الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطريق الثالث بين مسافتي الفاتح واللؤلؤة

بدر عبدالملك

2011 / 3 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


قبل البدء في الحديث عن مبادرة ولي عهد البحرين حول مسألة الحوار الوطني، أود التذكير بموقف سياسي متشنج حتى الأسابيع الأخيرة كان قائما بين دهاقنة المنبر التقدمي والوفاق، بعد أن كالوا من الكلام القاسي لجمعية الوفاق التي شوهت صورة مرشحي المنبر بكل ما كان في يدها من وسائط ووسائل لا أخلاقية من اجل المقعد النيابي!! بل رفع دهاقنة المنبر عقيرتهم فذهبوا بعيدا بأنهم لن يكونوا ذيلا للسداسية ولا تبعية لها بعد اليوم! ثم فجأة تنهمر الرياح فوق الأسقف الواهنة، فتنهار تلك الآراء السياسية وكأنما السياسة عبث صبياني والمواقف المبدئية نزوة سياسية عابرة. لماذا يحدث كل هذا داخل المنبر التقدمي بعد أن كانت له رؤية ماركسية وليس قومية أو دينية أو طائفية؟ هذا السؤال وحده بحاجة إلى مناقشة مستفيضة.

افهم الآخرين ومواقفهم، فهم أكثر انسجاما مع قناعتهم ولكن ما لا افهمه ذلك التقلب والمغامرة داخل قيادة سياسية لم تنجح طوال عقد كامل في تربية كوادرها وأعضائها تربية منهجية وسياسية، بحيث تصبح قادرة على التمييز بين الخيط الأبيض من الأسود في ليل حالك! بل وتضع لها مسافة واضحة في كل ممارساتها السياسية والنقدية لكل أنواع الممارسات.

لو سألنا كل جمعية عن رأيها حول الطائفية والوحدة الوطنية لسمعناهم يرددون جميعهم في جوقة واحدة «نحن مع الوحدة الوطنية وندين الطائفية» وهذا كلام جميل يردده ابسط شاب ساذج يتعلم الفباء السياسة، بل ووجدنا الإعلام الرسمي والشعبي والحكومة وكل الفرق تردد نفس الموال! إذن فلماذا انتم من الناحية العملية طائفيون حتى العظم – إلا قلة قليلة ترفعت عن تلك الاسطوانة عمليا وليس كلاميا – بل ولم تلتفت الفاعليات السياسية والرسمية لما دعا له المنبر التقدمي في المؤتمر الأول حول «الحوار الوطني».
هل أصيبت ذاكرة الناس بالنسيان، اعتقد ذلك! واليوم تدفع الشعب البحريني وحكومته الأحداث الجسام لموضوعة «الحوار الوطني» فيخرج الجميع ليصفق دون تفكير عميق بالأسباب الحقيقية التي أدت إلى مثل تلك النتائج السياسية المروعة وفقدان الشعب هذا العدد من الضحايا والجرحى، وكأننا في حالة حرب! لماذا حدث ذلك وبهذه الصورة المأساوية التي صبت الزيت على النار، فارتفع سقف شعار يوم الغضب في 14 فبراير إلى نوع من حمامات الدم والى نوع من كرنفالات سياسية وخطابية يمتد من مسافة دوار اللؤلؤة حتى فضاء مسجد الفاتح، وكما كان لينين يسميها في بعض كتاباته في خطبه للشباب «هدير صيحات وهتافات الإعجاب والابتهاج»! (حول خطاب لينين، مهمات اتحادات الشباب – سازونوف – دار التقدم، ص43)، مؤكدا على أهمية الطاقة الشبابية التي بحاجة إلى التوجيه والتعليم لمهماتها، مبتعدا عن روح الوصية ومؤكدا على فكرة تزعم أن سن الكهولة هي بحد ذاتها مزية لا نظير لها وفضيلة «هذه الفضيلة كثيرا ما أشار إليها بان تكون صفة لدى الساسة والثوريين الذين هم دائما بحاجة» إلى قلب شاب وعقل عجوز «مدللا بذلك على جانبين وهما حيوية وطاقة وحماس الشباب التي يحتاجها السياسي وفي الوقت ذاته هو بحاجة إلى عقل رجل عجوز يمتاز بالخبرة والحنكة والدراية، فالأمور لا يمكن أن تحل بالخطب والحماسة في كل الأوقات، فالوقت العاصف من الانتفاضات يكون مختلفا عن زمن الهدوء السلمي، فهناك تكمن الحكمة والعقلانية في فهم معنى الحوارات السياسية والتفاوض وفن الممكن في علم السياسة، إذ لا يمكن أن نتحدث هكذا كما أن الخطوات الأولى للحوار تقام على مبادرات الثقة كمدخل ومقدمة للحوار. ولكي تنتقل الأطراف المتصارعة والمتباينة والمختلفة من ميادين الخطابة والأغاني، فإنها بحاجة إلى أن تضع مرئياتها ومطالبها الممكنة والقابلة عند طاولة الحوار للتفاوض المستفيض تحت شعار وفلسفة التبادل المشترك للمصالح وإمكانية التنازل المرحلي والتأجيل لما هو ممكن لاحقا، دون أن يضع المتحاورون منذ الوهلة الأولى العربة أمام الحصان فينغلق باب الحوار منذ الساعات الأولى.

