الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على قيد الأمل...

لمى محمد
كاتبة، طبيبة نفسية أخصائية طب نفسي جسدي-طب نفسي تجميلي، ناشطة حقوق إنسان

(Lama Muhammad)

2011 / 3 / 1
الادب والفن


-نحن نحب الحياة، لا لأننا تعودنا على الحياة، بل لأننا تعودنا على الحب.-
"نيتشه"


ما فائدة الصراخ فهي ليست هنا، إنّها هناك.. هناك في تلك القرية البعيدة عن الدنيا و عن العالم، و القريبة جداً من الواقع، هناك مكان عجنت "أمها" عجين الصباح، و كسرت الحطب للتنور.

يوم ربيعي آخر في سنة أخرى، في عمر لا يقترب من أي صفة نعرفها سوى أنّه " آخر"، و منظر النيران المشتعلة في تنور أمها يُدفئ قلبها الوحيد، و يَحرق حزنها الذي اعتادت أن تخفيه.

هو يذلها بربوبيّة افترضها و أقنعها بها، و خوفها يذلها بذل آخر صنعه مجتمع قطيعي تافه يخفي عقده الكثيرة من خلال اجترار مشاكل الآخرين و بؤسهم. خاف خوفها من كلام الناس إذا، و من حقارة الكثيرين الذين سيصطفون كما جرت العادة مع الطرف الأقوى، فصمتت و استمر صمتها طويلاً لدرجة أحست معها أنها قد فقدت حاسة النطق، و أحاسيس أخرى كانت لتكون جميلة.

حتّى أنه وصل من الوضاعة إلى حد وضع معه جهاز تنصت في هاتفها، و كاميرا مختبئة في جهاز التكييف، كان يتصرف تماماً كزعيم في ذلك البيت، يفصّل القوانين التي تناسبه، و يدق عرض الحائط بكرامتها إذا ما فرضت نفسها كبشريّة تمتلك أحاسيساً أو آراء مخالفة.

لم يكن عليها أن تقصقص من أجنحتها و حسب، و لكن وجب عليها تقنين وقع خطواتها على الأرضية حتى لا تنزعج أذن حاكم المنزل، ذلك الذي يظن أنه اشتراها، أو تكرّم عليها بهذا السقف و هذا العقد.

و مع الأيام أصبح عندها أصدقاء تلجأ إليهم و تشتكي لهم انكسار إنسانيتها فيحرضونها على إشعال تنور كبير يحرق الأخضر و اليابس، يأكل الذل قبل الحزن.. تتخيل أنها فعلت، فتبتسم و تنام .
يوما بعد يوم يزداد الظلم و الذل، و يكثر من حولها الأصدقاء، سعادتهم تحرضها، و ثقافتهم تقويّها، و التنور الجهنمي يكبر و يكبر جداره كلماتهم و في داخله حزن يحترق و لا يموت فيزيد من إصرارها.


الكلمة لها فعل السحر، و لها من الطاقة ما يبني التنور و يشعل فيه.. هذا ما اكتشفته عندما انفجرت في وجه زعيم ذلك البيت سابة و لاعنة، ثم وثقته بطلاقها و عودتها للحياة.
**********


أنتم في كوابيسي، كما أنا في أحلامكم.. ظلمي لكم، فقركم، قمعي لكم، هشاشتكم، و أصوات أطفالكم.. كوابيسي التي تبدأ بتنور يحرق البشر، و تنتهي (بجراباتي) تقاوم الاحتراق.

أنا الزعيم "عباءة" لم أكن (أنتوي) رؤيتكم في عالم نومي، كما في عالم يقظتي، لكن ثورات البلاد التي لا تشبه بلادي قضت عالم نومي، و فتحت النار من مخيلتي على أجساد صغاركم الغضة، قبل أن تنطلق الرصاصات الحية من بنادق مرتزقتي، و كلابي.

في البداية قمت بإنشاء حساب على " الفيسبوك" تحت اسم " ثورة ضد الزعيم عباءة" متوقعاً أنني سألقي القبض على هؤلاء الخمسة الذين تسببوا في كوابيسي و قلقي، لكن الصفحة امتلأت..ملايين ..ملايين ضدي، أنا الزعيم "عباءة" أخاف أن أصبح بلا جرابات.. و أخاف من (الفلقة) حافي القدمين، و من ذلك الكابوس اللعين الذي ابتدأ بتنور يحرق البشر، و انتهى (بجراباتي) تقاوم الاحتراق.

تباً للفيسبوك (مالنا ) نحن و هذه الترهات و السخافات، شعب ( فاضي شغل ) يقعد كل يومه على الانترنت، و يريد أن نتشبه بالأجانب.. لم تعد سجوني تنفعني لا بد من قطع الكهرباء، وهذا على أغلب الظن الحل الوحيد الذي يضمن بقاء خيمتي.

الكلمة لها فعل السحر، و لها من الطاقة ما يبني التنور و يشعل فيه..هذا ما اكتشفته بعد كوابيس مريرة، و حساب (فيسبوكي) كنت أظنه سيقفر، لكنه عُمّر.
**********

لم يكن الشاب "مارك" مبدع "الفيسبوك" ليتنبأ بأن مشروعه الذي بدأ كموقع تواصل اجتماعي سيساهم في تغيير التاريخ، و ما من أحد توقع ذلك أيضاً، فالغالبية كانوا قد(نفضوا أيديهم) ، و أُصيبوا بالإحباط من جيل الشباب المُغيّب، لكن ما حدث في تونس، مصر، و مايحدث اليوم في غيرهما من البلاد غيّر مفهوم الناس عن الشباب و عن الفيسبوك.
و بالرغم من كون (الفيسبوك) استُخدم كأداة في ثورات كان( تَنّورها) يُبنى منذ زمن بعيد، إلا أنه كان حلقة هامة تصل القاطرة بالمقطورة و تؤمن لهما الوقود.
و مع أننا سمعنا الكثير من (الفتاوي) التي تُحلل و تهدر دم و تُحرّم، إلا أننا لم نكن من الحظ بمكان لنسمع (فتوى) شكر إلى ذلك الشاب الأمريكي الذي ظللنا لسنين نرجمه و مجتمعه بألقاب العيب و الحرام.

