الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ظاهرة القذافي ..أسطرة الأزمة والهروب من المسؤولية

رحاب العربي

2011 / 3 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


كلما عجز العقل البشري عن فهم أزمة ما او فشل في التعامل معها واستغلقت عليه السبل في إيجاد حل لها، يلجأ لأسطرتها واختلاق أبعاد حولها تتجاوز المعقول او يحيلها الى رمز يعفيه من التفكير وإعمال العقل وبذل الجهد لحلها وتفكيكها وإزالة كل مسبباتها.

وآلية الاسطرة هذه تكبر وتصغر بقدر كبر وصغر الأزمة، وتتشكل وفق السيناريو المطلوب لإكسابها فاعلية التاثير في وعي صانعيها، فهي تكون في حدود تعليق المشكلة على حائط الله "الله غالب" عندما نفشل في تأدية واجب ما او نقصر في أداء عمل، مع قناعتنا الكاملة في داخلنا بأن الله سبحانه برئ كل البراءة مما نسبناه له وأننا كأشخاص حبانا الله بالعقل مسؤولين مسؤولية كاملة عما نرتكبه من أخطاء في حق أنفسنا ، وفي هذه الحالة يكون حائط الله منيعا وعصيا على المجادلة بما يقينا من المحاسبة والعقاب . وتكبر هذه الآلية أفقيا كلما كبرت الأزمة وتنزل من سماء الله "الله غالب"-إذ لا يكفي الزج بالذات الإلهية منفردة في أزمة كبيرة مستغلقة - الى أرض شعبه المختار "اليهود" وتخلق لها الأساطير وتحبك لها الروايات الغريبة والمدهشة والمخدرة للعقل لتعفيه من التفكير وبذل الجهد لحل الأزمة ، وتمثل اسطورة التهويد النموذج الأكثر استعمالا في الحالة العربية اليوم كمشجب لتعلق عليه الأزمات المستغلقة أمام التفكير .

وتمثل أسطورة الأصول اليهودية للقذافي التي نسجها الخيال الليبي المشلول بتخاذله وكسله عن التفكير وإعمال العقل في اسباب مشكلته، والتي استغلتها أجهزة المخابرات الاسرائيلية وضخمتها وأعيد تفعيلها هذه الأيام لتخدير عقول الليبيين في مواجهتهم الدموية مع نظامهم الحاكم، تمثل نموذجا لتلك الآلية المدهشة لتخدير العقل الليبي وحتى العربي وإعفائه من البحث عن الاسباب والجذور الاجتماعية والنفسية والسياسية التي انتجت هذا الطاغية، والتي تعفيهم ايضا من الجزء الأكبر من المسؤولية عن تضخم الطغيان والأنا المعظمة لشخصية القذافي التي اسهم الشعب الليبي بسلبيته وصمته وخدره في انتاج الجزء الأكبر منها.

وحتى لا يضطر الليبيون لمواجهة ذاتهم وإدانتها بالتواطؤ مع القذافي وتسليم بلادهم وحتى أنفسهم له على مدى اربعة عقود ماضية دونما مناقشة او محاسبة او معارضة لكل القرارات التي يتخذها منفردا في حقهم بدون مشاورتهم، وتماهيهم مع نزعته المتعالية على البشر التي أوصلته الى هذه الحالة من الطغيان والأنا المتضخمة، نراهم يلجأون الى آلية الأسطرة المخدرة للعقول والمبرئة للضمائر من الإدانة، وبما أن الأزمة بحجم وطن ومستقبل أجيال، فلابد أن تكون الأسطورة بحجم ونسيج يوازيها وتكفي لتخدير عقول الخمسة ملايين ليبي وتفيض على كل من يهتم بهذه الأزمة، وتمثل اسطورة التهويد خير ترياق وآلية يمكن ان تعالج المشكلة وتخلي طرف الليبيين من المسؤولية في انتاج هذه الظاهرة الفريدة من الطغيان في التاريخ المعاصر، وتعفيهم من مراجعة أنفسهم ومحاسبتها عن تقصيرها في أداء واجبها، والعمل على إعادة النظر في مجموعة القيم الاجتماعية والفكرية المسيرة لحياتهم.

