الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زمن الفضائح

خلود الزغير

2011 / 3 / 1
كتابات ساخرة


أجمل ما في الفضائح انها تترك الحقيقة عارية وراءها، كعُريّ تماثيل آلهات اليونان جميلات وعصيّات. تلك الحقيقة التي تخلّفها الفضيحة قاسيةُ العُريّ بقدر ما هي كاشفةَ ونافذة. وهذا سِرُّ جمالها وسحرها، وهو أيضاً ما يجعها عصيّة على الإنصهار بها، لأن الحقيقة من نارٍ ونور ونحن بشرٌ من لحمٍ وكلمات.
مانشهده اليوم يمكن تسميته بِ "فضيحة المفاهيم" أو "فضيحة الشعارات". وهي ليست فضيحة خاصة بمنطقة دون أخرى على هذا الكوكب، في الغرب أو الشرق، الشمال أو الجنوب، وليست مقتصرة على فئة معينة نخبة أو شعب، أغنياء أو فقراء بل هي "فضيحة عالمية" بإمتياز. وما يميّزها ظهورها بعريّها الكامل بعد احتشامٍ زادَ أو قلَّ سابقاً، وبأنها اليوم لم تستثني أحداً من فتنتها حتى أكثرهم زُهداً.
بعد الفضيحة الساحرة التي أشعلها بائع خضار في أول ديكتاتور عربي، أصبح محمد البوعزيزي كمن قطع حبل السرة بين جيل الشباب وجيل آبائه الخائفين،المتوجسين والحالمين المتأملين في نظريات التغيير وشروطه. ففتح بالنار والدم سجلٍّ حافلٍ من الفضائح المتتالية للمسكوت عنه طوال عقود من الإستبداد في تونس ومن بعدها مصر وليبيا ولتمتد الثورة كظاهرة وكنمط حياة يوميّة بعد سنوات سُبات وذُلًّ طويلة.
الفضيحة الأبرز كانت عربيّة الطابع تأتي في خانة "فضيحة المفاهيم"، حيث أنّ مفاهيم مثل: (الدستور، القانون، الرئيس، الأمن، المواطن، الشعب، الوطن..إلخ) وغيرها تعرّض لفضيحة نكراء وسقطت أقنعتها تحت هدير الهتافات من الساعات الأولى، لنجد لها معنىً آخر بدأ يتكون من جديد في هذه الدول بعد أن مارس حكّامها ما يشبه عملية إعادة إنتاج زائفة لمضامينها طوال فترة حكمهم خدمةً لمصالحهم واستمراريتهم.
الفضيحة العربية الثانية كانت "فضيحة شعارات"، فهذا الجيل الذي صنع الثورة كان قد رضع حليب الوحدة العربية والحرية وغيرها من الشعارات من صدر الإعلام العربي المحلي والكتب المدرسيّة والمنظمات الحزبية الواحدة. لكنه ببساطة تفاجأ في أيام الثورة بفهم آخر للوحدة العربية يعني تكاتف الحكام العرب مع بعضهم حتى المتخاصمين سابقاً ضد الشعب العربي الثائر، سواء بإرسال برقيات الدعم أو دعوات الإستضافة أو الدعم المخفي. وأن الوحدة العربية هي أمر خاص بالقادة العرب فقط لا يخص الشعوب التي عليها تلقي الأوامر بالتظاهر أو إقامة المسيرات لرفع شعارات الوحدة في مناسبات يقررها القادة العظام صناع التاريخ. لذلك منعت وحوصرت في بعض الدول التظاهرات المساندة للثورات العربية الشقيقة وللشهداء. لهذا نسأل لماذا نعتبر خارجين عن القانون ونحن نطبق ما تعلمناه من شعارات أحزابكم وقوانينكم بأننا شعب عربي واحد؟ لماذا لا يحق لمواطن عربي التضامن مع أخيه العربي في قطر عربي شقيق؟
