الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سمات الدولة العربية وعلاقات التعاون والنزاع

ياسر قطيشات
باحث وخبير في السياسة والعلاقات الدولية

(Yasser Qtaishat)

2011 / 3 / 1
السياسة والعلاقات الدولية


منذ أن قامت الدولة القطرية العربية في القرن العشرين، وبرز معها مفهوما السيادة والجنسية، تجلَّت لها مجموعة سمات تستحق أن نتعرف عليها ، ونحن ننظر في توزع هذه الدول بين التعاون والنزاع .
أولا : إسباغ الشرعية على النظام: وذلك من خلال إعلان الدولة العربية تبنِّيها لأهداف الأمة، والتأكيد على إبراز نضال حكامها لتحقيق الاستقلال وتحريرها من نير الاستعمار، وتبنَّي مشروع الأمة الحضاري الذي يتضمن - فضلاً عن التحرير والتوحيد - سيادة الديمقراطية بشكل شكلي، وحقوق الإنسان، وتحقيق العدل الاجتماعي، والتنمية، والتجدد الحضاري، وقد تطورت شرعية النضال منذ المستعمر إلى شرعية الثورة، حين نجح عسكريون ومعهم حزبيون ومدنيون أحيانًا في تغيير نظام الحكم القائم في الدولة بحجة وجود فساد فيه، كما اقترنت شرعية النضال بمحاولة إسباغ الشرعية الدينية للسلطة السياسية من خلال تبنِّيْها حركة دينية، أو إعلانها التمسك بالقيم الدينية والحرص عليها والدعوة إليها.
ثانيا: الالتزام بأسس وطنية: الانغلاق على الداخل ومحاولة الاستقلال عن معايير القومية العربية، تولَّد عنها نوازع عدة للمحافظة على الكيان السياسي القائم، وقد أطلق ساطع الحصري مصطلح "الإقليمية" على هذه النوازع في كتابه الذي يحمل هذا العنوان، بعد وقوع الانفصال بين سوريا ومصر عام 1961م، وفك عرى الوحدة التي قامت بينهما طيلة ثلاث سنوات وسبعة شهور، وكان في كتابه "دفاع عن العروبة" الذي صدر عام 1954م، قد تحدث عن هذه النوازع قائلاً: "عندما تحررنا من نير الاستعمار، أخذنا نقدس الحدود التي أقامها المستعمرون في بلادنا بعد أن قطّعوا أوصالها، ونسينا أن تلك الحدود، إنما كانت الحبس الانفرادي والإقامة الجبرية التي كانوا فرضوها علينا ".
ثالثاً : النزوع إلى التعاون مع الدول العربية الأخرى مع الالتزام بالوطنية القطرية، وذلك تعبيرًا عن نوع من الانتماء القومي، يتجلى في "وحدة صف"، و"تضامن عربي"، و"عمل عربي مشترك" يقوم بين دول لكل منها سيادتها الحريصة عليها.
وهذا النزوع نابع من حنين "الجزء" إلى "الكل" الذي اقتطعت منه، ومن تطلع إلى الاستقواء بالأخ أو ابن العمِّ لمواجهة خطر خارجي يهدد الأسرة كلها، وقد اقترنت ولادة الدولة القطرية بتعاظم خطر الصهيونية العنصرية على فلسطين والوطن العربي الكبير، وباستمرار خطر تسلط القوى الاستعمارية التي بقيت تسعى بعد اضطرارها لإنهاء استعمارها المباشر إلى بقاء نفوذها في هذه الأقطار.
رابعا : تأثير مصالح قوى الهيمنة الاستعمارية الغربية ونفوذها على سياسات الدولة القطرية، وقد كان لهذه المصالح دور خاص في رسم حدود هذه الدول، وفي أسلوب تدريب إدارييها الذين يديرون أجهزتها، وأبرز هذه المصالح قبل اكتشاف النفط الثروات الطبيعية، والموقع الاستراتيجي، والسوق الاستهلاكي، ثم غدا النفط في رأس القائمة، والحق إن "شمّ" الشركات النفطية الغربية "رائحة" النفط في بعض الأقطار العربية منذ مطلع القرن العشرين كان عاملاً حاسمًا في رسم الحدود السياسية للدولة القطرية العربية، واستمر "النفط" عاملاً حاسمًا فيما يطرأ على هذه الحدود من تعديلات، يكفي أن نستحضر مثلاً على ذلك المباحثات التي قام بها كليمنصو رئيس وزراء فرنسا بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى مع لويد جورج رئيس وزراء بريطانيا في لندن، فقد كان جدولها متضمنًا عدة ملفات، وأُعْطِي الملف النفطي الأولوية بينها، ويومها أفصح كليمنصو عن رغبة فرنسا في نفط الموصل .
هذه السمات الأربع للدولة القطرية العربية فعلت فعلها في توزع علاقات الدول العربية بعضها ببعض بين التعاون والنزاع ، فعلى صعيد التعاون نجد أن النزوع إليه مع تأثير مصالح قوية الهيمنة تفاعلاً في لحظة تاريخية، فأمكن إقامة نظام "إقليمي" عربي عام 1945م حمل اسم "جامعة الدول العربية" .