الكلمة لها فعل السحر، و لها من الطاقة ما يبني التنور و يشعل فيه، إذا أتت من القلب إلى القلب مترفعة عن الحقد، و بعيدة كل البعد عن كراهية المختلف..هذا ما كشفه الفيسبوك، و وثقته قناة الجزيرة.
**********

نحن المغتربون في جميع بقاع الأرض، و من جميع البلدان المسالمة الحنون، و من مختلف القوميات و الأديان و المعتقدات و الآراء.. يؤلمنا التعتيم الإعلامي في بلاد تضرب جذورها في عمق التاريخ كسنديان عتيق، يؤلمنا أننا نصطاد أخبار بلداننا من الفيسبوك بدلاً من أن نراها في إعلامنا.
سرتنا قناة الجزيرة لأنها كانت منبراً لصوت الأم الثكلى، و الشاب الذي شُلّ، كانت موجودة لتنقل إلينا أخبار حطب التنور الأخضر، و لتوّثق من الأمراض النفسيّة ما لم يخطر ببال.
(غنوا و ارقصوا و استعدوا) فنحن جاهزون يوماً لنكافح التزوير، و لنشهد بما وُثّق لنا على بركات الكرسي الذي أعمانا و العالم عن حقيقة مهلوسة.
نحن هنا في البعيد كلنا ألم مما شاهدناه في ليبيا، كلنا فخر باستمرار الثورة في مصر و تونس حتى لا تذهب دماء الشهداء هدراً.

نحن هنا في البعيد نشهد على يوم ربيعي آخر في سنة أخرى، في عمر لا يقترب من أي صفة نعرفها سوى أنّه " آخر"، نحمل في قلوبنا تراباً عزيزاً ننتمي إليه، و لا يغرينا سواه، منه صُنعنا، و رائحته في المطر تبقينا على قيد الأمل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تلقائية الريف
النرجس البري ( 2011 / 3 / 1 - 20:22 )

منظر النيران المشتعلة في تنور أمه يُدفئ قلبه الوحيد، و يَحرق حزنه الذي اعتاد أن يخفيه.

هي تذله بربوبيّة افترضتها و أقنعته بها، و خوفه يذله بذل آخر صنعه مجتمع قطيعي تافه يخفي عقده الكثيرة من خلال اجترار مشاكل الآخرين و بؤسهم. خاف خوفه من كلام الناس إذا، و من حقارة الكثيرين الذين سيصطفون كما جرت العادة مع الطرف الأضعف، فصمت و استمر صمته طويلاً لدرجة أحس معها أنه قد فقد حاسة النطق، و أحاسيس أخرى كانت لتكون جميلة.

ما فائدة الصراخ فهو ليس هنا، إنّه هناك.. هناك في تلك القرية البعيدة عن الدنيا وعن العالم، و القريبة جداً من الواقع، هناك مكان عجنت -أمه- عجين الصباح، و كسرت الحطب للتنور.
إن المشاعر واحدة سواء بهاء االتأنيث أو ضمير المذكر.


2 - القهرالساكن
محمد بشارات ( 2011 / 3 / 2 - 12:33 )
هو في قبو السياده حالم بجنة الفردوس والحور العين رهن اشارة من اصبعه من اجل هذا كل شيئ على غيره حرام واصدر الفتوى بالجنة والنار يملك الحقيقه المطلقهيملك السلطة والمال ---- تعب واتعب الحياه واكتملت الصوره الخياليه لديه ---- فخرج من قبوه ليجد قارئة تنبئه بأحوال الزمان وانه قصة من التاريخ الجبان


3 - Yemen
Loud ( 2011 / 6 / 5 - 12:06 )
لمذا ينسى الجميع اليمن عند ذكر سلسلة الثورات والتغييرات
فاليوم... سمعنا نبأ فرار صالح أو بالأصح تعرضه للقتل ونجاته ثم ذهابه للسعودية بهدف العلاج
وهنا تنطوي صفحة جديدة ويهرب حاكم آخر
دليل أنه مهما طالت الأيام فلابد أن يكون للأمر نهاية
حتى لو اعتقدنا بأن العالم ليس كما نريده في مخيلتنا
وأنه لامكان للصواب والخطأ
لكن لاتنفك الأيام ترينا عدلا في بعضها
تحية لك دكتورة
أنا معجبة كثيرا بقلمك ووجعك الذي هو نفس وجعي لكن قلمك موهبتك ومترجم لما في قلوبنا من لوعات

اخر الافلام

.. لما تعزم الكراش على سينما الصبح ??


.. موسيقى وأجواء بهجة في أول أيام العام الدراسى بجامعة القاهرة




.. بتكلفة 22 مليون جنيه.. قصر ثقافة الزعيم جمال عبد الناصر يخلد


.. الكلب رامبو بقى نجم سينمائي بس عايز ينام ?? في استوديو #معكم




.. الحب بين أبطال فيلم السيد رامبو -الصحاب- ?