الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ديمقراطية

مزن مرشد

2004 / 10 / 12
حقوق الانسان


أمام البرلمان السوري ، رمز الديمقراطية ، وقفنا نطالب بها ، صامتين رافعين شعارا وحيدا " لا لقانون الطوارئ" .
أمسكنا بأيدي بعضنا البعض، ونزلنا إلى الشارع ، لنقطع الطريق ، لدقيقة واحدة ثم عدنا إلى الرصيف المقابل وبدأنا نفرد لافتاتنا بصمتٍ خشوع، أمام 41 عاما من قانون لم يعد أي مبرر لوجوده.
لا يخفى على أحد هيئة رجال الأمن عندنا ، منهم من كان مدنيا ، وأكثريتهم لحفظ النظام ، خوذ ضخمة وعصي جاهزة للضرب.
اقترب أحد الضباط صارخا في وجه زميلنا أكثم رئيس اللجان:" المعتصمون يرفعوا أيديهم ومن لا علاقة له يمشي " .
رفع أكثم يديه الاثنتين عاليا وصرخ بأعلى صوته :" شباب اللجان ارفعوا أيديكم .....على الحبس "
في هذه اللحظة اندفع رجال حفظ النظام دفعة واحدة، منهم من اهتم بتمزيق اللافتات قبل أن يقرأها أحد ، آخرون ضربوا زملاء لنا حاولوا منعهم من ذلك ، والفئة الأكبر تبعتنا لتعتقلنا واحدا تلو الآخر، كان أولنا الزميل أكثم .....
عندما أخذوا أكثم احتد الجميع وأخذنا نقرب من رجال الأمن بالرغم من النصائح بأن لا نتدخل وإلا أخذونا معه والتي وجهها لنا بعض زملائنا الذين أسرعوا خارجين من المكان ، لكنا لم ننتصح وبقينا قريبين نراقبهم ما الذي سيفعلونه وما النتيجة التي ستكون قريبة .
بعض زملائي أبعدوني عنوة أنا وزميلتان لي ، عندما أدركوا ان ضربنا ، أمرا غير مستبعد، لكني لم أبتعد بل مشيت باتجاه الآخرين خطوتين لا أكثر، أحسست بأحدهم خلفي ، بقيت أمشي ببطء غير مهتمة به إلى أن أحسست بيده تهوي على كتفي مطالبا بالأوراق التي كانت بيدي ، كان باللباس المدني، لم أعطه الأوراق وقلت له أن لا علاقة له بأوراقي ولا علاقة له باسمي ولا بعملي ، وزميلتي تشدني من ثيابي وتترجى بي أن أكلمه بلطف لنمشي بسرعة ، إلى أن تبدل الموقف وقرر الرجل إن يستخدم صلاحياته ، فأخذ الأوراق عنوة من يدي ، ويبدو أنه عرفها فورا فهي بياناتنا وعريضتنا التي نقف من أجلها اليوم ، والحق يقال أنني لم أستطع إلا أن أعطيه اسمي وهويتي بعد أن أكد لي بالدليل القاطع أن لا شيء يردعه من ضربي وسط الشارع دون أية اعتبارات تذكر.
سحبني مع البنتين إلى سيارة النجدة الحمراء ، التي أظنها استوردت لنجدة المواطنين لا لاعتقالهم ، ومعي البنتين ، وهو يحرسنا مع اثنين من عناصر حفظ النظام حتى وصلنا إلى السيارة التي يقف أمامها من هو على ما يبدو رئيسه قال له : أحضرتها سيدي ، قال : أنت فلانه ، قلت : نعم ، قال أجلسهم في السيارة . قلت له : الفتاتان لا علاقة لهما . رد من أحضرني : سيدي كانتا معها ونزلتا معها من سيارة الأجرة ذاتها.
أدركت أن الأمر لم يكن عشوائيا أبدا، الجماعة يعلمون ويعون ما يفعلونه تماما.
في السيارة أحسست بهدوء غريب كان قد سيطر على الشارع ، الناس وقفوا مشدوهين ينظرون إلى هذه التوقيفات الجماعية ، بعضهم لم يسمع حتى الآن لا بالثورة ولا بقانون الطوارئ ولا بأي شيء آخر ، وبعضهم دفعه الفضول للسؤال : "شو في ؟؟؟"
وآخرون وقفوا صامتين مدركين بحدسهم أن شيئا غير اعتيادي حدث اليوم.
ما أضحكني كان جواب أحد عناصر الأمن لامرأة عجوز عندما سألته لماذا يقتادني مع البنتين والتي كانت لهجتها مليئة باللهفة والخوف على بنات بعمر أحفادها قالت :
" خطي ولك ابني ...شو عاملين ."
لم ينظر اليها بل ظل مسمرا نظراته علينا وأجابها بجفاف:" حرمية خالتي ."