حين ننظر في هذا "النظام العربي" الذي جسّدته جامعة الدول العربية نجد أنه اعتمد "ميثاقًا" التزم به الأعضاء، وأنه قام على خمسة أركان وهي انتماء الدول الأعضاء إلى أمة واحدة عربية، وتوافقها على الالتزام بميثاق النظام، وتعاونها لمعالجة قضية فلسطين ومواجهة الخطر الصهيوني، وإسناد دور خاص لمصر، وجعلها مقرًّا للأمانة العامة للجامعة وللجنة العسكرية، وقيام كل دولة عضو بدور في إطار الكل يتناسب مع وزنها وثقلها.
إن النزوع إلى التعاون بين الدول القطرية العربية كان أحد العوامل التي أدت إلى بروز ظاهرة قيام مجلس إقليمي فرعي هو مجلس التعاون الخليجي في مطلع الثمانينيات، وهو المجلس الذي ضم في عضويته ست دول خليجية هي: المملكة العربية السعودية، والكويت والبحرين وقطر والإمارات العربية وعمان، وجاء تشكيله في وقت تعرض فيه النظام العربي إلى إعصار شديد، حين انفردت مصر - مقر جامعة الدول العربية - بإبرام اتفاق كامب ديفيد عام 1978 مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، ثم معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979، وقد اتسعت هذه الظاهرة في أواخر الثمانينيات، حين تشكل المجلس المغاربي من ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا، وتشكل مجلس التعاون العربي من مصر والعراق والأردن واليمن ، ولم يُقدر لهذا الأخير أن يصمد فتجمد بسرعة، ولا يزال المجلس المغاربي يتعثر .
واستطاع مجلس التعاون الخليجي أن يستمر، ولكن تجارب هذه المجالس الإقليمية الفرعية أثبتت أنها لا يمكن أن تكون بديلا عن النظام العربي الجماعي المتمثل بجامعة الدول العربية، وقد تعرض هذا النظام إلى إعصار شديد آخر بعد زلزال الخليج عام 1990 ومع قيام الولايات المتحدة الأمريكية بطرح "عملية سلام الشرق الأوسط" في خريف عام 1991 ومعها "نظام الشرق الأوسط" ليكون بديلا عن النظام العربي، استهدفت واشنطن تجميد جامعة الدول العربية، ولكن النظام العربي استطاع أن يستعيد شيئًا من فعاليته منذ أواخر عام 1995 حيث تلاقت إرادات ثلاثة من أعضائه هي مصر وسوريا والسعودية في قمة الإسكندرية، ثم حين تم انعقاد مؤتمر قمة عربي في القاهرة في مطلع صيف عام 1996، ومرة أخرى وجد النزوع إلى التعاون بين الدول القطرية العربية تعبيرًا عمليًا عنه، ولا يزال هذا التعبير ضعيفًا، رغم دورية القمم العربية التي عقدت في السنوات الثلاثة الماضية ، ومنذ أن قامت هذه الدول القطرية العربية ظهر تعبير آخر عن النزوع إلى التعاون خارج النظام العربي والمجالس الفرعية الإقليمية، هو التعاون الثنائي بين دولتين قطريتين عربيتين، وكان يمتد أحيانًا ليشمل دولة ثالثة، ويخوض تجارب "وحدوية" لم تصمد، ولا يزال هذا التعاون الثنائي القطري أقل من طموح أبناء الأمة، وعرضة للتذبذب بين صعود ونزول .
ولا شك ان ما تواجهه بعض الدول العربية اليوم من ثورات شعبية، أسقطت نظم ثورية وبوليسية تقليدية، هو النتيجة الحتمية والمنطقية للانفصال العربي –العربي وعدم الاستفادة من قواسم الوحدة القومية التي كانت قادرة على امتصاص الاحتجاجات الشعبية ، وقادرة أيضا على تقديم توليفة او تركيبة عربية موحدة تحقق مصالح الدول والشعوب، كما هو حال الاتحاد الأوروبي اليوم، خاصة وان اغلب مشاكل الدول العربية اليوم هي في غياب الحرية وغياب الخطط التنموية وانتشار الفساد والبطالة وسوء توزيع الثروات القومية، كما ان تكامل الدول العربية في المساحة الجغرافية والتوزيع الديموغرافي والثروات النفطية والمنتجات الصناعية، كفيلة بإيجاد نظام عربي قوي وسليم يلبي طموحات الأمة العربية، ويحقق درجات عالية من الرفاهية الاقتصادية والحرية السياسية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مخاوف من استخدامه كـ-سلاح حرب-.. أول كلب آلي في العالم ينفث


.. تراجع شعبية حماس لدى سكان غزة والضفة الغربية.. صحيفة فايننشا




.. نشاط دبلوماسي مصري مكثف في ظل تراجع الدور القطري في الوساطة


.. كيف يمكن توصيف واقع جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة؟




.. زيلنسكي يشكر أمير دولة قطر على الوساطة الناجحة بين روسيا وأو