الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فتنة أو فوضى خلاّقة أم ثورات خلاّقة

خالد الحلو

2011 / 3 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


مع ازدياد الأدلة على أن ما وقع من ثورات شعبية في كل من تونس ومصر وما تبعها من ثورات في كل من ليبيا واليمن والبحرين وما رافقها من إرهاصات شعبية تبحث عن أدوات نهوض بالجماهير في بلدان عربية أخرى فقد أصبح واضحاً أن رياح التغيير باتت تعصف بكامل النظام العربي الذي رغم تشكله من دول تبدو متمايزة، ملكية وأميرية وجمهورية وجماهيرية ودينية وعلمانية وغنية وفقيرة، إلاّ أنه موحد في تحكم ثالوث السلطة ومافيا المال والفساد في البلاد والعباد، وموحد في ضلوعه بقمع الجماهير ومصادرة حرياتهم وتدمير وسرقة مقدرات بلادهم، وفي تحنيط الزمان العربي على لحظة الهزيمة والاستسلام أمام قوى الطغيان الصهيوأمريكي، ورغم ما يبدوا من انقسام الجماهير إلى شعوب مختلفة إلاّ أن الأحداث أثبتت وحدتهم لا في القهر والتخلف والفقر فحسب بل في الطموح والثورة ووحدة المصير.

هذه الأدلة وغيرها بدأت تدفع بالنظام العربي المتصدع الآيل إلى السقوط وبمرتزقته وأبواقه إلى التشكيك بجدوى هذه الثورات، تارة من باب ردئ الفتن وتارة من باب نظرية المؤامرة التي تدّعي وقوف أيد خفية وراء هذه الثورات تهدف إلى تفتيت الشعوب وتدمير ما تم تحقيقه من انجازات، فعلماء السلاطين أفتوا بأن ما يقع اليوم من خروج على الحكام إنما هو فتنة يقصد منها تدمير وتفتيت البلاد والعباد، واذكاء نيران الصراع والاقتتال بين الشعوب العربية، وافتوا والحال كذلك بأن الصبر على الظلم خير من مواجهته، وكأن علماء الأمة لم يقولوا في أمراء الظلم والجور أنه إن قدر الناس على خلعهم بغير فتنة ولا ظلم فوجب خلعهم، وإلا وجب الصبر، فأين الفتنة فيما جرى من ثورات في تونس ومصر وأين الفتنة فيما يقع من أحداث في ليبيا واليمن والبحرين، ألم تلتف كل الجماهير حول هذه الثورات بمشهد مهيب، الم تلتزم هذه الثورات الخلاقة المبدعة بالسلمية الكاملة والأخلاق العالية في التعامل مع سلطات بلادها ومع ما جيّشوه ضدها من بلطجية ومرتزقة، وهل من الظلم أن تكف الجماهير يد من يسرق قوتها وثرواتها ويستبيح شرفها وكرامتها، وهل من الظلم أن تسقط الجماهير هذه الأنظمة التي تآمرت على ماضي وحاضر ومستقبل الامة وجعلتها في ذيل الامم في التنمية والتقدم السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ألم تعقد بعض هذه الانظمة معاهدات مع إسرائيل وهي تحتل القدس والمسجد الاقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، بينما تصمت الانظمة الاخرى صمت المتآمر الخائن.

أمّا القول بأن هذه الثورات الخلاقة هي الفوضى الخلاقة التي تحركها يد أمريكا في الخفاء لإغراق المنطقة بالفوضى التي تفتت المجتمع وتذكي نيران الصراعات الاثنية والطائفية والمذهبية بين أبناء الوطن الواحد، وتدمر معالم المدنية والبنى التحتية، فتتحقق رؤية ميكافيللي صاحب المدرسة النفعية في السياسة المؤسسة لنظرية الفوضى الخلاقة، التي عاد واستحدثها نخبة من منظري المحافظين الامريكيين الجدد أمثال راوول مارك غيريشت وبرنارد لويس وفؤاد عجمي الذين ساهموا في بلورة خطط تدمير وتمزيق العراق ووضع مشروع ما بات يسمى بمشروع الشرق الاوسط الكبير الذي بشّرت به كنداليزا رايس قبل ما يزيد عن الخمس سنوات، فهل تماهت ثورات الشعوب العربية مع صيرورة الثورة الفرنسية التي تمثل الأساس الإيديولوجي النظري لسيرورات الفوضى الخلاقة التي أطلقت يد الغوغاء لسفك الدماء والتدمير والتخريب رغم نبل شعارات "الحرية والعدالة والمساواة" التي رفعتها، أم أنها تماهت مع ما وقع ويقع في العراق تحت رعاية الاحتلال الأمريكي من صراعات دموية بين القوميات والاثنيات والمذاهب التي تكاد تخرج العراق الأبي من تاريخ وجغرافيا المنطقة، ألم تعد هذه الثورات لحمة شعوبها بعد أن فتتتّها دسائس ومؤامرات الأنظمة التي صيرتهم ليكونوا طوائف وقبائل ومذاهب وشرائح اجتماعية متناقضة ومتصارعة أملا في إرضاء أمريكا واطالة أمد سيطرتهم وهيمنتهم على شعوبهم ، ألم تكن هذه الثورات سلمية رغم عنف خصومها، ألم تكن منظمة رغم عفويتها، ألم تحترم هذه الثورات قواعد الانتقال السلمي للسلطة رغم تآمر بقايا الأنظمة وتلكأ قيادات الجيوش في احترام هذه القواعد حتى الآن.