فمشت العجوز بطريقها تتمتم بصوت مسموع:"" الله يلعن الشيطان ، صبايا مثل الوردة ليش يسرقوا.؟؟؟!!!!"""
لم يكذب أبدا نحن لصوص بمنطقه ، نحاول سرقة الاستقرار الذي يعيشه وسواه أو الذي يعتقد أنه يعيشه ، نحاول أن نسرق حقنا في أن نحيا بإنسانية في وطن نحبه، نعشق أبناءه ، ونحيا ونموت من أجله.
الضابط الواقف أمامنا لم يجد من المناسب أن نبقى في السيارة وحدنا ، وحبا منه بتونيسنا أنزلنا منها وأخذنا لنصعد بالميكرو سيرفيس الذي ضم حوالي الأربع عشر ناشطا من زملائنا.
نزلنا من السيارة ومشينا باتجاه الميكرو وما زلنا صامتين إلى أن هوت عصا حفظ النظام على صمتي الخارق للنظام ، ليضربني بشدة على يدي التي أحاول فيها رفع هاتفي الخليوي فقط لأخبر زوجي أن يأخذ الأولاد لوالدتي ولا ينتظروني على الغداء.عندها تجمع كل صوت في العالم ليخرج من صوتي بصيحة أفزعت الرجل وأفزعت زملائي في الحافلة وهم ينظرون إلي ، قلت له : لماذا تضربني ؟؟؟ هل آذيتك ؟؟؟؟ لماذا تضربني ؟؟؟أجب. هيا أجب.أنا هنا من أجلك أنت ، ليس من اجلي ...من أجل حقك أولاً ، افهم" وهنا امسكني أحدهم وأصعدني عنوة إلى الميكرو .
لم أستطع أن أقاوم رغبتي في معرفة الذي ضربني ، بقيت أنظر إلى الخلف حتى رأيته ، كان مصابا بما يشبه التجمد ، وكأن أحدا ضربه على رأسه ، نظرت في عينيه مباشرة بعد أن اعتقدت أن لا ملامح له ، وجاء دوره ليصعد معنا في الحافلة، بدأت الحافة بالتحرك وهو يوشك أن يصعد فزلت قدمه وكاد يقع ، أسرعت ممسكة بيده أشده للداخل ، عندما صعد لم تغب نظراته عني مشدوها ،لا أدري ما الذي أصابه . رفع الخوذة المصفحة عن وجهه ، أذهلتي طفولته ، شاب لم يتجاوز التاسعة عشر من عمره أو أقل وما تزال علامات الدهشة بادية عليه .
قررت التحدث معه : قلت له :" لماذا ضربتني هل آذيتك ..؟؟؟"
قال بجفاف وكأن أحدا يراقبه :" كنت ستتحدثين بالموبايل وهذا ممنوع ..."
قلت له :" عندي أطفال.... لا أريدهم أن ينتظروني ويحزنوا لغيابي عما توقعوا..."
بقي محدقا بي . ثم لم يجد جوابا إلا كلمة واحدة : أنتم أعداء البلد ؟؟؟؟؟
ابتمست وقد تذكرت أحد أفلامنا العربية لأحمد زكي عندما يغسلون دماغه في الخدمة ويفهمونه ، أن من يقول لا هو عدو الوطن ، تحولت ابتسامتي إلى ضحكة عندما رأيته يبتسم أيضا وكأن ثقلا سقط عن كاهله بابتسامتي .
عندما تجاوزت الحافلة دمشق باتجاه صحراءها الممتدة شمالا قلت لزملائي ضاحكة :" سيأخذوننا يا شباب إلى الصحراء ويرشونا هناك وخلص لا مين شاف ولا مين دري..."
كنت أمزح وكل من في الحافلة ضحك معي ، إلا شاب حفظ النظام ( مكافحة الشغب) نظر إلي طويلا منتظرا أن تلتقي عينانا عندها قال لي :" لا تخافي لن يحصل شيئ ، اتصلي بأطفالك قولي لهم لن أتأخر"
أذهلني إحساسه بنا هذا الشاب الذي أتى معتقدا أننا أعداؤه، عندها فقط شعرت بالسعادة فهذا أول الغيث، حاولت شكره لكني لم أستطع فقد كان أكبر من أي شكر
دمعة حبيسة لمحتها في عينيه

8/3/2004








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -جبل- من النفايات وسط خيام النازحين في مدينة خان يونس


.. أزمة المياه تهدد حياة اللاجئين السوريين في لبنان




.. حملة لمساعدة اللاجئين السودانيين في بنغازي


.. جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في ليبيا: هل -تخاذلت- الجن




.. كل يوم - أحمد الطاهري : موقف جوتيريش منذ بداية الأزمة يصنف ك