الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحجارة الثلجية

رحمن خضير عباس

2011 / 3 / 1
مقابلات و حوارات


الحجارة الثلجية

تمتد اوتاوة ,العاصمة الكندية , على واد كبير يحمل اسمها . كما تستلقي على باقة من الأنهر الكبيرة , اشهرها ( نهر اوتاوة ) وباقة من البحيرات الكبيرة والصغيرة التي تتقاطع مع غابات هائلة وكأنها تعانق القطب الشمالي . وهي المدينة الوحيدة في كندا التي تضم مقاطعتين : اونتاريو الأنكليزية وكيبك الفرنسية واللتان يتجاوران ويمتزجان في هذة المدينة . يفصل بينهما نهر اوتاوة , وما ان تعبر احد الجسور العابرة لللأقليمين حتى تختلف اللغة وتتحول الى الفرنسية , ومع الصراع اللغوي التأريخي بين الناطقين بالأنكليزية والناطقين بالفرنسية . والذي تمخض عن فكرة الأستقلال التي اجهضها الأستفتاء . انه تعايش جميل رغم الرغبات المتنافرة لتأكيد الهوية .القسم المقابل لأوتاوة هي غاتينو الفرنسية حيث متحف الحضارة الذي صمم وفق معايير الموروث الكندي الذي استلهم ثقافة السكان الأصليين .يقابله في الضفة الأخرى للنهر المركز الفني الوطني بقبابه الزجاجية الهائلة التصميم . ومن هناك يترآى مبنى البرلمان الذي يمثّل ارقى التصميمات المعمارية للقرن التاسع عشر , يجاوره مبنى هائل ذو تصاميم قوطية , يطل على النهر هو
( شاتو لورييه ) والذي صُمم من قبل مهندس ( تايتانك ) . ويطل على قناة ريدو التي بناها الكولونيل باي والتي ترتفع بشكل تدرجي من النهر الى تلك القناة حيث مازالت السفن السياحية الصغيرة تعبره لحد الأن مما جعله مأثرة سياحية رائعة , تنشط صيفا . وقد سميت القناة بكلمة ريدو الفرنسية التي تعني الستارة او الحاجز . والذي يستخدم كستارة ضد الأعداء .
تزدهر اوتاوة في عرسها الشتوي , حيث تكون مجالا فسيحا للأحساس بمعنى الشتاء , حيث البرودة القاسية التي تصل الى درجات متدنية , بحيث تتجمد البحيرات , وكذالك حافات الأنهر , والتي تستغل من قبل هواة الصيد الشتوي للسمك حيث يعمدون الى فتح حفر بالمثاقب في وسط البحيرات والأنهر . يضعون صناراتهم في تلك الحفر لأصطياد السمك . كما تزدهر الرياضات الشتوية بانواعها ولاسيما التزحلق على الجليد .
يبدأ البرد تدريجيا منذ شهر اكتوبر , ثم يتصاعد ويصل الى ذروته في يناير وشباط . تتساقط الثلوج في الخريف , وتستمر شتاءاً , حتى تكتسي المدينة بياضا فسيحا ,تتجلى كعروس تختال في فستانها الأبيض الذي لايغادرها حتى ابريل . وضمن هذه المساحة الزمنية , تظل المدينة وفيّة لعرسها الشتوي ويصبح الثلج والجليد علامتها الفارقة التي لاتغادرها حتى الربيع . وللشتاء نكهته ولونه , فرغم شدة البرد التي تصل احيانا الى ناقص 40 درجة مئوية , فإن الشتاء الكندي فرصة للفرح والمرح والرياضة . ويأتي مهرجان الحجارة الثلجية ( وينتر لود ) منسجما مع اجواء الشتاء القارسة . كما يشكل جزءا من التحدي ففي نهاية المهرجان تُقام الحفلات الراقصة في اجواء البرد الشديد , وفي حضور جماهيري مكثّف , حتى يداهمك احساس بان البرد يمكن ان يٌهزم من قبل اجواء الحماسة الأنسانية التي تؤمن بالفرح .
أُنشأ مهرجان ( وينتر لود ) لأول مرة عام 1979 من القرن الماضي .حيث حاولت بلدية اوتاوة ان تحوّل نقمة البرد الشديد الى نعمة ومتعة , ولتجعل من هذه المدينة القارسة البرد قبلة لمحبي الرياضات الشتوية والسوّاح الذين يريدون ان يلامسوا ملامح القطب المتجمد ويشموا رائحته . وتستعد المدينة لهذا العرس . من خلال تحويل( ريدو كنال ) الى اكبر ميدان للتزحلق في العالم .حث يبدأ من ( شاتو لورييه ) قلب المدينة . وينتهي ببحيرة (دوز ليك ) وهذه المساحة تنفرد عالميا (7.8كم ) في كونها اطول ميدان مفتوح للتزحلق بحسب غينس للأرقام القياسية .
يبدأ مهرجان ( وينتر لود ) في الأسبوع الأول من شهر شباط في كل عام . حيث البرودة في اشدّها , ويكون مسرح المهرجان , بين ريدو كنال التي تتخصص في التزلج على الجليد والتي تنتهي ببحيرة ( داوز ليك ) وفي هذه المساحة يمتد مسرح للمرح والرقص ولاسيما في عطلة نهاية الأسبوع الثلاثة التي تغطي المساحة الزمنية للمهرجان . الى الجانب الآخرمن النهر حيث ساحة ( بلاص كارتييه ) التي تتحول الى جنة ثلجية لللأطفال , حيث المسطحات الثلجية والمنشآت , حتى تتضائل الطبيعة امام اصرار التحدي الأنساني .