وآلية او مخدر التهويد لا ينفرد الليبيون باختلاقها والقاء الأزمات الكبيرة على مشجبها، مع تسليمنا بوجود دور لليهود في الكثير من الأزمات التي واجهها العالم بحكم وجودهم كمواطنين في منطقة الأزمة، بل هي تكاد تكون آلية عالمية مستعملة من قبل الكثير من الشعوب خاصة في المنطقة المطلة على حوض المتوسط منذ القدم، فكلما استغلقت أزمة ما وأصابت ضحاياها بالارتباك والعجز عن المعالجة في مراحل متعددة من التاريخ نجدهم يستدعون تلك القوالب الجاهزة من نوع التآمر اليهودي، وكراهية اليهود لغيرهم من الأمم وسعيهم لتدمير العالم، لتحميلهم منفردين المسؤولية الكاملة عن تلك الأزمة، وتبرئة الذات من اي مسؤولية عنها. وهذه الاسطرة للأزمة سرعان ما تحيل العقول الى الخدر وتريح الضمائر من المحاسبة، وتصرف المجتمعات عن البحث في الاسباب الحقيقية الكامنة وراء تلك الأزمات، وهو ما يعني بقاء مسبباتها وإمكانية ظهورها مرة أخرى كلما توفرت لها أسباب الظهور.

واستدعاء اسطورة الأصول اليهودية للقذافي، وما نسج حولها من قصص، وظهور تلك السيدة اليهودية في ناتانيا بفلسطين المحتلة على شاشة القناة الثانية الاسرائيلية بالتزامن مع اندلاع انتفاضة الشعب الليبي ضد القذافي لتروي للمشاهدين قصة اسطورية تعالج دهشتهم وتبرر عجزهم أمام ظاهرة القذافي النادرة وتبرئ ضمائر الليبيين وتخلي ساحتهم من المسؤولية عن انتاج ظاهرة الطغيان وما جرته عليهم من ويلات، تقدم خدمة مفيدة للطرفين؛ فاختلاق أصول يهودية للقذافي، رغم بعد هذه الفكرة عن الواقعية ومجافاتها للعقل، تعفي الليبيين من المسؤولية عما جرى لهم، بالاستناد الى القناعة المترسخة في عقولهم وعقول كل العرب والمسلمين حول تأصل فكرة التآمر اليهودي على العرب والمسلمين منذ القدم، وكذلك تحقق اسرائيل بتبنيها لهذه الاسطورة إضافة مفيدة ومضخمة لشخصية اليهودي وقدرته على النفاذ الى اعلى المناصب في الدول المعادية، وهذا ما يحيل الاسطورة اليهودية الى حالة مرضية تهيمن على عقول العرب وتشل تفكيرهم وتبث بينهم الفرقة والشك وتزعزع ثقتهم بانفسهم وتبقيهم في حالة شلل كامل يمنعهم من وضع الحلول الناجعة لأزماتهم ومعالجة جذورها من جهة ، وتقوي الشعور بالتعالي والتميز عن الأغيار لدى المواطن اليهودي .

وفي أجواء هذه الأسطورة سيظل الليبيون وكل العرب الذين يعلقون مشاكلهم على حائط الله السماوي او مشجب التهويد الأرضي، سيظلون يعيدون انتاج مشاكلهم من جديد كلما وصلت بهم الأمور الى الحائط وانسدت في وجوههم المنافذ، ويبقى المخرج الوحيد والسليم لكل الأزمات والمشاكل التي تواجه العربي كفرد او كأمة هو الاعتراف وبكل شجاعة بالمسؤولية عن هذه المشاكل ومحاسبة الذات ووضع الحلول الناجعة لجذور هذه المشاكل والتوقف عن سياسة الاكتفاء بالتعامل مع مظاره هذه المشاكل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -علموا أولادكم البرمجة-..جدل في مصر بعد تصريحات السيسي


.. قافلة مساعدات إنسانية من الأردن إلى قطاع غزة • فرانس 24




.. الشرطة الأمريكية تداهم جامعة كولومبيا وتعتقل عشرات الطلاب


.. أصداء المظاهرات الطلابية المساندة لغزة في الإعلام • فرانس 24




.. بلينكن يلتقي من جديد مع نتنياهو.. ما أهداف اللقاء المعلنة؟