وعلى الرغم من قناعتنا بأن هذه الثورات العظيمة هي من صنع محلي فاجأ الولايات المتحدة وفاجأ الانظمة العربية بل وفاجأ صانعي الثورة أنفسهم، لكن علينا أن لا ننسى أن ما حصل ويحصل اليوم رغم ضخامته واهميته الكبيرة ليس إلاّ المقدمات الاولى المتواضعة للسير في طريق التغيير الطويل والشاق، حيث لا زالت بلاد عربية كثيرة ترزح تحت كافة أشكال الظلم والقمع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وهي مرشحة للتغيير والثورة لكن بعد أن خرج حكامها من مرحلة الارتباك والصدمة التي أحاطت بكل من زين العابدين بن علي وحسني مبارك، وهذا يعني ضرورة توقع مزيد من أساليب القمع والمواجهة والخداع والتشويه لحركة الجماهير، ونسب ما يقع إمّا للفتنة وإمّا لنظرية الفوضى الخلاقة التي تقف وراءها امريكا، كما أن على الجماهير هي الأخرى ابداع مزيد من نماذج المواجهة الخلاّقة والدفاع المحكم عن أهدافها النبيلة، أما البلاد التي انتصرت على جلاديها فلا زال عليها مواجهة قوى الثورة المضادة المتمترسة خلف ما تبقى من جدران الأنظمة المنهارة تحت زحف أقدام الجماهير، ولا زال أمامها أيضاً مواجهة آثار ما خلفته أنظمة التخلف والرجعية والخيانة من تدمير سياسي واقتصادي واجتماعي لبلادها، فمن عجز قوى المعارضة السياسية المنظمة، الى نمط السوق الطفيلي والاستهلاكي الغير منتج، الى اتساع مساحات الفقر والفقراء وتشويه الطبقات واستحداث شرائح النفعيين والسماسرة والفاسدين، الى كم كبير من المشاكل الاخرى المتنوعة والعالقة من الحقب البائدة، وهذه يعني أن المواجهة السياسية والاجتماعية والثقافية ستبقى مفتوحة الى أجل غير قصير مع الانظمة وبقايا الانظمة وما خلفوه من تركة ثقيلة.

إن على من صنعوا ويصنعوا هذه الانجازات العظيمة والفريدة أن يدركوا أن عليهم العمل الدؤوب وبدون كلل على انهاء التزاوج المفروض بين الثورة والسلطة الذي تضمنه قيادة الجيوش الى هذه اللحظة، وأن يعملوا على حسم الانتصار لصالح الثورة من خلال المواظبة على سلوك الثورة وحشد وتوحيد الجماهير وراء أهداف الثورة النبيلة، وزيادة منسوب تراكم المتغيرات التي تمأسس لاحداث التغيير الكامل لصالح الثورة والجماهير، الى جانب ضرورة الانتباه الشديد الى أن القوى الامبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل وقوى الثورة المضادة المتفاجئين والمربكين والمهمومين هذه الايام من زخم وسرعة التغيير الذي يتوالى على المنطقة العربية سيعملون بدورهم ليل نهار وباقصى طاقاتهم لاحتواء آثار هذه الثورات واختزال نتائجها وحرف مساراتها والتشكيك بأهدافها وجدواها عبر كل الوسائل المتاحة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في ثاني يوم لزيارته: بوتين يؤكد الرغبة بزيادة التعاون مع الص


.. المحامون غاضبون في تونس • فرانس 24 / FRANCE 24




.. أجرى عملية لطفل فقد 3 من أطرافه.. طبيب أمريكي محاصر في غزة ي


.. تواصل أعمال النسخة الـ 29 من معرض الكتاب في المغرب وسط إقبال




.. تقدم ساحق لروسيا في أوكرانيا والناتو يهب للنجدة... فهل تحدث