كما تزدان ساحة المهرجان الرئيسية ( كونفدريشن بارك ) بالنصب الثلجية والجليدية . التي تنجز امام الناس من قبل مجموعة من الفنانين المتخصصين بهذا النوع من النحت , والذين ينتمون الى جنسيات مختلفة . وفي هذه الساحة يرفرف العلم العراقي عاليا , جنبا الى جنب مع اثني عشر علما اخر يمثلون الأوطان الأصلية للفنانين المشاركين في هذه المنافسة الأبداعية للنصب الجليدية , التي تتلألأ في جنبات الساحة وكأنها اشكال كريستالية في جمالها وشفافيتها . ويعود الفضل في ان يرتفع علمنا العراقي في هذه الساحة الى الفنان العراقي موفق عبد الهادي الرسام . وهو من مواليد 1967 في محافظة بابل . حاز على شهادة البكالوريوس في الفنون التشكيلية من كلية الفنون الجميلة / جامعة بغداد . درس الرسم على يد الفنان الكبير فائق حسن , والنحت على يد الفنانين صالح القرة غلي وعزام البزاز . اقام عدة معارض داخل العراق وخارجه . كما قام بكتابة برامج وثائقية عن الفن ومنها برنامج ( سحر الشروق 1997 ) .
بدأ تجربته الأولى في النحت على الجليد عام 2005 حينما تعرّف على احد اعضاء اتحاد نحّاتي الجليد الكنديين فانضم من خلاله الى هذا الأتحاد . ومن المعتقد انه الفنان العربي الوحيد في العالم الذي يمارس النحت على الجليد .
وحينما سالته عن الدوافع التي جعلته يمارس هذا الفن ويتمتع به اجاب ( إن الفنان بطبعه يتميز برغبة عارمة نحو الأكتشاف والتجريب . ومنذ أن كنت في العراق كنت اشاهد برامج وثائقية , تغطي اخبار مهرجانات الجليد في بلدان مثل اليابان وامريكا والصين وروسيا . وكان هذا الفن مستبعدا بالنسبة لي لأن العراق ليس معروفا فيه التعامل مع هذا النوع من النحت لطبيعته الحارة . ومن جهة اخرى سحرتني فكرة انجاز منحوتة ضخمة في ايام معدودة , فمعظم مشاريع النحت تستغرق شهورا بينما يختلف الأمر مع الجليد , حيث استطيع ان احقق نتائج سريعة في غضون ساعات , وارى منحوتتي ماثلة امامي .... )
والفنان موفق يرى أن النحت على الجليد ينتمي الى عوالم ساحرة , وكأنه آت من اعماق البحار , وهو يحمل الجهد والخطر والمتعة في آن واحد . ولقد حصل على ثلاث ميداليات برونزية في معترك الأبداع الجليدي مزاحما كبار فناني هذا النحت العالميين , الذين ينحدرون عادة من بلدان باردة ويتكئون على رصيد تأريخي وجغرافي في التعامل مع هذه المادة . ومع ذلك فقد ظل يصارع هذه العوامل مجتمعة , مصرّا على رفع علم العراق .
يصف موفق عبد الهادي الرسام تعامله وتجربته مع الجليد بقوله ( مادة الجليد من اصعب مواد النحت فهي تجمع بين صلابة المرمر وهشاشة الجبس , واقل غلطة قد تؤدي الى كسر كبير في المنحوتة او فقدان قطعة ضخمة يصعب تعويضها , كما أنّ النحت على الجليد يتميز باسلوب مختلف , فالفنان يبني العمل كاملا , ثم يقوم بازالة الفائض منه بحذر لتحقيق الشكل النهائي .)
الطريف في الأمر أنّ نسبة كبيرة من فناني النحت الجليدي عبر العالم هم من الطباخين في ارقى المطاعم العالمية . حيث اصبح الطبخ فناً لايعتمد على الوسائل التقليدية , ولاعلى العناصر والمكونات التي تعتمد على اللون والنكهة والرائحة . حيث اصبح اهم عنصر هو طريقة التقديم وما يرافقها من التنسيق والتلوين , وكأن الطبق لوحة فنية . كما ان تقديم الفوكه يتجسد وكأنه هيكل نحتي .
ولكل عام ثيمة يتبناها النحاتون . اما هذا العام فيقول موفق عنها ( ثيمة هذا العام هي " الين يانغ " وهي تنبع من الفلسفة الصينية القديمة وتعني التكامل بين الأضداد . اذ لايمكن رؤية الأسود دون الأبيض ولا رؤية الليل دون النهار , ولانلمس الخيردون ان نعرف الشر . ) لقد حصلت منحوتته على المرتبة الخامسة لهذا العام في هذا المعترك الجميل . وهي تمثل النكامل الأنساني بين الرجل والمرأة اللذين يكملان بعضهما . ثيمة لها مغزى كبير يرتبط بالحياة . وفنان يؤكد عمق الأرتباط بالوطن والأصرار على رفع علم العراق عاليا في اصقاع المهجر, والأنطلاق في مَدَيات لاتعرف حدوداً .
اوتاوة 26 / 02 / 2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ياليتنا
رحيم الغالبي ( 2011 / 3 / 2 - 18:53 )
ياليتنا كنا معكم ...فنفوز فوزا عظيما
جميل ورائع
تحياتي

اخر الافلام

.. غزة : هل طويت صفحة الهدنة ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. هل يستنسخ حزب الله تجربة الحوثي في البحر المتوسط؟ | #التاسعة




.. العد العكسي لسقوط خاركيف... هجوم روسي شرس يعلن بداية النهاية


.. أمير دولة الكويت يعلن حل مجلس الأمة وتعليق بعض بنود الدستور




.. الحرب في غزة تحول مهرجان موسيقي إلى ساحة سياسية | #منصات