في الحوارات الطويلة أو القصيرة أو المتوسطة أو جميعها معا يتم توزيع الأجندة على مراحل بدلا من وضعها دفعة واحدة، تحت شرط إما أن تحقق كلها أو ترفض كلها، فيكون كلا الطرفين متمترسا حول موقفه المتعنت، فلا يقبل كلاهما التنازل ولا ذاك يرضى بالمنجزات الممكنة لشروطه، فيعود المتحاورون إلى نقطة الصفر وتستمر الأزمة ويخسر الجميع، لكون المرونة في عملية الحوار والتفاوض لم تكن قائمة على أسس مرنة ولا على ذهنية التبادل في المصالح الممكنة.

سنجد دائما في داخل كل فريق تيارين وأحيانا ثلاثة موزعين بين الصقور والحمائم والثالث هو المعتدل بين التيارين. لهذا تصبح المبادرة التاريخية لولي العهد الخطوة الثانية من عمر الميثاق والمرحلة التاريخية الهامة من عمر البحرين، حيث يقف الشعب والوطن في مفترق الطرق، لتبرهن البحرين وشعبها بأنهم قادرون على تخطي عنق الزجاجة والأزمة، برغم محاولة البعض وضعنا داخل النفق المسدود.
لا أريد أن اكرر ما كتبه البعض من الإدانة والرفض لكل أشكال العنف مفرط وغير مفرط ، فالديمقراطية الحقة هي من تبيح للجماهير حق التعبير السلمي إلى جانب الحقوق الأخرى، التي تجمدت وتراجعت خلال مسيرة الميثاق.

كنا وما زلنا نقول إن الميثاق يقدم أرضية جيدة للحوار الوطني متى ما تم احترامه، بل ويفتح آفاقا جديدة لانطلاقة قادمة، دون أن نغفل إن التغيير والتجديد والإصلاح لا بد وان يستمر لكي تبقى التجربة الديمقراطية هي وجه البحرين الجميل وهو اقل ما يمكن أن يستحقه شعبنا في مسيرته السلمية. انتهى درس الألم ومرارته ولكننا علينا أن نتعلم من سؤال هام هل كان بإمكاننا تجنب كل ما حدث؟ وبتعبير ولي العهد لو لم نكن بطيئين «جدا» في مسيرة الميثاق لما «وصلنا هذه المواصيل» وفق ما جاء على لسانه في تلفاز البحرين. وهل نحن التقدميين ليست لنا هويتنا وطريقنا الثالث، برغم إننا قد نتفق وقد نختلف في أحقية الطرفين في تلك المسافة، مع تحفظنا لكل أشكال المغامرة وإدانتنا للعنف مهما كان مصدره.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أسلحة الناتو أصبحت خردة-.. معرض روسي لـ-غنائم- حرب أوكرانيا


.. تهجير الفلسطينيين.. حلم إسرائيلي لا يتوقف وهاجس فلسطيني وعرب




.. زيارة بلينكن لإسرائيل تفشل في تغيير موقف نتنياهو حيال رفح |


.. مصدر فلسطيني يكشف.. ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق ل




.. الحوثيون يوجهون رسالة للسعودية بشأن -التباطؤ- في مسار التفاو