليها بحرية في النقابات والمحليات ولتكون شريكا حقيقيا في رسم مستقبل البلاد.
الجماهير المنظمة واستمرار التظاهرات والاعتصامات في ميدان التحرير وكل المدن الأخرى، هي أوراق الضغط التي نملكها لتحقيق أهداف الثورة من المرحلة الانتقالية. وأخطر ما يمكن أن يحدث الآن هو الموافقة على التعديلات الدستورية وعلى إجراء الانتخابات دون تحقق الشروط السابقة، ومن المؤسف أن بعض قوى المعارضة بدأت بطرح مرشحيها للرئاسة، والبعض الآخر بدأ الترويج للسيد عمرو موسى، مرشح الثورة المضادة، والترويج لمواقفه المزعومة ضد إسرائيل، وكنت أتصور أن الوحيد الذي يصدق هذه الأكذوبة هو المطرب الشعبي شعبان عبد الرحيم !
28-2-2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد قضية -طفل شبرا- الصادمة بمصر.. إليكم ما نعرفه عن -الدارك


.. رئيسي: صمود الحراك الجامعي الغربي سيخلق حالة من الردع الفعال




.. بايدن يتهم الهند واليابان برهاب الأجانب.. فما ردهما؟


.. -كمبيوتر عملاق- يتنبأ بموعد انقراض البشرية: الأرض لن تكون صا




.. آلاف الفلسطينيين يغادرون أطراف رفح باتجاه مناطق في وسط غزة