ويسقط مرّة أخرى شعار الوحدة العربية بقسوة أكبر أمام دماء الليبين واستغاثاتهم التي تقابل بصمتٍ عربيّ مريع، تُرى مَنْ أَولَى بوقفِ هذا النزيف ووضعِ حدٍّ لمختلٍّ عقلي همجي كالقذافي، الدول الغربية بكل مصالحها البترولية والغازيّة في المنطقة أم الأشقاء العرب القوميين والأحرار؟ إنه ببساطة زمن "فضيحة الشعارات" البراقة للوحدة والحرية التي أعيد إنتاجها أيضاً بمعانٍ زائفة في قصور الحكم بما يخدم البقاء الأزلي ..الزائل.
"فضيحة المصالح" كذلك لم تكن خافيةً على أحد، كانت عارية لكنها لم تكن عاهرة كما اليوم. في زمن الثورات المُشرف بدا أن وحدة المصالح بين الحكام العرب وحكام الغرب أقوى بكثير من مسؤولياتهم تجاه أوطانهم وشعبهم، لكن بعد سقوطهم يعودون كما شعوبهم لاشيء بنظر الغرب. كشفت هذه الثورات فضائح الثروات الطائلة والصفقات الشخصية، كما كشفت "فضائح الشعارات" الغربية لحقوق الإنسان والديمقراطيّة التي لاتتجاوز حدود الدولة الغربية ولا تتعدى مواطنيها.
الثورة اليوم عرّت تلك النخب المزيّفة، المنفصمة عن روح مجتمعاتها، الغارقة في التنظير السفسطائي، المُخيّبة لروح الشعب وبالأخص تلك النخب المُشتّتة المُجزّئة التي لم تسطع لا أن تتوحد مع بعضها في دولتها وتوحد مطالبها ولا أن تنصهر مع شعبها وتقف خلفه لينجز ثورته، بل على العكس أحبطته بتجزئتها وببياناتها المتناقضة والمتكالبة على كُرسيّ السلطة ذاك ما تهدف الثورة إلى تحطيم صنمه. لقد كشفت الثورة "فضيحة النخب".
وعرّت أيضاً زيف بعض الشعوب أو بعض فئاته الذين بقوا حتى اللّحظة الأخيرة يقدمون ولائهم لجلّاديهم خوفاً أو مصلحة ويهتفون بإسمهم، قاطعين مع دماء إخوتهم ومواطنيهم في ساحات التحرير. هذه الفئات الشعبية المُدجّنة قايضت المصلحة الشخصيّة بالمصلحة الوطنية، وعلى الرغم من أنها حصلت بفضل السلطة على أعلى الشهادات واعتلت المناصب لكنها كانت الأقل وعياً سياسيّاً من رجال الشارع الفقراء الذين علمتهم الحرية ما معنى الوطن وما معنى حقوقهم وكيف يحصلون عليها.
وتبقى أكثر الفضائح فُكاهةً هي "فضائح الخطابات" الرئاسيّة للمخلوعين ومن في طريقهم، حيث ظهروا كرواد فضاء قادمين من كوكب آخر يتكلمون عن عوالم أخرى. عن إنجازاتهم التي كذبوا فيها وصدّقوها، اصلاحاتهم التي سينجزوها في العقود القادمة، محبتهم لوطنهم وتفهمهم لشعوبهم وتهديداتهم أحياناً..
الكل كرّر الخطاب ذاته لكن باللكنة المحلية الخاصة فأفسحوا لنا المجال للتعرف على اللهجات العربية المختلفة والغنيّة في الفترة السابقة بسماعنا لخطابٍ واحد بصيغٍ متعددة ونهاية واحدة.
إنّه زمن الفضائح الجميلة العارية والموجعة القاسية أيضاً، تنتشرُ كالنار في حقلٍ صيفيٍّ حان وقتُ حصاده. وكلُّ هذا الصمت لن يسكت شعباً أراد إسقاط نظام الخوف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع


.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو




.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب